تجارب مثيرة للاجئين يطمحون لممارسة مهنتهم في ألمانيا
٢٧ مايو ٢٠١٨للاجئين السوريين في ألمانيا تجارب مختلفة مع رحلة البحث عن فرصة عمل في نفس مهنتهم التي كانوا يمارسونها في سوريا. فمنهم من رفض العمل في مهنة أخرى ومستمر في البحث، ومنهم من استسلم أو اضطر إلى قبول العمل في مهنة أخرى من أجل الاندماج في سوق العمل، مثل ما فعل اللاجئ السوري صلاح (27 عاماً) الذي يقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات ونصف تقريباً.
درس صلاح الرياضيات ثلاث سنوات في سوريا وعمل مدرساً في عدد من المعاهد والمدراس الخاصة هناك. وهنا كان يريد دخول الجامعة ودراسة الرياضيات في إحدى الجامعات الألمانية، لكن حاجز اللغة حال دون ذلك، إذ رسب في امتحان اللغة الألمانية DSH مرتين وهكذا أنهى جميع الفرص التي كانت أمامه للحصول على مقعد في الجامعة. ويقول عن تلك الفترة لمهاجر نيوز "تفاجأنا نحن الشباب بصعوبة اللغة وامتحانات القبول في الجامعات.
وبسبب الوقت الذي يمر بسرعة من دون عمل أي شيء و الأهل الذين تركناهم في سوريا ينتظرون مساعدتنا لهم، كان يجب علي البحث عن بديل آخر". في الفترة التي كان الشاب السوري يبحث عن حل لمشكلته، التقى بمهندس ألماني، نصحه بالالتحاق بالتأهيل المهني في المحاسبة، سيما وأن خبرة في مجال المحاسبة التي مارسها في تركيا قبل مجيئه إلى ألمانيا.
"التدريس أحب إلى قلبي.. لكن"
منذ سنة تقريباً بدأ صلاح تأهيله المهني في مجال بيع وشراء العقارات. وعن هذه التجربة يقول "إنه هو مجال بعيد كليَاً عن مجال عملي، وأنا دخلته عن طريق الصدفة. لأنه حتى الحصول على مقعد في التأهيل المهني ليس سهلاً، فقد تلقيت رفض لأكثر من 25 طلب تقدمت به. التكوين المهني طريق مختصر لولوج سوق العمل في ألمانيا، خاصة للاجئين الشباب مثلي".
عم صلاح هو الآخر يعاني من المشلكة ذاتها، فهو يبلغ من العمر 53 عاماً، و كان يعمل مهندسا معماريا في سوريا لأكثر من عشرين سنة. لم يتمكن لحد الآن من الحصول على فرصة عمل في ألمانيا، بحكم كبر سنه كما يرى صلاح. ويقول إن عمه بالرغم من إنهائه مستوى B2 في اللغة الألمانية الذي يعتبر متقدما، هو الآن "جالس في البيت ويعتمد على المساعدات الاجتماعية".
ويضيف "الألمان لا يعتمدون على الشهادات الجامعية بقدر ما يعتمدون على التجارب العملية، والتي تختلف في بعض المجالات كلياً عن سوريا مثل التدريس والهندسة وغيرها. في حين أن مجالات مثل الطب والصيدلة والميكانيك هي المجالات الأكثر طلباً في ألمانيا". ويرى الشاب السوري أن مدى إتقان اللغة الألمانية، يبقى العامل الحاسم في تحديد مسار اللاجئين في سوق العمل. فبالرغم من حصوله على فرصة التكوين المهني في مجال مهم في ألمانيا وتفوقه فيه، إلا أن التدريس يبقى العمل الأحب إلى قلبه، والذي تقف اللغة الألمانية واختلاف النظام التعليمي حاجزاً أمام ممارسته".
"تبقى دراسة الإعلام حلما جميلا"
مثل الشاب صلاح أيضا لم يتمكن الشاب السوري سيدو رشيد، المنحدر من مدينة عفرين، والمقيم في ألمانيا منذ ما يقارب الخمس سنوات؛ من الحصول على فرصة عمل في المجال الذي يحبه في ألمانيا. إذ عمل رشيد سابقاً في سوريا بمختبر في شركة لصناعات الدوائية لعدة سنوات، وذلك بعد إتمام دراسته في جامعة حلب تخصص علوم الأغذية. والآن في ألمانيا يعمل رشيد في شركة فورد للسيارات بعقد دائم منذ أربع سنوات.
