بين التشكك والآمال المنتظرة من الانتخابات الرئاسية في الجزائر
١٣ أبريل ٢٠١٤في مقهى تركي في قلب مدينة كولونيا غرب ألمانيا يتردد اسم الرئيس الجزائري بوتفليقة في نشرة أخبار قناة "فرانس مغرب" باللغة الفرنسية من جهاز تلفاز رقمي معلق على حائط المقهى، يستقبل قنواته الإذاعية والتلفزيونية عبر الأقمار الصناعية. فبعد أيام قليلة ستنطلق الانتخابات الجزائرية الرئاسية لعام 2014، التي من المرجَّح أن يكون الرئيس بوتفليقة أحد أوفر مرشيحها الستة حظاً، رغم مرضه الطويل وإصابته بجلطة دماغية، يقال إنه شفي منها.
يبتسم التركي تونجاي كوزان، صاحب المقهى، ومن ورائه على الحائط راية كبيرة ملونة بالأخضر والأبيض يتوسطها هلال أحمر بنجمة حمراء: إنه علم الجزائر. لا عجب في ذلك! فمعظم زوار المقهى، حيث تُباع أيضا حلويات ومشروبات جزائرية، مواطنون من الجزائر ويقيمون في ألمانيا.
"كلنا بشر. ولا فرق بيننا. يأتي إلى المقهى أناس من جميع الجنسيات. لكن مقهاي، الذي أتولاّه منذ عامين، هو بمثابة ملتقى للجزائزيين. لذلك أعلّق علم الجزائر على حائط المقهى. إن ما يجمعهم هنا هو حب اللقاء بحد ذاته وأيضاً لعب الدومينو وورق الشدة، وما يلمّ شملهم هنا قبل كل شيء هو حبهم لمشاهدة مباريات كرة القدم على شاشة تلفاز المقهى". يتحدث التركي تونجاي كوزان باللغة الألمانية، وهو يقدّم فنجاناً من القهوة للشاب الجزائري خالد، الذي يعيش في ألمانيا منذ 24 عاماً ويعمل في قطاع تخزين السلع.
الجنرالات الجزائريون
خالد يقاطع الانتخابات، لأنه مقتنع بأن نتيجتها واحدة وكما يقول المثل الجزائري: "الحاج موسى هو موسى الحاج "، أي أنه لن يتغير في السلطة شيء. ويرى خالد أن على بوتفليقة ألا يحكم البلاد لأنه "رجل مريض، وعليه أن يرتاح". يتذكر خالد، وهو من العاصمة الجزائرية، سبب خروجه من بلاده قائلاً: "في التسعينيات بعد أن نجحت الفِيس في الانتخابات (الفيس هو اختصار للاسم الفرنسي لجبهة الإنقاذ الإسلامية Front islamique du salut) وبعد أن صوّتَ الشعب لها بأغلبية ساحقة جاء الجنرالات الجزائريون من أبناء فرنسا العلمانية وأشاعوا حينها الفوضى في البلاد، فقتلوا آلاف الناس المساكين. أما هم فإنهم يستمتعون بالحياة مع أولادهم في سويسرا وإنكلترا وفرنسا"، يقول خالد الأنيق، بلباسه العصرى وتسريحة شعره.
يتذكر خالد أخاً له سُجِن في الصحراء مع آخرين لخمس سنوات تمكن بعدها من الهرب، وأيضاً أخاً لأحد أصدقائه قُتل آنذاك. وتمت ملاحقتهم لأنهم كانوا يتعاطفون مع جبهة الإنقاذ الإسلامية. ويلاحظ خالد في هذا السياق: " كانت كل الجزائر مؤيدة للإسلاميين"، ويضيف: "لقد انقلب الجنرالات على جبهة الإنقاذ الإسلامية، التي حصلت على أغلبية كاسحة من الأصوات في الجزائر، ثم اتهموا أعضاءها بالإرهاب، تماماً مثل انقلاب العسكر على الرئيس مرسي في مصر أخيرا واتهام مؤيديه بالإرهاب".
بالنسبة لخالد (عمره 43 عاماً) فإن جنرالات الجيش هم عبارة عن "مافيا" تحكم الجزائر وبوتفليقة ليس إلا واجهة أو "خُضرة فوق الطعام"، كما يقول المثل الجزائري. كما يعتبر الرئيس بوتفليقة مجرد "دمية" يحركها هؤلاء "الحكام الفعليون"، ثم يذكر بعض أسمائهم. ويضيف خالد، الذي له جنسية ألمانية إلى جانب الجنسية الجزائرية: "لقد اضطررتُ إلى الخروج من بلادي بعد إنهاء تعليمي المدرسي. فالدولة الجزائرية غنية غير أن الناس فقراء. ليس هناك من عمل ولا من تكوين مهني". ويعتبر أن البطالة هي سبب انتشار المخدرات في البلاد بين الشباب.
