بورشه في البورصة.. طموحات كبيرة وراء الانفصال عن فولكسفاغن
٢٩ سبتمبر ٢٠٢٢في مطلع العام الجاري، حين تعرضت سفينة شحن عملاقة تحمل على متنها سيارات فارهة من طراز بورشه وبنتلي ولامبورغيني وفولكسفاغن، لحريق استمر نحو أسبوعين ولتغرق بعد ذلك؛ كان يمكن لشركة فولكسفاغن المالكة لهذه السيارات الفارهة أن تعتبر هذه الحادثة نذير شؤم خاصة وأنها تقترب من تدشين حدث كبير.
ويتمثل هذا الحدث الكبير في استعداد فولكسفاغن للبدء في طرح عام أولي لأسهم بورشه، حيث واصلت الشركة تنفيذ خططها التي أعلنت عنها في فبراير/ شباط لإدراج شركة بورشه التابعة لها، في بورصة فرانكفورت. فيما سيكون التاسع والعشرون من سبتمبر/ أيلول الجاري موعدا لبدء التدوال.
ووفقا لتقديرات أولية للشركة، فإن فولكسفاغن قد تجنى من وراء طرح بورشه في البورصة كشركة منفصلة ما بين 8,7 مليار يورو و9,39 مليار يورو. فيما تقول تقديرات أخرى إن المكاسب قد تكون أكثر من ذلك، إذ يقدر الخبراء قيمة بورشه بأكثر من 75 مليار يورو وهو نفس قيمة الشركة الأم فولكسفاغن في الوقت الحالي!
ومن شأن هذا الأمر أن يجعل الأكتتاب العام لبورشه واحدا من أكبر الاكتتابات العامة في أوروبا على الإطلاق، رغم الوضع الاقتصادي الصعب وتقلب أسواق الأسهم وارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم. ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل ستصبح الشركة أكثر قيمة من الشركات المنافسة لا سيما "بي أم دبليو" و "مرسيدس". لذا فإن هناك الكثير من الآمال المعلقة على شركة "بورشه" التي تُعرف رسميا باسم "Dr. Ing. h.c. F. Porsche AG".
ما سبب انفصال بورشه عن فولكسفاغن؟
ولا يعد انفصال بورشه عن فولكسفاغن طلاقا نهائيا، ولكنه بمثابة انفصال جزئي. حيث ترغب فولكسفاغن في الاستفادة من قدرات وإمكانيات بورشه، إذ ستطرح جزءا من الأسهم للبيع وتحتفظ بنصيب الأسد لنفسها.
وبحسب الشركة، فإن نصف الأسهم التي من المقرر طرحها ستكون أسهم ممتازة بدون حقوق تصويت، فيما ستكون الأسهم الأخرى عادية بحقوق التصويت. وسيتم تخصص 25 بالمائة من الأسهم الممتازة للمستثمرين، ما يعني أن نسبة 12,5 بالمائة من الشركة ستكون متاحة للمستثمرين الذين لا يملكون حقوق التصويت.
ومن المقرر أن يشتري أكبر المساهمين في فولكسفاغن وهما عائلتا "بورشه" و"بيش"، أكثر من 25 بالمائة من الأسهم العادية ما يعني حصولهما على نسبة 12,5 بالمائة من الشركة بأكملها.
ووفقا لما ذكرته فولكسفاغن، أعرب "جهاز قطر للاستثمار" عن رغبته في شراء مجموعة كبيرة من أسهم بورشه، فيما تضم قائمة المشترين بنك "نورجيس" لإدارة الاستثمار النرويجي وشركة "رو برايس" و شركة "أبوظبي التنموية القابضة" أيضا.
وفيما يتعلق بالمستثمرين الأفراد فسيتم طرح الأسهم الممتازة أمام الأفراد في ألمانيا والنمسا وسويسرا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
ما هي الصفقة الكبرى لبورشه؟
تدر بورشه أرباحا كبيرة بفضل اسمها التجاري العريق، فخلال العام الماضي قامت الشركة بتسليم أكثر من 301 ألف سيارة بإجمالي مبيعات بلغت قيمتها أكثر من 30 مليار يورو وأرباح تشغيلية تجاوزت عتبة الـ 5 مليار يورو في زيادة عن أرباح الشركة عام 2020 لتشكل ربع إجمالي الأرباح التي حققتها "مجموعة فولكسفاغن". لكن بعد عملية الطرح والانفصال، بالتأكيد ستفقد "فولكسفاغن" مثل هذه المكاسب.
ويشار إلى أنه خلال نفس الفترة، قامت مجموعة فولكسفاغن التي تتألف من عشر علامات تجارية بتسليم قرابة 9 ملايين سيارة في 153 دولة فيما بلغ إجمالي إيرادات المبيعات 250 مليار يورو و19,2 مليار يورو بعد خصم الضرائب.
