بعد عام على انفجار بيروت.. العدالة لا تزال بعيدة المنال!
٣ أغسطس ٢٠٢١قبل عام توقع بول نجّار وتريسي عوض نجّار أنهما وابنتهما البالغة من العمر ثلاثة أعوام سيكونون في أمان بسبب بقائهم في المنزل، بيد أن الأمر لم يكن ذلك رغم أنهما لم يكونوا يتوقعوا خيرا من الدولة اللبنانية على أي حال فالاقتصاد في حالة انهيار وجائحة كورونا تعصف بالبلاد وتؤثر على كافة نواحي الحياة.
لكن لم يتوقع بول وتريسي أن الأوضاع سوف تزداد سوءا أكثر لتأتي الكارثة في الرابع من أغسطس / آب ولتثبت خطأ هذا الاعتقاد ويهز انفجار كبير ومدمر مرفأ بيروت.
وبدأت الكارثة بسماع دوي انفجار ثم تصاعد الدخان تم كان الانفجار الضخم. وعلى وقع التفجير، تحطمت كافة نوافذ شقة أسرة نجّار في حي الجميزة القريب من الانفجار في الميناء وأحد أكثر المناطق المتضررة من الانفجار.
وجراء الانفجار، أُصيبت تريسي والطفلة ألكسندرا أو ليكسو كما كانت ترغب الأسرة في تسميتها، بجروح بالغة الخطورة. لكن وبعد أيام قليلة، تلفظ ليكسو أنفاسها الأخيرة في المستشفى لتصبح أحد أصغر ضحايا الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من مائتي شخص فضلا عن إصابة الآلاف.
كما فقد أكثر من 300 ألف شخص منازلهم فيما تحطمت آمال الكثيرين في حياة أفضل عندما انفجر 2750 طنًا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بشكل غير آمن في مستودعات المرفأ منذ عام 2013.
ويقول الخبراء إن الانفجار يعد واحدا من أقوى الانفجارات غير النووية في تاريخ البشرية.
لا ثقة في القضاء
وفي مقابلة بالفيديو معDW، قالت تريسى "وضعنا سيء كما يعرف الجميع. فلا يوجد أي شيء يمكنه أن يجعل الأشياء تبدو جيدة. أعيش في بلد يكتنف الظلام كل جوانبه. العدالة لا تزال ضائعة".
وبعد الانفجار، غادر كثيرون بيروت، لكن لم يكن هذا القرار الذي اتخذته الأسرة.
وكان الأمر واضحا منذ البداية إذ لم يتوقعوا تحقيق أي عدالة من جانب القضاء اللبناني رغم الوعود بمحاسبة كافة المسؤولين عن الانفجار وأيضا المتورطين عن تخزين هذه الكمية الكبيرة من نترات الأمونيوم بهذه الطريقة غير الآمنة وبالتالي المسؤولين عن مقتل الطفلة ليكسو.
وتؤكد تريسى "من المهم لنا معرفة الحقيقة ليس لأن هذا قد يعيد ليكسو من الموت وليس لأن هذا سيمحي الألم. معرفة الحقيقة قد تستغرق عشرة أعوام، لدي الوقت، يمكننا الانتظار عشرة أعوام"، فالأسرة ترغب في رؤية الجناة خلف القضبان في نهاية المطاف.
وفي هذا السياق، تؤكد تريسى "يجب العمل على عدم تكرار حدوث هذه الكارثة مرة أخرى لأي أسرة أو لأي طفل أو لأي زوج أو زوجة في المستقبل. أريد أن أستعيد بلدي لقد سرق هؤلاء المجرمون بلدي، لم يأخذوا فقط ابتني وإنما أخذوا مني بلدي ومنزلي وحتى حياتي"، في إشارة إلى الطبقة السياسية والنخبة الثرية في لبنان.
اقرأ أيضا: عام على انفجار مرفأ بيروت.. النزف في لبنان يتواصل!
تحقيق مستقل
ولا يبدو أن هذا العائلة وحدها في النضال من أجل تحقيق العدالة بل هناك جهود تبذل من قبل بعض الناجين وأقارب الضحايا فضلا عن منظمات غير حكومية سواء دولية أو محلية.
من جانبها، أرسلت منظمة هيومن رايتس ووتش خطابا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نيابة عن ضحايا الانفجار دعت فيه إلى إنشاء "بعثة تحقيق دولية ومستقلة ومحايدة". وقالت المنظمة الحقوقية في الخطاب "نحثّكم على دعم هذه المبادرة عبر تبنّي قرار بإنشاء بعثة مماثلة لدى مجلس حقوق الإنسان."
