تباين حول حيادية لجنة التحقيق الإسرائيلية في أحداث "أسطول الحرية"
١٤ يونيو ٢٠١٠قوبل إعلان الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تحقيق في العملية العسكرية ضد "أسطول الحرية"، بردود فعل متباينة. وفيما رحبت واشنطن بالقرار الإسرائيلي، أعربت أنقرة عن تشكيكها في حيادية لجنة التحقيق هذه، مصرة على تحقيق دولي تشارك فيه تركيا أيضا ويتم تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة. أما برلين فقد ألمحت إلى ترحيبها بمصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول العملية العسكرية ضد قافلة الإغاثة الدولية. وفي سياق متصل قال كريستوف شتيغمانس، نائب المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، اليوم الاثنين (14 حزيران/ يونيو) إن "انطباع الحكومة الألمانية الأول حول هذا الموضوع هو أنه خطوة في الاتجاه الصحيح".
من جهته، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه بحث مساء أمس الأحد تشكيل لجنة تقصي الحقائق مع عدد من المسئولين الأوروبيين، ومن بينهم المستشارة الألمانية ورئيس الوزراء الأسباني الذي تترأس بلاده حاليا الاتحاد الأوروبي، ورئيس الوزراء البريطاني. فهل يأتي هذا الإعلان استجابة للضغوط الدولية المتزايدة بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية والتي أثارت انتقادات دولية عارمة؟
"الطابع الدولي للجنة شكلي فحسب"
المحلل السياسي والخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ميشائيل لودرز اعتبر في حوار مع دويتشه فيله، أن إسرائيل لم تغير موفقها، إذ أنها كانت أعلنت من قبل أنها ستجري تحقيقا داخليا في القضية ورفضت قطعيا مبدأ تشكيل لجنة تحقيق دولية، وقبلت في المقابل "حضورا دوليا"، وأضاف بهذا الصدد "إسرائيل تحاول التخفيف من الضغوط الدولية المتزايدة عليها". وأكد في الوقت نفسه على أنه "ليس هناك إرادة حقيقة في إشراك دول أخرى في التحقيق حول العملية العسكرية"، لافتا إلى أن "إسرائيل ستقرر بنفسها ما إذا كانت العملية العسكرية شرعية أم لا". وعلى الرغم من أن لجنة تقصي الحقائق المتكونة من خمسة أفراد، ثلاثة منهم إسرائيليون، تضم اثنين من المراقبين الأجانب يتمتعان بسمعة متميزة على الصعيد الدولي، وهما ديفيد تريمبلي، سياسي من إيرلندا الشمالية وحائز على جائز نوبل للسلام، والكندي كين واتكين، محامي متخصص في القانون الدولي، إلا أن طابعها الدولي يكاد يكون شكليا فحسب، ذلك أن اقتراح مجلس الوزراء الإسرائيلي بشأن لجنة التحقيق ينص على إمكانية حجب معلومات عن المراقبين الأجانب، في حال كان ذلك يهدد أمن إسرائيل ويشكل خطرأ على علاقاتها الدولية. وبالرغم من أن هذين المراقبين يخول لهما الحضور خلال الاستجوابات ومناقشات اللجنة، إلا أنه ليس لهما أي تأثير على طريقة عمل اللجنة ولا على استنتاجاتها.
"التحقيق الإسرائيلي لن يؤدي إلى شيء"
ومن المقرر أن تبحث اللجنة، التي يرأسها القاضي المتقاعد في المحكمة العليا الإسرائيلية ياكوف تيركل، أساسا مدى التزام عملية اعتراض الجيش الإسرائيلي لأسطول المساعدات المتجه إلى غزة والحصار المفروض عليها بالقانون الدولي. فيما أكد نتنياهو على أن تشكيل لجنة تقصي الحقائق في أحداث قافلة السفن تم وفقا لمبدأين أساسيين هما الحفاظ على حرية العمل لجنود الجيش الإسرائيلي وعلى مصداقية إجراءات التحقيق العسكرية وتقديم ردود مقنعة وذات مصداقية للدول الصديقة والمسؤولة في المجتمع الدولي.
ويرى الخبير الألماني لودرز أن الحكومة الإسرائيلية تسعى من خلال تشكيل "لجنة تحقيق إسرائيلية"، إلى تجنب تحقيق دولي حقيقي "بسبب عدم وجود ضغوط حقيقية من القوى الغربية، على غرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن إسرائيل تلعب على حبل الوقت". هكذا يحلل لودرز الموقف الإسرائيلي. ويتوقع أن قضية العملية العسكرية الإسرائيلية ضد أسطول الإغاثة سوف تفقد من أهميتها خلال فترة وجيرة، أي أنها لن تشكل موضوع محادثات دولية ولن تستقطب اهتمام وسائل الإعلام الدولية، بحيث يقول: "بعد أسبوع أو أسبوعين سوف لن يتكلم أحد عن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد أسطول الحرية"، مؤكدا على أن "هذا التحقيق الإسرائيلي لن يؤدي إلى أي شيء" وأنه "مجرد مسرحية سياسية".
"الجنود الإسرائيليون دافعوا عن أنفسهم"
بيد أن الحكومة الإسرائيلية تؤكد على أنه من حقها حماية أمنها وأنها قد طالبت سفن أسطول الحرية بالاتجاه إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، لكنها رفضت الامتثال لهذه المطالب. كما لا تزال إسرائيل تشدد على أن جنودها إنما أجبروا على إطلاق النار على النشطاء، الذين كانوا على متن السفينة "مافي مرمرة"، التي تحمل العلم التركي، "دفاعا عن النفس" بعدما هاجمهم هؤلاء بقضبان معدنية وسكاكين . من جهته، قال داني أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، في حديث أذاعته شبكة "سي.أن.أن" الإخبارية الأمريكية أمس الأحد، إنه "كان هناك نحو 75 ناشط إرهابي اختلطوا مع نحو 600 ناشط سلام، على متن سفينة "مافي مرمرة". وأوضح أيالون أن هؤلاء، الذين وصفهم بالإرهابيين"كانوا من المرتزقة"، لافتا إلى أنه تم العثور على "مبالغ مالية هامة بحوزتهم". وأكد أن "هؤلاء المرتزقة كانوا على ظهر السفينة يتربصون بالجنود الإسرائيليين إما لقتلهم أو لاختطافهم". وشدد أيالون على أن مقتل النشطاء التسعة كان "دفاعا عن النفس". وتتضارب هذه التصريحات مع ما يؤكده منظمو أسطول الحرية ومع المشاركين فيه من نشطاء من أن الجنود الإسرائيليين قد أطلقوا النار على مدنيين لم يكونوا مسلحين يشاركون في قافلة إغاثة سلمية. وفي الوقت الذي أكد فيه البيت الأبيض على لسان متحدثه روبرت غيتس: "أنه "لدى إسرائيل نظام قضائي عسكري يتوافق والمعايير الدولية وقادر على إجراء تحقيق جدي ويحظي بمصداقية وإن تشكيل لجنة التحقيق الإسرائيلية العامة المستقلة يمكن أن يلبي معايير السرعة والنزاهة والمصداقية والشفافية للتحقيق".
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: حسن زنيند