تأثير التصعيد الروسي على أزمة اللاجئين السوريين
١ أكتوبر ٢٠١٥تدخل الحرب في سوريا منعطفا مصيريا بعد التدخل الروسي غير المسبوق فيها خاصة أن موسكو تستفيد من قوات النظام السوري ومن قوات حزب الله اللبناني المساند للنظام بالإضافة إلى الطرف الإيراني الحاضر بقوة في النزاع. كل هذا يعزز موقف روسيا في سوريا ويثير بالتالي شكوك ومخاوف القوى الغربية على الأقل على الصعيد الرسمي والإعلامي، إذ يتحدث مراقبون عن مفاوضات تجري خلف الكواليس بين موسكو والغرب للتنسيق بشأن النزاع في سوريا وهذا ما قد يفسر تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين، التي أصبحت أكثر مرونة مؤخرا فيما يتعلق بموضوع التفاوض مع بشار الأسد.
أوروبا التي أصبحت تجد نفسها معنية أكثر من أي وقت مضى بالنزاع في سوريا بسبب استمرار تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إليها تجد نفسها اليوم مضطرة إلى المساهمة في إيجاد حل لهذه الحرب التي دخلت عامها الخامس، فكيف يؤثر التدخل الروسي في سوريا على تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز؟ وما هو الهامش المطروح حاليا أمام الغرب للتفاعل مع ما يجري في سوريا؟
تدخل غير مسبوق
بعد أسابيع من الشد والجذب بين موسكو والغرب إثر اتهامات من الأخير لروسيا بمساعيها لتعزيز وجودها العسكري في سوريا، باشرت موسكو شن عمليات قصف في سوريا، وسط تشكيك غربي في ما إذا كانت تستهدف بالفعل ضرب قواعد تنظيم داعش، كما يصرح المسؤولون الروس أم أنها تحاول دعم نظام بشار الأسد عسكريا عن طريق استهداف المعارضة السورية. وبحسب مصادر أميركية فإن روسيا نشرت أكثر من 500 جندي من مشاة البحرية بالإضافة إلى فرق الصيانة وفرق الدعم إلى جانب 32 طائرة حربية و20 مروحية وعدد من الدبابات والمدرعات العسكرية وغيرها من التعزيزات.
وبينما تختلف مواقف المحللين من نوايا روسيا بين من يعتبر تدخلها محاولة لحماية حليفها بشار الأسد ومن يرى أن روسيا تحاول تثبيت مصالحها هناك والحصول على حظها من "الكعكة السورية" بعد الضربات الموجعة التي تلقاها النظام في الفترة الأخيرة والتي تنذر حسب البعض بقرب انهياره، يرى الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ألبرشت ميتسغر أن التدخل الروسي يأتي بتنسيق مع الولايات المتحدة وأوروبا ويضيف في حديث مع DWعربية "لا أعتقد أن روسيا ستقوم بتدخل كهذا دون تنسيق مع الأمريكان والأوروبيين إذ ليس من صالحها أن تتدهور العلاقات مع القوى الغربية". وبخصوص تأثير هذا التدخل على أزمة اللاجئين، الهاجس الأكبر لأوروبا يقول ميتسغر"سأحاول أن أكون متفائلا وأقول إن التدخل الروسي يُفترض أن ينقص من أعداد اللاجئين المتدفقين إلى أوروبا وليس العكس إذا كانت موسكو فعلا تستهدف الجماعات الإرهابية كما تقول فهذا سيساعد على استقرار أوضاع المدنيين هناك وبالتالي تراجع عدد منهم عن فكرة المخاطرة بالهجرة نحو أوروبا".
مستقبل اللاجئين السوريين
ورغم اختلاف المواقف من نوايا روسيا التي يراها الغرب حتى الآن غامضة إلا أن هناك شبه إجماع دولي على ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية خاصة مع الضغط الذي تفرضه أزمة اللاجئين إلى أوروبا، فهل تستغل روسيا هذه النقطة من أجل "ابتزاز" أوروبا والغرب؟ يجيب الخبير الألماني عن هذا السؤال قائلا "لا أتوقع ذلك فروسيا تسعى لأن تكون علاقتها الآن بأوروبا جيدة وهذه العلاقات أصلا كانت حتى وقت قريب جيدة قبل الأزمة الأوكرانية. التاريخ والمعطيات الحالية تقول إن العلاقات الروسية الألمانية ليست سيئة كما يبدو لنا". هذا الطرح يتماشى إلى حد ما مع تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة حول وجود تنسيق روسي أمريكي بشأن سوريا وكذلك مع محاولات المسؤولين الأوروبيين إظهار مواقف أكثر ليونة بخصوص إشراك بشار الأسد، حليف روسيا، في أي حل مستقبلي للأزمة بعدما كان هذا بمثابة خط أحمر بالنسبة للأوروبيين قبل سنوات من الآن.
وفي هذا السياق يقول ميتسغر "التدخل الروسي على عكس ما يبدو لنا سيعزز التقارب الروسي الغربي بشأن النزاع في سوريا ذلك أنه وبحسب رأيي هناك اتفاق روسي أوروبي نراه حتى في تعليقات المستشارة أنغيلا ميركل التي لم تستبعد إمكانية الحوار مع الأسد بشكل مؤقت". ويضيف بالقول: "أكيد أن بقاء الأسد في السلطة مازال مرفوضا في أوروبا بسبب كل الجرائم التي تورط فيها، ولكن هناك قناعة الآن بأن أي حل حقيقي للأزمة السورية يفرض أن يبقى جزء من هذا النظام في السلطة وأنا متأكد من وجود تفاهم روسي أوروبي بهذا الخصوص".
ويستبعد الخبير الألماني إمكانية تأثير التدخل الروسي في اتجاه تعقيد وضعية اللاجئين السوريين في أوروبا قائلا "أوروبا وألمانيا تحديدا بدأت بالتضييق على وصول اللاجئين إليها لأسباب أخرى تتعلق أساسا بأن قدرتها الاستيعابية وصلت إلى حدها الأقصى وبالتالي لا علاقة للتدخل الروسي بالأمر". ثم يشير الخبير الألماني إلى نقطة ربما تقلق برلين تجاه مسالة ضربات موسكو في سوريا وعلاقته باللاجئين السوريين إلى ألمانيا بقوله "قد يكون تأثير التدخل الروسي في هذا الخصوص هو أن ألمانيا ستحذر موسكو من عواقب التعرض للمدنيين وما قد يخلفه ذلك من زيادة في تدفق اللاجئين إليها".