ومن أجل تحقيق هذا الأمر، يتعين أن تقوم دولة عضو بطرح مثل هذا القرار أمام مجلس الأمن الدولي وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
تحقيق العدالة ليس نضالا سهلا
ويبدو أن تحقيق العدالة فيما يتعلق بتفجير مرفأ بيروت ليس بالأمر السهل. فحتى الآن، نجح السياسيون في لبنان في تجنب تحمل أي مسؤولية بشكل كبير عن الكارثة، رغم أن السلطات اللبنانية كانت قد تعهدت بتقديم الجناة إلى العدالة في غضون أيام قليلة. لكن بعد عام وليس أيام لم يتحقق أي شيء ذي مغزى فيما يتعلق بمسار التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.
ففي الواقع، يبدو أن النقيض ما وقع إذ يحاول السياسيون في لبنان عرقلة سير التحقيقات.
ففي ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي وعقب الانتهاء من التحقيق الأولي في الكارثة، اتهم المحقق العدلي القاضي فادي صوان العديد من السياسيين البارزين بما في ذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بالإهمال الجنائي.
وبعد ذلك بشهرين، توقفت التحقيقات التي كان يقوم بها القاضي فادي صوان فيما قررت محكمة لبنانية استبعاده من التحقيق في الانفجار.
اقرأ أيضا: انفجار بيروت.. أمنستي تتهم السلطات بعرقلة مجرى العدالة "بوقاحة"
إعاقة سير التحقيق
ويبدو أن مسار التحقيق ليس بالسهل حتى بالنسبة للقاضي بيطار. ففي يوليو/ تموز الماضي، رفض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي طلب القاضي بيطار باستجواب مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
فضلا عن ذلك، يحاول بعض أعضاء البرلمان منع استجواب سياسيين بارزين آخرين.
وفي غضون ذلك، يبدو من الواضح أن كبار المسؤولين بما في ذلك الرئيس ميشال عون، كانوا على معرفة بتخزين شحنة نترات الأمونيوم في الميناء والخطر الذي كان يمثله هذا الأمر.
وفي تعليقها على هذا، قالت ديانا منعم – رئيسة جمعية "كلنا إرادة" ومقرها بيروت التي تدعو إلى إصلاحات سياسية في لبنان وتلقى دعما خارجيا وداخليا- إن النخبة السياسية ترغب في التهرب من المسؤولية. وأضافت "نحن نعرف أن هناك قرارا سياسيا لحماية كل شخص له علاقة بالانفجار أو إخفاء آثار أي دليل قد يكشف عن ملابسات الانفجار. تريد الطبقة السياسية أن تحمي نفسها".
وليست ديانا الشخصية اللبنانية الوحيدة التي تدرك حقيقة هذا الأمر. بيد أنه وبشكل عام، فإن الاتجاه العام في لبنان يرغب في رؤية نهاية لواقع إفلات الطبقة السياسية من العقاب.
وفي هذا الإطار، طالبت لجنة مؤلفة من أقارب ضحايا الانفجار، رفع الحصانة البرلمانية لتمهيد الطريق أمام استجواب عدد أكبر من السياسيين بشأن كارثة الميناء. ولا يتوقف الأمر عند انفجار المرفأ فحسب، بل يتطرق الأمر إلى جرائم قتل وقعت بدوافع سياسية لم يتم حسمها حتى الآن.
عزلة دبلوماسية
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد أقر في أواخر الشهر الماضي إطارا قانونيا لفرض عقوبات تستهدف أفرادا وكيانات لبنانية. إذ شدد التكتل على أن الإطار يوفر احتمال فرض عقوبات على المسؤولين عن تقويض الديمقراطية وحكم القانون في لبنان.
وفي ظل استمرار تهرب المسؤولين من اتخاذ خطوات عملية لتحديد الجناةـ، يقترح بول نجّار حلا للدفع بالتحقيق قدما.
ويقول بول إنه يرغب في أن تقدم كافة الحكومات على قطع العلاقات والاتصالات الدبلوماسية مع الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، مضيفا "من اللحظة التي شرعوا فيها في إعاقة العدالة، أصبحوا خونة بدرجة كبيرة ويجب أن يتم التعامل معهم على هذا الأساس".
ولا يمكن النظر إلى كارثة المرفأ كحادث فردي إذ أن الانفجار في حقيقته لم يكن سوى نتاج لعقود من سوء الإدارة والفساد في لبنان.
وقد تفاقمت الأمور منذ التفجير إذ بات لبنان حبيسا لأزمة اقتصادية متردية مع معدل كبير من التضخم فيما يتهاوى سعر الليرة اللبنانية يوما بعد يوم إذ فقدت أكثر من 90 بالمائة من قيمتها وسط نقص في الوقود والأدوية وغيرها من المواد الأساسية. وتزامن هذا مع انقطاع مستمر للكهرباء وارتفاع معدل الإصابات بفيروس كورونا.
