بعد مقتل القذافي وإعلان التحرير- هل طويت صفحة الماضي في ليبيا؟
٢٤ أكتوبر ٢٠١١أطلق الليبيون منذ يوم الخميس (20تشرين الأول/أكتوبر) العنان لفرحتهم العارمة وعبروا عن سعادة انتظروها عقودا طويلة عندما تلقوا نبأ مقتل العقيد معمر القذافي الذي حكم العباد والبلاد بالحديد والنار. عشرات الآلاف من الليبيين خرجوا للشوارع في بنغازي، معقل الثوار وطرابلس عاصمة البلاد ليحتفلوا لساعات طويلة. لكن الفرحة العارمة فرضت ضلالها على حقيقة مرة تمثلت في أن الثوار القوا القبض على الديكتاتور الهارب حيا وقتل بعد ذلك لاحقا بطريقة غير شرعية. نهاية غير قانونية لنظام لم يحترم أبدا القوانين الوطنية أو الدولية. ورغم ذلك يأسف البعض لعدم استغلال الفرصة لتقديم القذافي وأعوانه أمام محكمة ليبية عادلة ونزيهة، كما حدث لرفيق دربه ديكتاتور العراق صدام حسين.
طريقة قتل القذافي لا تهم الليبيين
وعاش الصحافي الليبي عصام محمد الزبير تلك اللحظات التاريخية من حياة المجتمع الليبي والتي يقول عنها في حديث لدويتشه قيله إن "طريقة قتل القذافي لا تهم الليبيين، المهم بالنسبة لهم هو مقتل الطاغية وزوال عهد الظلم والطغيان". ويتابع الزبير أن "الليبيين يهمهم أن تنتهي هذه الأسرة وإلى الأبد من حياة المجتمع الليبي التي استعبدت ودمرت ليبيا واستغلت أموالها في سبيل إشباع رغباتها وتحقيق ملذاتها". ويبدو أن الليبيين لم يشاهدوا في حينها صور قتل القذافي، كما عرضتها بعض الشاشات العربية، كما يقول السيد عصام محمد الزبير والذي أشار إلى أن الليبيين شاهدوا " لقطات تظهر القذافي وهو في قبضة الثوار حيا، ثم شاهدوا لقطات تظهر القذافي وهو جثة هامدة". لكن الناشط الليبي والناطق باسم تجمع شباب ليبيا سليمان البرعصي والذي تابع الأحداث من العاصمة البريطانية لندن قال في حديث لدويتشه فيله إن " فرحته بمقتل القذافي كانت عارمة أيضا". لكنه يستدرك ويضيف: "صدمت بطريقة موته وقتله، حيث كنت أتمنى أن نطبق القانون بحقه، حيث لا يجوز قتل الأسير، والقذافي كان أسير حرب عندما القي القبض عليه". ويبرر عصام محمد الزبير قتل القذافي بالشكل المعروف بطبيعة الثوار واصفا إياهم "بأنهم ليسوا جيشا منضبطا يتحكم فيهم القانون. إنهم ثوار من المناطق الليبية المختلفة تجمعوا ولا يحكمهم أي شخص ولا يمكن لأي شخص تولي السلطة عليهم". ويذكر الزبير مثالا بالقول "إن ثوار الزاوية على سبيل المثال لا يمكنهم أن يتحكموا في شخص من ثوار مصراته". ويتفهم سليمان البرعصي هذا التحليل ويضيف "يجب علينا أن نتفهم الحالة النفسية للثوار في لحظة القبض على القذافي. فالكثير من الثوار فقد أحدا من أحبائه أو أصدقائه ولم يكن ممكنا تمالك نفسه عند مواجهة القذافي أسيرا".