هجرة غير شرعية بحثا عن عمل
"أنا لاجئ في ألمانيا. هاجرتُ بطريقة غير شرعية. غامرتُ بنفسي وحياتي للوصول إلى أوروبا. قبل أكثر من سنتين ونصف اختبأتُ في سفينة نقلتني من الجزائر إلى فرنسا ومنها جئتُ إلى ألمانيا. سبب لجوئي إلى ألمانيا هو البطالة في الجزائر. وحالياً أتلقى مساعدة مالية من الحكومة الألمانية، 226 يورو في الشهر بالإضافة إلى السكن. هذا لا يكفي لذلك اضطر للعمل في السوق السوداء" ، كما يؤكد الشاب محمد الزري أيضا من الجزائر العاصمة.
يتمنى محمد الزري أن يتغير كل الطاقم الحاكم في الجزائر بعد انتخابات 2014. غير أنه يخشى من وصول أشخاص جدد إلى السلطة مثل "بوتفليقة وجماعته الذين نهبوا ثروات البلاد ووصلوا إلى درجة التشبع. ويضيف قائلا:"إذا أتى غيرهم فسيعملون أيضا على أخذ نصيبهم من ثروات البلاد، ولذلك فربما من الأفضل أن يبقى بوتفليقة لولاية رابعة". ويؤكد محمد حبه لبلده ويقول: "لم أستطع العيش في الجزائر بسبب عدم حصولي على عمل. لكن أعز ما في الجزائر هما الوالدان".
بعد لحظة قصيرة دخل كمال المقهى، وهو يشتغل كمساعد طباخ في ألمانيا منذ عام 2011 ويحكي قائلا: "خرجتُ من بلدي طلباً للرزق وبحثا عن الأمان ولمساعدة عائلتي. تعرض والدي للشلل الكُلّي نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية أجريت له في قرص عموده الفقري بالمستشفى العسكري بالجزائر في التسعينيات. لم نحصل على أية تعويضات من الدولة الجزائرية. وتكاليف العلاج في أوروبا باهظة جدا"، ويضيف كمال الذي ينحدر من مدينة الحراش قرب الجزائر العاصمة وعمره 34 عاماً، أنه متشكك من حدوث أي تغيير حقيقي من خلال انتخابات 2014، ويقول: "بصراحة، ليس عندي أي أمل في جميع المرشحين لرئاسة الجزائر، لا أومن بالحكومة الحالية ولا بالحكومة اللاحقة". ويرى وجود الكثير من الفساد والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان في البلد. ويضيف: "الجزائر تتجه إلى الهاوية في جميع ولاياتها الـ 48 بسبب البطالة" . غير أن كمال ضد قيام ثورة في الجزائر على غرار ثورات دول الربيع العربي، والتي اتسمت بسفك الدماء. كما يرى أن بوتفليقة يشكل واجهة لاغير: "لم أسمع بوتفليقة يتحدث منذ عام 2012 بسبب مرضه، وحتى الحملة الانتخابية لم يقم بها بنفسه بل قام بها نوابه"، كما يقول قبل أن يطلب فنجان قهوة من صاحب المقهى.
آفاق جديدة؟
ويشرح صاحب المقهى التركي تونجاي كوزان أن الجزائريين يأتون إلى مقهاه باستمرار، ويزداد عددهم خلال عطلة نهاية الأسبوع وخلال مباريات كرة القدم. ورغم استيائهم من الأوضاع في بلادهم إلا أنهم يتمتعون بشعور وطني عميق، "فلم يكن في المقهى مكان للجلوس أو حتى للوقوف أثناء التصفيات المؤهلة لنهائيات بطولة كأس العالم 2014، التي تأهل فيها المنتخب الوطني الجزائري". ويتذكر المواطن التركي تونجاي كوزان ذلك، مشيرا إلى بعض أفلام الفيديو التي التقطها بنفسه بهاتفه الجوال، حيث احتفل الجزائريون وابتهجوا عند تأهل منتخبهم في العام الماضي لنهائيات كأس العالم الذي سيقام هذا العام في البرازيل.
رفض جميع الجزائريين الشباب الذين تحدثت إليهم DW /عربية في المقهى السماح بأخذ صور لهم . ويلاحظ وجود اهتمام كبير لديهم بالسياسة، غير أنهم غير مهتمين بالمشاركة في الانتخابات. ويستمر دخول شبان جزائريين آخرين إلى المقهى القريب من محطة القطار الرئيسية ضمن مدينة كولونيا، حيث يُحيّي بعضهم البعض بمودة "كيف الحال، يا ابن بلادي؟". ولاشك أنهم يتوقون جميعا للتغيير نحو الأفضل في بلدهم الجزائر. غير أنهم يتساءلون: هل يفوز الرئيس الحالي بوتفليقة (77 عاماً) بالانتخابات، المقرر إجراؤها في 17 / 04 / 2014، لولاية رابعة رغم التشكك في قدرته على ممارسة الحكم؟ وهل يفي بوعوده الخاصة بالمزيد من الإصلاحات؟ أم أن رئيسا جديدا سيتولى قيادة البلاد؟ هل ستبقى الأمور على حالها، رغم مخاوف الوقوع في حمام دم جديد على غرار أحداث التسعينيات التي راح ضحيتها أكثر من 200 ألف مواطن في الجزائر؟