بعد اعتداءات بروكسل ـ مسلمو ألمانيا ومكافحة الإرهاب
٢٣ مارس ٢٠١٦التفجيرات التي أصابت العاصمة الأوروبية بروكسل، أثارت المخاوففي ألمانيا،من استهداف أراضيها، ما جعل البعض ينادي بفرض إجراءات أمنية مشددة، خاصة على المسلمين، وعدم سماح الدولة الألمانية بتكرار وجود حي مولنبيك أخر داخل ألمانيا.واتهم بعض الساسة ورجال الإعلام بأن المسلمين في ألمانيالا يقومون بما يكفي من أجل محاربة الإرهاب. وبالرغم من تأكيد المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية يوهانس ديمروتفي مؤتمر صحفي الأربعاء23 آذار/ مارس" إنه لا يوجد دليل بعد على وجود صلة للهجمات التي وقعت في بروكسل بألمانيا"، رأتصحيفة "فرانكفورتر روند شاو" على موقعها الالكتروني، أن نجاة ألمانيااعتمد على الكثير من الحظ وعلى كفاءة العنصر الأمني. وأوضحت الصحيفة " ظلت ألمانيابمنأى عن أي هجوم إرهابي كبير حتى الآن. وقد يرجع ذلك إلى الاحتراف الواضح الذي تبديه الأجهزة الأمنية الألمانية، وأيضا الحظ، الكثير من الحظ هو ما أنقذنا لحد ألان"، حسب تعبير الصحيفة.
"نتعرض لحملات تشويه"
مسؤول شؤون الحوار في المجلس الأعلى لمسلمين ألمانيا أحمد عويمر أكد في لقاء مع DWعربية أن "المسلمين في ألمانيا هم أكثر المتضررين من التفجيرات داخل أوروبا، وذلك لأنهم يتعرضون لحملات تشويه موجه ضدهم".وقال عويمر نحن نوضح للجميع، بأن أفعال هذه التنظيمات هي ليست من تعاليم الإسلام، ودورنا لا يقتصر بالتوضيح وإصدار البيانات بل يتعدى ذلك إلى محاولة مكافحة ما يفعله المتطرفون بالحجة الشرعية. وأعتبر عويمر أن هؤلاء "الشباب المغرر بهم، لم يكونوا أبدا من رواد المساجد، وينتمي معظمهم إلى أسر مفككة وليست ذات طابع ديني". واعتبرأنحملات التشويهالتي يواجهها المسلمون بعد تفجيرات بروكسل وغيرهاهدفها هو تمزيق العلاقة بين المسلمين وإخوانهمداخل ألمانيا.
وكانت صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية قد حذرت في عددها الصادر الأربعاء 23 آذار/ مارسمن أن: "إستراتيجية الإرهابيين واضحةوبأنهم يريدون دق إسفين بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وبين من حولهم من غير المسلمين" وتابعت الصحيفة "بهذه الهجمات تتعمق عدم الثقة، وتتسارععزلتهم، وحينما يبدأ رد الفعل العكسي من المجتمعات الأوروبية تجاه كل ما هو مسلم، المساجد، الحجاب، وحتى قائمة الطعام الحلال، سيكون الإرهابيون قد حققوا هدفهم"، حسب رأي الصحيفة.
"الأكثريةالساحقة من المسلمين لا يدعمون الإرهاب"
ويرى الباحث في شؤون الإرهاب ألبريخت ميتسغر في حوار مع DWعربية أن المسلمين في موقف "لا يحسد عليه" داخل المجتمعات الأوروبية، فمن ناحية يرى العديد من الساسة الأوروبيين وفي داخل ألمانيا، أن المسلمين لا يبذلون الكثير من الجهود لمحاربة الإرهاب، ومن ناحية أخرى يرى المسلمون أن حقهم مغبون، ولا يتم الأخذ برأيهم أو استشارتهم في الحرب على الإرهاب"، وتابع الباحث الألماني "صمت المؤسسات الإسلامية، نابع من معرفتها أن كلامها لن يفيد، وهو ما يجعلها تنسحب". وقال ميتسغرأنه يوجد بالطبع حركة نقدية داخل المسلمين، وينادي العديد منهم بتطوير المفاهيم الإسلامية، إلا أن الأكثريةالساحقة من مسلمي ألمانيا لا يدعمون الإرهاب،ويحاولون الابتعاد عن هؤلاء المتطرفين.
