بفضل الغرافيتي والثورة: حضور جديد للمرأة على جدران القاهرة
١٣ يناير ٢٠١٣تزايد صور النساء والإلحاح مؤخراً على مواضيع ذات طابع جندري (نسبة إلى الجندر) لم يكن بالأساس وليد هم أكاديمي ما، وإنما نبع من أحداث سياسية واجتماعية يمر بها المجتمع المصري. ولعل اهم حدث يمكن الإشارة إليه هنا هو تعرية الفتاة في أحداث مجلس الوزراء عام 2011، وهي التي عرفت فيما بعد بـ "ست البنات". وكذلك موضوع التحرش الجنسي الذي يعاد طرحه بشكل منتظم في المجتمع المصري. ويمثل طرح موضوع التحرش بمثابة دفعة لنقاشات ذات طابع جندري على جدران القاهرة، منها مثلا رسم غرافيتي يشير لجسم المرأة ويقول: "مهما بان أو مابانش، جسمي حر مايتهنش".
الملصقات المعلقة على الشوارع تزداد كثافتها – بشكل دال – قرب جدران الجامعة الأمريكية بميدان التحرير، ويقل حضورها في غير ذلك، وإن كان لا ينعدم. من أهم صور الغرافيتي مثلا هي صورة "انتفاضة المرأة في العالم العربي"، وصور أخرى تقوم فيها الفنانة المصرية المشهورة شادية بدور كبير، في إحالة لفيلم "شيء من الخوف" للمخرج حسين كمال والذي تقوم فيه شادية بدور البطلة "فؤادة".
وفؤادة في الفيلم امرأة قوية، تقوم بفتح القناة (الهويس) أمام الفلاحين ليقوموا بري أراضيهم. واحدة من رسوم الغرافيتي المنتشر في القاهرة هي لشادية ومكتوب تحتها "أنا اللي فتحت الهويس"، كما ترفض شادية الدستور الجديد تحت عنوان "دستوركم باطل باطل"، وذلك في إحالة للمقولة التي كررها الناس في الفيلم وهي: "زواج عتريس من فؤادة باطل".
غرافيتي حريمي
شادي خليل، وهو واحد من الفنانين الذين بدؤوا مبادرة "غرافيتي حريمي" في شوارع القاهرة، يقول لـ DW عربية إن بداية الحملة جاءت عندما لاحظت زميلته الفنانة ميرنا توماس أن الغرافيتي المرسوم في الشارع إما أنه يهين المرأة أو يسكت عن وجودها تماماً. ومن هنا تم التفكير في المشروع الذي رعته مؤسسة "نظرة للدراسات النسوية". ويضيف شادي بالقول: "تزامنت أول حملة نقوم بها مع اليوم العالمي للمرأة، والذي تزامن بدوره مع الذكرى الأولى لأحداث كشوف العذرية التي تعرضت لها المتظاهرات في 2011. فكرنا أن صور الفنانات ستكون الأقرب بصرياً لرجل الشارع، فرسمنا أم كلثوم وهي تغني "أعطني حريتي أطلق يديّ"، وسعاد حسني وهي تغني "البنت زي الولد، وغيرها".
يعمل خليل في مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، ومن هنا تم اقتراح المبادرة على المؤسسة التي رحبت بدورها وساعدت الفنانين في عدة أمور إجرائية، مثل تنظيم الاجتماعات وتوفير الحماية القانونية لهم وتوفير المعارف في المناطق الشعبية لكي يقوموا بحمايتهم أثناء رسم الغرافيتي على الجدران.
عادة ما يتركز الغرافيتي على جدران مناطق راقية مثل الزمالك ووسط البلد، ولكن الجديد في مبادرة "غرافيتي حريمي"، كما يقول، خليل إنها بدأت من مناطق شعبية تماماً مثل دار السلام وعرب المعادي ومصر القديمة، ثم تبعتها إلى مناطق أقل شعبية مثل الدقي وغيرها. في البدء كانت هناك ردود فعل عنيفة أو غير فاهمة، كما يضيف، ولكن بعدها يبدأ الناس في التسامح مع الرسومات.
وفي اعتصام الألتراس الذي أقيم بعد أحداث بورسعيد، وطولبت فيه الفتيات ب ـ"عدم تدخين السجائر" و"عدم البقاء بعد الساعة العاشرة مساء"، نزل الفنانون ورسموا الغرافيتي مما كان له أثر كبير في مراجعة منظمي الاعتصام لموقفهم من الفتيات في الأيام التالية للاعتصام.
هدى الصدة، وهي من مؤسسات مؤسسة "المرأة والذاكرة"، تقول لـ DW عربية إن "الجديد في هذا النوع من الغرافيتي يكمن في كونه يعبر عن موضوعات تخص المرأة بشكل مباشر وقريب من الناس، وهذا له علاقة بفن الغرافيتي نفسه بوصفه فناً موجهاً للشارع".
نقد الذكورة من داخلها
الصدة تميز بين خطين في هذا النوع من الغرافيتي، إذ أن هناك نوعا صادما للثقافة السائدة وراديكاليا ضدها، وهناك ما هو أكثر توافقاً معها، يؤكد على أهمية مشاركة المرأة ولكن بشكل آمن ومقبول مجتمعياً. تفكر هي في نفس الوقت في أغنية انتشرت بعنوان "عاوزين دكر"، الأغنية أنتجها شباب الثورة وتعبر عن قيم ثورية، ولكنها تنادي باحتياج الشعب لـ "ذكر"، أي تكرس للثقافة الذكورية السائدة. من الصعب – كما تقول - التعامل مع هذا بمقاييس أحادية.
تتحدث الصدة عن غرافيتي مرسوم على جدار الجامعة الأمريكية، مكتوب فيه "نون النسوة هتلبّسكو.. وبجانبها صورة لملابس أنثوية"، وهو الغرافيتي المقصود به نقد العقلية الذكورية ولكنه – في نفس الوقت - يستعير الخطاب الذكوري، الذي يعتبر أن ارتداء الرجل ملابس أنثوية هو إهانة له: "لست متأكدة من كون مضمون الغرافيتي تقدمياً أو لا. ولكن هناك مرحلة في الثورة تسمى مرحلة عكس الأوضاع، حيث يستعير فيها الأضعف خطاب الأقوى ليتمكن من مواجهته، هي خطوة أولى تقوم بها كل المجموعات التي في سبيلها للتحرر، مثلما ابتدع السود في أمريكا عبارة black is beautiful.
شاركت الصدة في مظاهرة النساء يوم عشرين ديسمبر/ كانون الثاني من العام الماضي، التي كان مقصودا بها الاحتجاج على تعرية الفتاة على يد عناصر من الجيش في الأحداث التي عرفت باسم أحداث "مجلس الوزراء". وعن هذه المظاهرة تقول: "رد الفعل كان قوياً للغاية، ونبعت قوته من أن فعل العسكر مسّ عرفاً اجتماعياً يحرّم تعرية الأنثى".
وتضيف الصدة بأنها كانت تفضل أن "يتم التظاهر ضد العنف وليس ضد التعرية في حد ذاتها، كما تردد وقتها هتاف يقول: بنات مصر خط أحمر. كنت أفضل أن يكون الهتاف عن شباب مصر كلهم، ذكوراً وإناثاً، ولكن هذا لا يمكن فهمه إلا من خلال فهم نظرية عكس الأوضاع".