"بيغيدا" في ألمانيا .. لماذا وكيف؟
٣ يناير ٢٠١٥أثبتت "بيغيدا"، والكلمة هي اختصار لحركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" اسمها الرسمي في الـ22 من ديسمبر/ كانون الأول، وبشكل قطعي قدرتها على حشد المزيد من المناصرين. ومنذ انطلاق المسيرات أو "الخرجات" كما تسميها الحركة في كل يوم اثنين، يزداد أعداد المشاركين، ومن بضعة مئات خرجوا في أول مسيرة في أكتوبر/تشرين الأول، وصل العدد الشهر الماضي إلى 17 ألفا و500 متظاهر. وهذا يعني أن الحركة وجدت أرضية لها وأصابت وترا حساسا لدى بعض الفئات مهما كانت قليلة، وهذا ما أدركته الأحزاب السياسية التي بدأت تخشى من تراجع التأييد لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الذي أبدى دعمه الصريح للحركة وللأفكار المعادية للإسلام وللأجانب.
13 في المائة مع "بيغيدا"
ولعل آخر استطلاع للرأي أسكت جميع من يقلل من مدى خطورة هذه الحركة، إذ أظهرت نتائجه، التي نشرت في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، أن شخصا ألمانياً واحدا من أصل ثمانية مستعد للمشاركة في مسيرة مناهضة للمسلمين إذا ما نظمت في مدينته، أي أن نسبة 13% بالمائة من الألمان مع "بيغيدا". وشارك في هذا الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة فورسا لحساب مجلة شتيرن الألمانية، 1006شخصا واعتبر بمثابة مقياس اختبار لمدى تنامي مشاعر التأييد المتزايدة في ألمانيا، بل حتى في الدول الأوروبية الأخرى، للأحزاب والحركات التي تستغل مخاوف الناخبين الذين يعتقدون أن الساسة متساهلون "أكثر مما ينبغي" في مسألة الهجرة، في ظل ارتفاع عدد اللاجئين من سوريا وإرتريا وغيرها من الدول التي تعاني من الحروب والأزمات.
وأظهر الاستطلاع أيضا أن 29 في المائة يعتقدون أن الإسلام يؤثر على نمط الحياة في ألمانيا بدرجة تجعل هذه المظاهرات لها ما يبررها. في المقابل، رأى ثلث المستطلعة آراؤهم أن فكرة "أسلمة" ألمانيا مبالغ فيها مع إبداء القلق في الوقت ذاته بشأن أعداد طالبي اللجوء.
الأحزاب التقليدية
وللحد من انتشار أفكار الكراهية التي تروج لها "بيغيدا" عمد الساسة الألمان ومؤسسات وحركات المجتمع المدني إلى التعبير عن موقف رافض للحركة ومندد بأفكارها مستندين في ذلك على الأسس الديمقراطية التي يقوم عليها المجتمع الألماني التعددي والمتنوع. ومن ثمة ظهرت حركات متعددة سواء عبر مسيرات مناهضة لـ"بيغيدا" في الكثير من المدن الألمانية الكبرى، أو على مواقع التواصل الاجتماعي كحركة "ألمانيا الملونة".
وفي هذا الإطار أيضا، لم يكن للمستشارة ميركل، أن تتجاهل الحراك الحالي في كلمتها بمناسبة العام الجديد مطالبة الألمان بأن يديروا ظهورهم لهذه الحركة وزعمائها، واصفة إياهم بأنهم عنصريون تملؤهم الكراهية. وقالت المستشارة المحافظة إن ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وعليها الترحيب بالفارين من الصراعات والحروب. بيد أن أصواتا أخرى تطالب بفتح قنوات الحوار مع مناصري الحركة "المغرر بهم" و"ممن يشكون من ابتعاد الأحزاب التقليدية عن تمثيلهم"، كما يقول وزير التنمية الألماني غيرد مولير في حوار أدلى به الجمعة (الثاني من يناير/كانون الثاني 2015) لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه". وحسب مولير، فإن الناس باتوا أمام "أزمات مصيرية وأبعدوا إلى الهامش، وهو ما دفع بهم إلى إطلاق صرخات النجدة". ومن هذا المنطلق ينكب محللون على تفسير دوافع تعاطف قسم معين مع حركة "بيغيدا" في ظل النفور من الأحزاب التقليدية.
رد فعل عن وحشية "داعش"
لا يستبعد المراقبون أن تكون وحشية تنظيم "الدولة الإسلامية" غير المحدودة في العراق وسوريا من أسباب تنامي الخوف من الإسلام. ويقول الرئيس السابق للبرلمان الألماني فولفاغنغ تيرزه إنه "من فرط ما يسمعه الناس يوميا في الإعلام وفي نشرات الأخبار المسائية عن الإرهاب الإسلامي، بدؤوا يشعرون بالخوف وفقدوا قدرتهم على التمييز بين الإسلام وبين من يستغله لتحقيق مآرب أخرى". فضلا عن ذلك هناك تقارير عديدة تحذر من عودة جهاديين ألمان من العراق وسوريا وإمكانية قيامهم بعمليات إرهابية داخل ألمانيا.
في المقابل، يستبعد الخبير في قضايا الثورة ديتر روتش، من أن يكون الإسلام أحد الأسباب الفعلية لارتماء بعض الألمان في أحضان "بيغيدا"، نظرا لوجود "أرضية متداخلة منذ الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر الأخيرة في أوروبا، مبنية على الشعور بالخوف من المستقبل والخشية من تدهور اجتماعي في حال فقدان الوظيفة". ويضيف روتش أن حركة "بيغيدا" هي بالأساس ظاهرة، لكنها ظاهرة تهدد الأمن الاجتماعي أيضا. ولحسن الحظ أنها لا تجد أي تعاطفا من لدن الأحزاب الكبرى.