وكان المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا قد طالب المسؤولين السياسيين الألمان مرارا، منح المسلمين مكانة الشريك المتعاون في مكافحة الإرهاب والمتطرفين،حيث صرح رئيس المجلس أيمن مزيك فيحوار سابق مع DWعربيةأنه "في السنوات الأخيرة بعد وقوع أحداث شنيعة تكرر ارتكاب الخطأ بعدم اعتبار المسلمين شركاء في مكافحة الإرهاب والتطرف وإنما كطائفة منبوذة، في المجتمع. ولا بد من تغيير ذلك"وقال "إن هدف الإرهابيين هو إحداث انقسام في المجتمع، وعلينا فعل شيء لمواجهة ذلك."
النموذج الأمني الناجح ضد الإرهاب
مسؤول شؤون الحوار أحمد عويمر أوضح أن المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا - وهو اتحاد يضم في عضويته 19 منظمة إسلامية، ويتبع هذه المنظمات حوالي 300 مسجد، وفيه مسلمون من الأتراك والعرب والألمان والألبان والإيرانيين والبوسنيين وغيرهم، من السنة والشيعة، وكل المذاهب الإسلامية–حريصعلىمحاربة الإرهاب، ونشر الوسطية والاعتدال، من خلال الشبكة الكبيرة التي يملكها المجلس. وأوضح عويمر نتبنى مفاهيم سلمية من أجل توعية الشباب المسلم. ونقوم أيضا بعمل لقاءات مكثفة مع الساسة في ألمانيا ومع منظمات المجتمع المدني من أجل متابعة دور المسلمين والتأكيد على دورهم في المجتمع.
من ناحيته يرى ميتسغر أنه لا وجود لشيء أسمه "الأمان المطلق"داخل المجتمعات، وأن من يطالبون بفرض الأمن، وعدم احترام الحرية الشخصية، ويطالبون بزيادة الرقابة، لا يعلمون أن هذا طريق خاطئ ولن يجلب الأمان، لا لألمانيا ولا للدول الأوروبية.ويتابع "من المستحيل مراقبة جميع الناس، كما أن تفجيرات باريس السابقة أثبتت مثالا سيئا للتعاون الأمني داخل أوروبا، فالمنفذون سافروا إلى سوريا وتنقلوا داخل أوروبا، قبل قيامهم بالتفجير". ويرى الباحث الألماني أن الحل يكمن بزيادة الثقة بين الجاليات المسلمة وأجهزة الأمن، وجعل المسلمين شركاء في مكافحة الإرهاب، وهو ما سيؤدي إلى نجاحات أمنية أكبر.
من جانبه، يؤكد عويمر أن المسلمين في ألمانيا يثقون بقدرة الأجهزة الأمنية، وبالسياسيين على التمييز بين المواطنين العاديين وبين الإرهابيين، ويقول: "نحن نتعاون مع الأجهزة الأمنية، ويوجد لدينا تنسيق كامل معهم، إلا أننا نشدد أيضا، أن الحرية شيء مقدس". ويضيف "لا نريد أن نعيد تجربة ألمانيا الشرقية حيث كان الكل يتجسس على الكل. نحن نرفض هذا الشيء". وقال:"حبذا لو صرفت الدولة بعض من هذه "الميزانيات الضخمة"التي تصرفها لمكافحة الإرهاب من أجل تمكين المؤسسات التي تمثل المسلمين على التحرك بشكل أكبير، نحن نمثل الإسلام المعتدل، ومع بعض الثقة والتمويل من الدولة سنكون قادرين بشكل أكبر على إثبات وجودنا داخل مجتمعنا في ألمانيا"، حسب تعبيره.