تحديات ربيع الثورات العربية في صلب تقرير العفو الدولية السنوي
١٣ مايو ٢٠١١ألقت ثورات العالم العربي، المطالبة بالحرية والديمقراطية، بظلالها على أحدث تقرير سنوي لمنظمة العفو الدولية. وحذر فولفغانغ غرينس نائب الأمين العام للفرع الألماني للعفو الدولية في ألمانيا من أن نجاح رياح التغيير التي تهب على العالم العربي باتت مهددة بسبب القمع العنيف للمحتجين في بلدان كسوريا والبحرين.
ورصد التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية لعام 2011، تطورات حقوق الإنسان في العالم خلال السنة المنصرمة. ويتكون التقرير من 400 صفحة ويتناول بالدراسة والتحليل الوضعية الحقوقية في 157 بلدا، وثَّقت فيها حالات التعذيب وسوء المعاملة وحالات الاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة إضافة إلى التضييق والتمييز ضد الأقليات في مختلف أنحاء العالم كما أكد ذلك لدويتشه فيله سعيد حدادي الباحث في برنامج شمال إفريقيا والشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية.
الثورات العربية خلقت أفقا جديدا ولكن!
بعد خمسين عاما من تأسيس العفو الدولية لا تزال حرية الرأي والتعبير والتجاوزات لحقوق الإنسان موضعا آنيا وملتهبا في تقارير هذه المنظمة الدولية، إذ رصدت تجاوزات جسيمة في 89 بلدا من ضمنها دول من شمال إفريقيا والشرق الأوسط وإن كانت الثورات العربية بعد نجاح ثورتي تونس ومصر قد خلقت أفقا جديدا في المنطقة. وبهذا الصدد قال سعيد حدادي أن المنظمة رصدت "تنامي المطالب بالحرية والعدالة في المنطقة العربية، مطالب بالتغيير وبتفعيل حقوق الإنسان".
وتتابع المنظمة الدولية عن كثب تطورات الوضع الحقوقي في سوريا وليبيا واليمن، وأعربت عن "انزعاجها من انتهاكات حقوق الإنسان في هذه البلدان، وطالبت السلطات في سوريا واليمن بالكف عن قمع المحتجين السلميين، كما طالبت طرفي النزاع في ليبيا بالكف عن قمع المحتجين وبعدم إقحام المدنيين في النزاع" على حد تعبير سعيد حدادي.
تونس ومصر: مسار غير مكتمل
وسجل التقرير التقدم الذي شهدته أوضاع حقوق الإنسان في مصر وتونس ما بعد الثورة، ولكنه أكد في الوقت ذاته استمرار وجود نواقص كثيرة، معتبرا أن قوات الأمن المصرية لم تغير بعد من سلوكها بشكل جذري بعد سقوط نظام حسني مبارك. وانتقدت العفو الدولية العمل بقانون في منتصف شهر أبريل الماضي يجرم حق الإضراب أو التظاهر السلمي، إضافة إلى إقصاء المرأة من جهود رسم الرؤية المستقبلية للبلاد.
ودعا فولفغانغ غرينس من فرع العفو الدولية في برلين، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى الضغط على الحكومة الانتقالية في مصر والمجلس العسكري فيها للتراجع عن هذه الخطوة. إلا أن سعيد حدادي أكد مع ذلك أن ثورتي تونس ومصر تشكلان تغييرا جذريا، مذكرا ببعض المكاسب التي حققتها لشعبي البلدين، "كحل أكبر أجهزة القمع في البلدين وهما جهاز مباحث أمن الدولة في مصر، وفي تونس مديرية أمن الدولة أو ما يسمى بالبوليس السياسي".
ومن جهة أخرى تأسف التقرير عما أسماه بالكيل بمكيلين لبعض الدول الغربية في موضوع حقوق الإنسان، ووجه أصابع النقد بالخصوص للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص غضها النظر عن قمع الشيعة في البحرين، ودعت المنظمة الدولية إلى موقف أكثر حزما تجاه حكومة البحرين. وبهذا الصدد قال سعيد حدادي "هناك كيل بمكيالين وعلى الدول الغربية أن تنظر إلى حقيقة أن شعوب المنطقة لا ترضى بأقل من العيش بكرامة وحرية".