وقدمت بورشه أنواعا مختلفة من السيارات على مر التاريخ للتنقل من تصنيع السيارات الرياضية التقليدية الأنيقة إلى سيارات سيدان وسيارات الدفع الرباعي (SUV). وتقدم حاليا ستة طرازات عالية الأداء.
لكن التحدي الحالي أمام بورشه يتمثل في تصنيع سيارة كهربائية رياضية سريعة وموثوق بها، خاصة وأنها تمكنت العام الماضي من إنتاج أكثر من 41 ألف سيارة كهربائية أي ضعف ما أنتجته الشركة عام 2020.
وفي مقابلة مع DW، قال جون ماكيلروي، الخبير في صناعة السيارات والمقيم في مدينة ديترويت الأمريكية، إن التراث والعراقة يلعبان دورا هاما في قطاع السيارات الفاخرة. وأضاف "يقدر المشترون العلامات التجارية العريقة مثل بورشه، خاصة وأن الشركات الناشئة والجديدة في السوق تفتقر لهذه الميزة. لكن السيارات الكهربائية تمثل نقلة نوعية، إذ يفقد مصنعو محركات الاحتراق الداخلي أي ميزة تقنية كانت لديهم في السابق. وهو ما يفتح الباب أمام الشركات الوافدة التي تقدم تجربة قيادة مختلفة وأفضل".
من يملك بورشه الآن؟
وبعيدا عن إمكانيات بورشه وتربعها على عرش السيارات الرياضية الفارهة، فإن تاريخها كان أيضا محط الأنظار إذ يعد تاريخ بورشه وفولكسفاغن معقدا بعض الشيء منذ تأسيسها على يد فرديناند بورشه عام 1931 مع شركائه أدولف روزنبرغر وأنتون بيش.
وكانت بداية بورشه صعبة، فضلا عن استخدامها في النشاط العسكري إبان الحرب العالمية الثانية. لكن ذلك تغير بعد الحرب وباتت أكثر عصرية لتشق طريقها وتصبح واحدة من أهم الشركات المصنعة للسيارات الرياضية الفارهة في العالم.
وعلى مدار عقود، كان العمل وثيقا بين بورشه وفولكسفاغن، لكن بقيتا شركتين منفصلتين. ورغم أن بورشه كانت صغيرة مقارنة بفولكسفاغن، إلا أنها حققت أرباحًا ضخمة حتى أنها حاولت الاستحواذ على فولكسفاغن عام 2008.
لكن هذه الخطوة باءت بالفشل وكادت أن تدفع بورشه إلى حافة الإفلاس، لكن في عام 2012 أنهت فولكسفاغن الصراع وأنقذت شركة بورشه في عملية استحواذ خاصة، سمحت لعائلة "بورشه" بالسيطرة على غالبية أسهم حق التصويت في فولكسفاغن.
اختيار التوقيت المناسب
توجد أسباب عديدة وراء قيام فولكسفاغن ببيع جزء من بورشه، منها الحاجة الماسة إلى استثمارات كبيرة في مجال السيارات الكهربائية وذاتية القيادة. فضلا عن رغبة الشركة في التركيز على العلامات التجارية التي توليها الاهتمام حاليا وإنهاء التزامها بالعلامات التجارية الأخرى.
لكن فولكسفاغن أكدت على استمرار "التعاون الصناعي والاستراتيجي الحالي بين فولكسفاغن وبورشه"، ما يعني استمرار تقاسم تكاليف التطوير والأجزاء الحيوية في مختلف العلامات التجارية. أما بالنسبة لبورشه، فإن سبب الانفصال عن فولكسفاغن يعود إلى رغبة العائلة المالكة في جني مكاسب وأيضا رغبة الشركة في الانتقال بشكل أسرع إلى مجال تصنيع السيارات الكهربائية.
وفي هذا السياق، يقول ماكيلروي إن بورشه في حاجة "إلى الاستثمار في البطاريات الكهربائية والهندسة الإلكترونية الجديدة وغيرها من المجالات ذات الصلة. ومن خلال زيادة رأس مال الشركة بنفسها، فسوف تكون حرة في كيفية ضخ استثمارات في القطاع والمجال التي تريده، ولن تضطر إلى الاعتماد على مجموعة فولكسفاغن". ويضيف ماكيلروي بأن "بورشه تايكان حققت حتى الآن نجاحا كبيرا، لكن التحدي حاليا يتمثل في تحقيق نجاح مماثل في كافة السيارات الكهربائية (لبورشه)".
تيموثي روكس / م ع