تباين مواقف النخبة الثقافية بشأن الماضي النازي لغونتر غراس
٢٥ أغسطس ٢٠٠٦أحيت اعترافات غونتر غراس المتأخرة بعضويته السابقة في فرق الوحدات الخاصة النازية SS الجدل حول جيل ما بعد الحرب في ألمانيا وارتباطه بالنازية. تلك الاعترافات أحدثت صدمة قوية في الأوساط الشعبية والثقافية الألمانية والعالمية وأعقبها انتقادات حادة وُجهت للأديب من مثقفين وسياسيين يأخذون عليه صمته الطويل على ماضيه. لكن بالرغم من تلك الصدمة التي هزت الأوساط الثقافية الألمانية والعالمية وأفقدت حامل جائزة نوبل للأدب الكثير من التعاطف وأثرت على مصداقيته فقد أشار وزير الدولة الألماني للثقافة، بيرند نويمان، في تصريح له لصحيفة "بيلد" الألمانية أن أعمال غونتر غراس الأدبية تحتفظ بقيمتها كاملة لكن موقعه كمرجع أخلاقي بات موصوماً.
اعتراف متأخر
أيقظت الاعترافات المتأخرة لغراس أشباح الماضي التي لم تتمكن ألمانيا بعد من تخطيها، خاصة وأن تلك الاعترافات تأتي من رجل معروف بآرائه السياسية الاشتراكية وتمسكه بموقف ثابت معارض للحرب والعنف. ولم يكن غونتر غراس كشف حتى الآن سوى عن انتمائه إلى وحدة الدفاع المضاد للطيران عام 1944 قبل أن يأسره الأمريكيون. وأثارت تلك الاعترافات ردود فعل داخلية ودولية متباينة من قبل عدد من المثقفين والنخب السياسية. فقد علق الكاتب السويدي، لارس غوستافسون، على اعترافات غراس قائلاً أنه فوجئ عند سماعها وتسائل مثلما تسائل الكثيرون من محبي ومنتقدي غراس عن الأسباب، التي ألزمت الأديب الألماني الشهير الصمت طيلة فترة دامت أكثر من ستة عقود. ولم يجد غراس ما يبرر به ذلك التكتم وتلك الوصمة التي تلتصق بماضيه إلى الأبد سوى تعبيره في مقابلة مع التلفزيون الألماني عن شعوره بالعار من ماضيه هذا. وكان لاعترافات غونتر غراس وقعاً بالغاً في بولندا خصوصا وأنه ولد في غدانسك التي كانت تعرف آنذاك بمدينة دانتسيغ وقد أعلن مواطنا فخريا لهذه المدينة.
انتقادات الطبقة المثقفة
ويبقى السؤال لماذا انتظر الكاتب الملقب بـ"ضمير المانيا" إلى خريف حياته ليكشف هذه الصفحة السوداء من تاريخه؟ لعل ما أثار استياء الصحافيون والمثقفون خصوصاً أنه أخفى هذا الشق من شبابه فيما كان يطرح نفسه في موقع الرقيب على قسم من الطبقة السياسية في جمهورية ألمانيا الاتحادية ما بعد الحرب مندداً بصمتها على مساوماتها الماضية مع النازية. وذكرت صحيفة "برلينر تسايتونغ" كذلك بمبادرة قام بها في آب/أغسطس 1961 حين دعا الكتاب في جمهورية ألمانيا الديموقراطية إلى إعلان موقف من إقامة جدار برلين بعد بضعة أيام على الشروع ببنائه. وولم يجد الكاتب فولف ديتريش شنوري في رسالة مفتوحة الى الصحيفة ما يبرر صمت غراس معتبرا أن من يلزم الصمت فهو مذنب. أما فرانك شيرماخر مدير تحرير صحيفة "فرانكفورتر الغيماينة تسايتونغ" فقد انتقد هو الآخر صمت غراس عن بعض فصول ماضيه إبان الحقبة النازية معتبراً أن غراس كان عليه أن يبوح بذلك خلال فترة معينة لا تتخطى صدور رواية "الطبل الصفيح" عام 1959 والتي عالج فيها الكاتب الفترة النازية.
هل يستحق غراس جائزة نوبل؟
ويطالب البعض غونتر غراس اليوم بإعادة جائزة نوبل للآداب التي فاز بها، إذ قال فولفغانغ بورنسن، المكلف بالشؤون الثقافية لدى الاتحاد المسيحي الديموقراطي، أن غراس فرض تطلعات أخلاقية عالية على رجال السياسة في بلاده، مشدداً على أن هذه التطلعات تعنيه هو أيضا. واستطرد بورنسن بأنه يجدر بغراس أن يعيد كل الجوائز التي حصل عليها ومنها جائزة نوبل. إلا أن مؤسسة نوبل أعلنت أنها لا تنوي الإقدام على ذلك كون جائزة الآداب الممنوحة للكاتب الألماني عام 1999 لا يمكن استردادها بعد منحها. وهذا ما أكده مدير المؤسسة السويدية، ميكايل شولمان، الذي اعتبر أن قرارات منح الجوائز لا تراجع عنها. ويذكر أن مؤسسة نوبل لم تقوم بسحب أي من الجوائز التي منحتها طوال 105 عام.