من جانبها، حذرت اليونيسف والصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة من أن ما يقرب من ثلاثة أرباع اللبنانيين في خطر فقدان إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة في ضوء تضرر محطات الضخ بسبب نقص الكهرباء.
يضاف إلى كل هذا الكم من المشاكل والتعقيدات والأزمات خلال عام منذ وقوع كارثة المرفأ، أزمة أخرى تتمثل في غياب وجود حكومة فعالة يمكنها أن تدير الأمور في لبنان بشكل صحيح.
فعقب أن أعلن رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري اعتذاره عن تشكيل حكومة بعد تسعة أشهر من تسميته، أخذ المليادير اللبناني نجيب ميقاتي على عاتقه تشكيل الحكومة الجديدة. وليس ميقاتي بالشخص الغريب على المشهد اللبناني فقد تولى رئاسة الوزراء مرتين آخرها كانت بين عامي 2011 و2014 فيما أشارت إليه أصابع الاتهام قبل سابق بمزاعم فساد.
فعلى سبيل المثال يشير بول إلى أن ميقاتي كان في موضع المسؤولية عندما وصلت شحنات نترات الأمونيوم لأول مرة إلى بيروت. وفي عام 2019، اتهم المدعي العام في لبنان ميقاتي باختلاس أموال من صندوق الإسكان المدعوم من الدولة في مزاعم نفاها ميقاتي.
وبسبب هذا، عبر لبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن إحباطهم من تسمية ميقاتي رئيسا للوزراء وهو ما أكدت عليه ديانا منعم رئيسة جمعية "كلنا إرادة". وأضافت "الطبقة السياسية في لبنان تقاوم تشكيل أي حكومة يكون كافة وزرائها من المستقلين".
ويبدو أن إصرار بول وتريسي على عدم الرحيل عن لبنان بعد الانفجار الذي أسفر عن وفاة طفلتهما قد سمح لهما باتخاذ خطوات إضافية لفعل المزيد لبناء بلد أكثر عدلا.
اقرأ أيضا: تفجير مرفأ بيروت.. القضاء يدّعي على رئيس الحكومة!
فقد رشح بول– وهو مهندس- نفسه لعضوية مجلس نقابة المهندسين والمعماريين في بيروت، وقد حقق فوزا في هذا النضال. وتلعب النقابة دورا هاما في إعادة إعمار العاصمة بيروت عقب كارثة المرفأ فيما يعد انتصار بول هاما رغم أن النقابة لا يمكنها إصدار تشريعات.
ويؤكد بول ذلك بقوله "سنمتلك فرصة في منع الفساد بطريقة كبيرة جدا بسبب أن كل مشروع بنية تحتية أو مشروع مدني في بيروت يتطلب موافقة النقابة". ويسلط حديث بول الضوء على أهمية إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في موعدها العام المقبل وهو ما تراه ديانا منعم بالضروري.
بيد أن ديانا تؤكد أن هذا الأمر سيتحقق فقط عندما يحصل مرشحو المعارضة على عدد كاف من الأصوات إذ أنها في هذه الحالة ستكون قادرة على ممارسة المزيد من الضغوط لإجراء تحقيق حقيقي في تفجير المرفأ.
النضال من أجل العدالة مستمر
وتؤكد عائلة الطفلة ألكسندرا على أن عازمة على المضي قدما في نضالها من أجل تحقيق العدالة. وتقول تريسي إن الطبقة السياسة لم تُظهر الكثير من التعاطف مع محنتنا على الرغم من وزير العدل بالإنابة تحدث إليهم مرتين.
وتضيف "لا يمكنهم التعاطف بسبب أنهم إذا أرادوا إظهار التعاطف مع أقارب الضحايا فسوف ينتهي الأمر بهم وراء القضبان. إذا تعانوا مع استمرار التحقيقات والملاحقة القانونية دون محاولة منهم لإفشال ذلك، فسينتهي بهم أيضا وراء القضبان".
رسالة تضامن
ومع قدوم الذكرى الأولى لانفجار بيروت الذي أودى بحياة ابنتهما، لا تزال بول وتريسي نجّار يشعران بالألم وكأن الانفجار قد وقع أمس. وتعتزم الأسرة المشاركة في إحدى المسيرات في بيروت التي ستنظم في الرابع من أغسطس/ آب تحت شعار "من أجل العدالة ومن أجل التحرير".
وقررت الأسرة عدم مغادرة البلاد حتى يلمسوا بعض الإجراءات في إطار تحقيق العدالة لمقتل ابنتهما وضحايا الانفجار بشكل عام. وفي ذلك، تقول تريسى: "لقد بدأنا الحرب. وسوف نستمر في هذه الحرب. لدي الحق في الوصول إلى العدالة".
ديانا هودالي/ م.ع