بعد احتواء تمرده.. ما مصير مرتزقة بريغوجين الإلكترونيين؟
١٤ يوليو ٢٠٢٣بعد فشل التمرد الذي قاده زعيم مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين ضد وزارة الدفاع الروسية، فإن الغموض لا يكتنف فقط مستقبل شركته شبه العسكرية، بل ويشمل أيضا إمبراطوريته الإعلامية. في أواخر الشهر الماضي، أعلن مدير موقع تابع لمجموعة "باتريوت ميديا" التابعة لبريغوجين إن المجموعة ستنهي أعمالها. لكن هل يشير ذلك إلى نهاية ما يُعرف بـ "مصنع ترول" وهي وحدة معلومات مضللة سيئة السمعة في روسيا، إذ يقوم عناصرها الذين يُطلق عليهم "مرتزقة الإنترنت" بمدح زعيم الكرملين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومهاجمة رموز المعارضة؟
عُرفت مزرعة أو مصنع ترول وهي مجموعة من المتصيدين عبر الإنترنت، لأول مرة عام 2013 عندما اكتشف صحافيون وجود ما تُعرف بـ "وكالة أبحاث الإنترنت" ومقرها سانت بطرسبرغ حيث تم دفع رواتب لموظفين مقابل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المجموعة سرعان ما ارتبطت بالزعيم بريغوجين الذي نفى أي صلة بها، بيد أنه في فبراير/ شباط الماضي أقر بتأسيسها من أجل حماية "الفضاء المعلوماتي الروسي"، على حد وصفه.
وقال يفغيني زوباريف مدير موقع "ريا فان"، الذي يعد أحد أبرز منافذ مجموعة "باتريوت ميديا"، إن "مصنع الترول" يعود إلى عام 2009، مضيفا "بأن المتصيدين الأوائل عملوا ضد شخصيات معارضة مثل أليكسي نافالني فيما بدأ جيش بريغوجين الإلكتروني في النمو والعمل على الساحة الدولية بداية من عام 2010". الجدير بالذكر أن وزارة العدل الأمريكية اتهمت مجموعة "باتريوت ميديا" بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
كم كبير من التعليقات
في بداية الأمر، كان يعمل في مؤسسة بريغوجين الدعائية عشرات الموظفين أو "المتصيدين الإلكترونيين" فيما كانت مهمتهم كتابة حوالي مئة تعليق يوميا، لكن بحلول عام 2023 وصل عدد المتصيدين إلى حوالي 400 شخص كتب بعضهم مقالات جرى نشرها في وسائل إعلام تابعة لزعيم فاغنر ، فيما كتب ربعهم على الأقل تعليقات في منصات التواصل الاجتماعي.
ووفقا لمنظمة "مركز الملف" الاستقصائية، فإنه كان من الممكن نشر عشرات الآلاف من المنشورات يوميا من الناحية التقنية. وقد أسس المركز ميخائيل خودوركوفسكي، أحد ملوك تجارة النفط والمعارض الشرس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين و الذي يقيم حاليا في لندن، فيما جرى حجب موقع "مركز الملف" الإلكتروني في روسيا.
وعقب تسريب وثائق من دوائر مقربة من بريغوجين، تمكن "مركز الملف" من نشر تفاصيل حول "مصنع الترول" أو ما أصبح لاحقا إمبراطورية بريغوجين الإلكترونية التي وصلت ميزانيتها إلى مئة مليون روبل ( 1.1 مليون دولار) كل شهر.
من يتحكم في هذه الإمبرارطورية؟
وفي أوج مراحل التمرد الذي قاده زعيم فاغنر وتحديدا في الرابع والعشرين من يونيو / حزيران الماضي ومع تقدم مسلحيه صوب العاصمة موسكو، قامت قوات الأمن بمداهمة مجمع "لاختا سنتر" التجاري في مدينة سان بطرسبورغ حيث يتواجد موظفي مؤسسة بريغوجين الإعلامية، فيما لم يتم تحديث بعض وسائل الإعلام التابعة له منذ ذلك الحين.