الغرب أثار تساؤلات حول طريقة مقتل القذافي
وكانت صحف أوروبية وأمريكية أثارت الكثير من التساؤلات حول الطريقة التي تم بها قتل القذافي معتبرين ذلك مؤشرا خطيرا للمرحلة القادمة. لكن الصحافي الألماني والخبير بشؤون العالم العربي شتيفان بوخن قال في حوار مع دويتشه فيله "لا أتباكى شخصيا على مقتل القذافي وأتفهم بالضبط الظروف التي أحاطت بموته كما عرضها الزميلان الليبيان". ويبرر بوخن موقفه بالقول "إن حملة القذافي على الثوار خلال الأشهر الماضية كانت انتقامية بطبيعتها وأهدافها. و سقط الكثير من الثوار والمدنيين نتيجة للعنف والبطش الذي مارسه نظام القذافي وخصوصا أثناء المظاهرات السلمية الأولى للثورة الليبية". وهو أمر كما يشير إلى ذلك الخبير الألماني بوخن أدى إلى تحول الثورة السلمية إلى حرب عسكرية. وهي بالتالي كما يؤكد بوخن "حملة انتقامية أيضا انتهت بمقتل القذافي بالطريقة التي شاهدناها". لكن بوخن يأسف لعدم تمكن الشعب الليبي من الحصول على معلومات كثيرة تكشف النقاب عن خفايا النظام السابق، كان يمكن الحصول عليها من خلال محاكمة علنية للديكتاتور السابق ويقول "نعم ممكن أن ناسف على أنه لم تتم محاكمة القذافي ولم نحصل منه على معلومات وافية تخص العلاقات الوثيقة التي نسجت بين القذافي ودول الغرب". بيد أن عصام محمد الزبير يرد على هذا الموقف بالقول إن الكثير من أقطاب نظام القذافي قد تم أسرهم وهم الآن بقبضة الثوار ويمكن الحصول على معلومات غنية منهم تخص "تعاون القذافي مع العديد من أجهزة المخابرات الغربية". لكن بوخن يعود ويشير إلى تعاون نظام القذافي مع المخابرات الأمريكية "سي آي أيه" في مجال مكافحة الإرهاب، حيث يذكر أن الأمريكيين سلموا القذافي معتقلين بتهمة الإرهاب لغرض التحقيق معهم ونزع اعترافات منهم "تحت وطأة التعذيب". وهو أمر بات معروفا، كما يقول المتحدثان الليبيان.
طي صفحة الماضي أمر صعب
وعلى ضوء التجاذب حول طريقة مقتل القذافي يطرح السؤال عن مستقبل ليبيا نفسه بإلحاح. فهل يستطيع الشعب الليبي طي صفحة الماضي بكل مآسيه ومعاناته وليوظف طاقات شعب شاب نسبيا لخدمة إعادة بناء المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟ عن هذا السؤال يقول الصحافي الليبي عصام محمد الزبير إن "فاتورة الدم كانت كبيرة جدا وكان عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا على طريق تحرير ليبيا من قبضة القذافي وعائلته كبيرا أيضا، لذلك لا أتوقع أن يكون طي صفحة الماضي سهلا وسريعا وسيستغرق وقتا كي ننتقل إلى مرحلة جديدة وبناء دولة حديثة". أما السيد سليمان البرعصي فيشير إلى أن "الشعب الليبي طيب ومتسامح وقادر على طي صفحة الماضي". ويذكر البرعصي " أن الدليل على ذلك هو التعامل الطيب عموما مع الأسرى الذين تم القبض عليهم من قبل الثوار". ويوضح البرعصي أن التاريخ الليبي الحديث يحمل بين طياته نموذجا يعبر عن روح التسامح لدى الليبيين ويقول إن "الليبيين عاشوا تجربة الاحتلال الإيطالي، حيث كان هناك جزء منهم ، ممن تعاون مع المستعمر الإيطالي ولكن وبعد الاستقلال دمجوا سريعا في المجتمع الليبي". بيد أن البرعصي يشير في نفس الوقت إلى مخاوفه من الصراع السياسي في البلاد لاحقا ويقول في هذا السياق: "الخوف كل الخوف من التجاذبات السياسية بين الأطراف المختلفة". وما يخفف من حدة مخاوف البرعصي هو أن شريحة واسعة وكبيرة يصل حجمها إلى حوالي 90% من مجموع السكان غير "مُسيسة أو منتمية إلى تيار سياسي أو فكري". ولذلك فان الصراع السياسي المرتقب سينحصر بين 10% من الليبيين، كما يقول سليمان البرعصي. أما شتيفان بوخن فيقول بهذا الصدد "نحن مضطرون للتفاؤل والأمل بأن يستطيع الليبيون تجاوز الماضي دون إراقة مزيد من الدماء".
حسن ع. حسين
مراجعة: يوسف بوفيجلين