غير أنه كان يفضل العمل في مجاله أو على الأقل أن يدرس الإعلام الذي كان يحلم بدراسته في سوريا. وعن حلمه هذا يقول رشيد لمهاجر نيوز "كنت أنوي وأطمح الدراسة في مجال الإعلام في سوريا. لكن الظروف هنا وهناك حالت دون تحقيق هذا الحلم الجميل، والسبب هو الصعوبات التي واجهتها، ما جعلني أفكر ملياً في العمل".
منذ وصوله إلى ألمانيا اشتغل رشيد في مهن مختلفة بعيدة كلياً عن تخصصه، منها العمل في مطعم لما يقارب السنة والنصف، إلى أن تقدم بطلب للعمل في شركة فورد للسيارات. ويصف رشيد تجربته هذه بأنها "مجال مختلف كلياً عن عملي السابق في مختبر الأدوية، الذي كنت أجد فيه متعة لأنه مجال تخصصي، مقارنة بالعمل في شركة السيارات، الذي يتطلب جهدا أكبر. ولكن ما كان يهمني بالأساس هو العمل والاستقرار، لأني لم أكن أريد أن أبقى عالة على المجتمع الألماني".
مواصلة البحث رغم حاجز اللغة
على عكس صلاح ورشيد، اختار الشاب سعيد، والذي يعيش في ألمانيا منذ عامين ونصف تقريباً، مواصلة البحث عن فرصة عمل في مجاله، رغم حاجز اللغة. يحمل سعيد شهادة ماجستير في التجارة والاقتصاد من سوريا وعمل لعدة سنوات في أحد البنوك في سوريا. وعند وصوله ألمانيا أنهى سعيد مستوى اللغة B2 وحالياً يدرس في دورة آخرى للغة الألمانية في جامعة كولونيا.
سعيد لم ييأس حتى بعد تقديم عدة طلبات من أجل الحصول على فرصة عمل في مصرف أو شركة، دون جدوى. ويقول في حديثه لمهاجر نيوز "بحثت كثيراً عن فرصة للعمل في مجال تخصصي، أجريت أكثر من مقابلة عمل في مصارف وشركات ألمانية مختلفة، لكن كلهم أشاروا إلى أن مستواي باللغة الألمانية لا يؤهلني للعمل، وأنه من الضروري للعمل معهم أن أتقن اللغة الألمانية بشكل ممتاز". سعيد لم يفقد الأمل بعد ولازال يبحث عن فرصة للعمل في مجال دراسته ويقول إنه يريد العمل فقط في مجال تخصصه.
اللغة شرط أساسي للاندماج والعمل
بالنظر إلى تجارب مختلفة للاجئين في سوق العمل، فإن اللغة الألمانية هي العامل الحاسم في نجاحهم أو إخفاقهم المهني. إذ أن المؤهلات الدراسية وحدها لا تكفي في ألمانيا. وبحسب تقرير لمكتب العمل، فإن حوالي 15 إلى 20 في المائة من اللاجئين حاصلين على شهادة جامعية، لكن المؤهل المهني لديهم دون المستوى المطلوب. إذ أن أكثر من 70 في المائة من اللاجئين لم يتلقوا تدريباً مهنياً كاملاً. ويرجع باول إبزن، المختص في قضايا اللاجئين والاندماج، سبب نجاح البعض وإخفاق الآخرين في ممارسة مهن تلائم تخصصاتهم إلى إتقان اللغة ويقول "الطبيب السوري أو المهندس المنحدر من العراق، والذين يتم الحديث عنهم كثيراً في وسائل الإعلام، هم الاستثناء. الأشخاص الذين لديهم هذه المهن يتحدثون اللغة الإنكليزية بشكل جيد للغاية وفي بعض الشركات قد تكفي الانكليزية كلغة للعمل".
وتعمل وكالة العمل الاتحادية بالتعاون مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، على دعم اندماج اللاجئين في سوق العمل من خلال العديد من البرامج المتمثلة في الدعم اللغوي واكتساب مؤهلات التعليم والتدريب في ألمانيا، وذلك انطلاقاً من تقييم الكفاءة والاعتراف بالدرجات العلمية وصولاً إلى دعم توظيف اللاجئين. ويقول إبزن لمهاجر نيوز، إن هدف هذه البرامج ليس هو تعليم اللاجئين اللغة فقط وإنما أيضاً القانون والثقافة والتاريخ في ألمانيا. ويضيف "اندماج اللاجئين في سوق العمل يمثل تحديا لنا، لأن اللغة الألمانية ضرورية للاندماج الاجتماعي والمهني على حد سواء".
المصدر: مهاجر نيوز
الكاتبة: إيمان ملوك