ولم تنشر حسابات "روسيا أكشلي/ "RussiaActually" و "ورلد WorldActually" سوى تغريدتين بعد 23 يونيو / حزيران فيما لم يتم نشر تغريدات منذ 29 يونيو / حزيران رغم أنه كان ينشر ما يتراوح ما بين 10 إلى 12 تغريدة يوميا.
تزامن هذا مع ما أفاد به موقع "ذا بيل" الروسي المستقل بأن إمبراطورية بريغوجين الإلكترونية كانت تبحث عن مالك جديد، مضيفا أن المالك الجديد قد يكون "مجموعة الإعلام الوطني" المملوكة لرجل الأعمال الروسي يوري كوفالتشوك الذي يعد أكبر مساهم في بنك روسيا وصاحب إمبراطورية إعلامية تسيطر على العديد من وسائل الإعلام الروسية والشخصية المقربة من بوتين.
يشار إلى أن ألينا كاباييفا، التي يُعتقد بأنها عشيقة بوتين، هي الرئيسة الحالية لـ "مجموعة الإعلام الوطني"، فيما نقل موقع "ذا بيل" عن مصادر قولها إن بريغوجين كان صاحب قرار إغلاق إمبراطوريته الإعلامية بما يشمل كل شي وإنهاء أي تواجد على الإنترنت. كذلك قامت هيئة الاتصالات الروسية "روسكومنادزور" بفرض قيود على الوصول إلى وسائل الإعلام التابعة لزعيم مجموعة فاغنر بما في ذلك موقع "ريا فان".
المتصيدون الإلكترونيون؟
ورغم هذه المستجدات، لا يرى الاتحاد الأوروبي أي سبب للاحتفال بالنصر على حملات الأخبار الكاذبة و المتصيدين على الإنترنت التابعين لروسيا . وفي مقابلة مع DW، قال بيتر ستانو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، إنه "من السابق لأوانه إصدار أي أحكام نهائية حول التطورات في منظومة المعلومات المضللة الروسية بعد الإغلاق المزعوم لأنشطة بريغوجين".
وفي سياق متصل، يلقي خبراء بظلال من الشكوك حيال القول بأن الأمر ينذر بنهاية "المتصيدين الإلكترونيين" التابعين لروسيا، إذ أشاروا إلى وجود معلقين آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي نشطين خارج امبراطورية بريغوجين الإعلامية.
وأكد مؤسسو مشروع "شيفس تراب/ Chef's Trap" الذي يراقب عمل المتصيدين الإلكترونيين على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي على أن "الكثير من وسائل الإعلام تتحدث عن أن مصنع ترول الشهير قد أغلق في 24 يونيو/ حزيران".
من يسيطر على المتصيدين؟
وعند التطرق إلى الحديث عن المتصيدين الإلكترونيين، يطرح مراقبون تساؤلات حيال الهيئة التي تسيطر عليهم. وفي ذلك، قال مشروع "Chef's Trap" أن مايو / آيار الماضي قد شهد بداية تصعيد الصراع بين بريغوجين ووزارة الدفاع الروسية حيث كان معظم المتصيدين يكتبون منشورات تنتقد زعيم مجموعة فاغنر، فيما توقف حوالي 13000 من حوالي 15000 متصيدًا عن دعمه.
وعلى وقع ذلك، يتوقع "شيفس تراب/ Chef's Trap" أن "مصنع ترول" قد سلب من بريغوجين فيما أشار خبراء إلى أن سلوك المتصيدين وخطابهم سوف يمضي قدما في الحفاظ على مصالح الكرملين كما حدث خلال فترة المراقبة بأكملها."
على ضوء ذلك لا يتوقع الاتحاد الأوروبي أن هذه المعطيات سوف تنهي حملات التضليل المعلوماتي التي تقوم بها كيانات مقربة من الكرملين.
وفي ذلك، قال ستانو "من الواضح أن مشروع بريغوجين لم يكن البداية الوحيدة لأنشطة التضليل، حتى يكون نهايتها. سيواصل الكرملين محاولة استخدام المعلومات المضللة والتلاعب بالمعلومات عن طريق تكتيكات مختلفة ومن خلال وسائل مختلفة كما يفعل منذ سنوات".
ايليا كوفال / م. ع