بعد تطورات اليورانيوم.. أيّة رسائل تريد إيران تبليغها؟
٢ يوليو ٢٠١٩بإعلان طهران، للمرة الأولى، منذ توقيع اتفاقها النووي عام 2015، تجاوز الحدّ الأقصى من اليورانيوم ضعيف التخصيب، تُفتح نافذة جديدة للصراع المستمر بينها وبين الولايات المتحدة، خاصةً وأن هذه الأخيرة باتت تتوفر اليوم على سبب جديد للاستمرار في فرض عقوبات على طهران والضغط عليها وتهديدها عسكريا.
ورغم أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، صرّح لاحقاً أن تجاوز السقف المحدد (أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية) لا يعني انتهاك بلاده للاتفاق النووي، إلّا أن عدداً من القوى عبّرت عن انشغالها بالموضوع، ليس فقط تلك المناوئة لطهران كواشنطن التي علّقت على لسان ترامب: "إيران تلعب بالنار"، أو لندن التي وصفت الإجراء بـ"المقلق جدا"، أو إسرائيل التي طلبت معاقبة إيران، بل كذلك روسيا الذي عبّرت عن أسفها وفق ما نقلته وكالة فرانس برس..
إلّا أن عماد أبشناس، رئيس تحرير إيران ديبلوماتيك، يرى أن الولايات المتحدة هي من عرقلت الاتفاق النووي، لأن إيران كانت تبيع سابقاً اليورانيوم المخصب متى اقترب من حاجز 300 كيلوغرام المحددة في الاتفاق، لكن مع العقوبات الأمريكية الجديدة التي منعت إيران من بيع اليورانيوم، أضحت طهران تُخصب أكثر ممّا هو محدد، مشيرا إلى أن الدول الغربية لم تأخذ كلام إيران على محمل الجد عندما أكدت قبل أسابيع أنها ستستمر في تخصيب اليورانيوم رغم العقوبات.
رسائل متعددة
استطاعت إيران الصمود أمام الضغط الأمريكي منذ عقود، وبقيت وفية لسياستها المعادية لواشنطن، رغم الانفراج المحدود الذي شهدته فترة الرئيس أوباما. ومع تعاظم دورها في مناطق متعددة من الشرق الأوسط، واستمرار الخلاف بين واشنطن وعواصم أوروبية على طريقة ترامب في التعامل معها، تريد طهران تبليغ رسائل متعددة قوامها أنها حاضرة بقوة، وأنها غير مستعدة لمزيد من الخسارات بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة التي صعّبت عليها إيجاد زبائن لنفطها.
"غيّرت إيران استراتيجيتها في الأسابيع الأخيرة ولم تعد تستطيع الصبر على الضغوط الأمريكية وعلى لامبالاة دول أخرى لم تنفذ بعض التعهدات الواردة في الاتفاق النووي" يقول أبشناس لـ DW عربية، مبرزاً أن طهران توّد أن تبليغ رسالة مفادها "أنه إما أن يحترم الجميع الاتفاق النووي وإما أتراجع أنا كذلك عن تعهداتي".
ويعبّر أحمد بن حسن الشهري، محلّل سياسي سعودي، عن الرسائل الإيرانية بتعبير آخر: "إيران تحاول ابتزاز الولايات المتحدة بهدف رفع العقوبات التي أنهكت الاقتصاد الإيراني وكوّنت احتقاناً شعبياً يخشاه النظام". ويضيف الشهري لـ DW عربية أن طهران توجه رسالة أخرى لأطراف الاتفاق النووي بضرورة فتح أسواقها أمام النفط الإيراني ومقاومة العقوبات الأمريكية. وهناك رسالة ثالثة توجهها إلى "أذرعها الإرهابية في دول الجوار، مفادها أن نظام طهران لا تزال لديه ورقة قادر على اللعب بها"، فضلا عن بحثها عن "ضربة عسكرية تكون طوق نجاة لها على الصعيد الشعبي الداخلي"، حسب المحلل السياسي السعودي.
ولا يظهر أن القدرات التسليحية لإيران قد تأثرت كثيراً بالعقوبات الأمريكية، خاصة مع إسقاطها طائرة تجسّس أمريكية قبل أيام قليلة. ويرى إفريم هليفي، محلّل أمني إسرائيلي، لمجلة "واتسون" السويسرية، أن العقوبات الأخيرة قلّلت من القوة العسكرية لإيران وقدرتها على دعم "منظمات إرهابية" كحزب الله والحوثيين، لكن طهران لن تتخلى عن هذه المنظمات، يضيف الخبير، وستستمر في دعمها حتى تدفع الولايات المتحدة والغرب إلى محادثات بناءً على الحاجيات الإيرانية.
عواقب على المنطقة
رغم التهديدات الأمريكية المتصاعدة، إلّا أن طهران لا تبدو مستعدة لتهدئة الأجواء: "ما يهدّدون به إيران هو أمر واقع، فالعقوبات مفروضة منذ مدة، ولم تعد تخيف الإيرانيين" يقول أبشناس لـ DW عربية. فهل هي نذر حرب قادمة؟ يجيب المتحدث أنه عموما لا يمكن استبعاد وقوع حرب، ما دام من الصعب التكهن بقرارات ترامب، وأن "الإيرانيين سيدافعون عن أنفسهم إذا اضطروا لذلك"، مشيراً إلى وجود حالة استنفار داخل القوات الإيرانية.
وتراقب إسرائيل، أحد أبرز أعداء إيران، تحرّكات هذه الأخيرة بحذر شديد، خاصةً أن أيّ حرب محتملة بين واشنطن وطهران ستكون لها آثار على تل أبيب، في ظل تهديدات نووية ستزيد من إشعال منطقة الشرق الأوسط. لكن إفريم هليفي يقول إن إسرائيل غير مهتمة بحرب إقليمية، لكنها منشغلة كثيراً بالطريقة التي تتعامل بها طهران، مشيراً في الآن ذاته إلى أن إيران تراقب الولايات المتحدة حاليًا أكثر من إسرائيل التي لم تعد موضوعا مهماً للإعلام الإيراني.
ويدرك المتتبعون أن طهران قد تصعدّ أكثر، وقد تصل حدّ السعي إلى امتلاك سلاح نووي بما يجعلها تتراجع عن تعهداتها في الاتفاق النووي.
لكن لا يبدو أن طهران تحبذ الدخول في مواجهة، وترغب بحلّ التوتر بشكل دبلوماسي الآن عبر إنهاء العقوبات المفروضة عليها، مستندة في ذلك إلى ثقلها العسكري، وفق أبشناس، إذ ترغب إيران بتفادي السيناريو العراقي عندما حوصر البلد بعقوبات لـ13 عاما، ما أضعفه كثيراً وأتاح للولايات المتحدة غزوه، والكلام مازال لأبشناس.
وبدوره، لا يتوقع أحمد بن حسن الشهري نشوب حرب، إذ يتحدث عن أن طهران "تعمل على عامل الوقت من أجل الانتخابات الأمريكية لعل الرئيس ترامب يغادر البيت الأبيض". كما أن هذا الأخير بدوره "لا يريد حرباً تفقده فرصة الفوز بولاية ثانية، ودليل ذلك أنه لم يرد عسكريا على استهداف الطائرة الأمريكية المسيرة" يقول الشهري.
الكاتب: إسماعيل عزام