الإنترنت سلاح دو حدين
وفي سياق متصل سلط تقرير العفو الدولية لهذا العام الضوء بشكل خاص على دور مواقع التواصل الاجتماعية على الإنترنت في ديناميكية ربيع الثورات العربية، إلا أنه حذر في الوقت ذاته من أن الأنظمة القائمة توظف الشبكة العنكبوتية في بعض الأحيان في تحديد هوية الناشطين وقمعهم. ونفس الوضع ينسحب على شبكات الهواتف النقالة التي تخضع للتنصت والتجسس لمراقبة حركة المحتجين أو التشويش عليهم وأحيانا اعتقالهم وتعذيبهم. وأبدى التقرير أسفه لكون المواقع الالكترونية وشركات الهواتف المحمولة يمكن أن توظف كشريكة للأنظمة القمعية، من خلال مراقبتها لكل حركات الناشطين أو حجب الدخول إلى الشبكة. فعلى سبيل المثال ذكرت شركة فودافون البريطانية للهاتف النقال أنها قدمت شكاية للسلطات المصرية بعد إجبارها على بث رسائل قصيرة مؤيدة للرئيس السابق حسني مبارك دون الإشارة بشكل واضح إلى أن مصدر تلك الرسائل هو الحكومة. ودعا التقرير شركات الاتصالات إلى أن عليها "تجنب التحول إلى عملاء أو شركاء للحكومات القمعية التي تريد خنق الرأي العام والتجسس على شعبها".
ويذكر أيضا أن حكومة مبارك قامت في خضم الثورة بتعليق العمل بالإنترنت أكثر من مرة. أما الحكومة السورية فتقطع الكهرباء حتى تمنع الناشطين من استعمال الإنترنت أو هواتفهم النقالة في تصوير الاحتجاجات وقمع قوات الأمن لها. وحذر التقرير من ان "الحكومات تبذل جهودا لاستعادة زمام المبادرة أو استخدام هذه التكنولوجيا ضد الناشطين".
حرية التعبير من حقوق الإنسان الأساسية التي التزمت العفو الدولية بالدفاع عنها منذ تأسيسها منذ عام 1961، وذلك كيفما كانت الوسائط المستعملة. وبهذا الصدد أوضح سعيد حدادي أن "تونس ومصر تمكنتا من انتزاع حق حرية التعبير، وهو حق في حد ذاته، ولكنه أيضا أداة للمطالبة بحقوق أخرى، كالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية". ويقول تقرير المنظمة الدولية أن هذا يتعرض لتجاوزات كبيرة في حوالي تسعين بلدا في العالم. ففي سوريا على سبيل المثال لا الحصر تحجب السلطات المواقع المنتقدة للنظام القائم أو التي تتحدث عن أوضاع الأقلية الكردية في البلاد.
مآخذ على الدول الغربية
انتقدت العفو الدولية الحصيلة الأميركية في مجال حقوق الإنسان خصوصا وضع المعتقلين في سجن غوانتانامو وفي أفغانستان فضلا عن الاستمرار في تطبيق عقوبة الإعدام والذي يولد أخطاء قضائية حسب تعبيرها. وذكر التقرير أن الولايات المتحدة نفذت حكم الإعدام بحق 46 سجينا العام 2010 ، وأبدت المنظمة أسفها لان السلطات الأميركية تعيق الجهود المبذولة لتحديد "المسؤوليات والعلاجات لانتهاكات حقوق الإنسان" التي حصلت خلال السنوات الثماني من حكم الرئيس السابق جورج بوش.
من جهة أخرى انتقد تقرير المنظمة الدولية سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال اللجوء والهجرة، فالجدل حول توزيع ثلاثين ألف من اللاجئين من شمال إفريقيا الذين وصلوا إلى إيطاليا عقب الثورة التونسية يظهر أن نظام توزيع اللاجئين لا يعمل بفعالية داخل المنظومة الأوروبية. ويقول التقرير أن "تشديد المراقبة على الحدود ليس حلا، كما أن التعرض اللاجئين في أعالي البحار دون التحقق من أسباب نزوحهم يتعارض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان". وبهذا الصدد أوضح سعيد حدادي لدويتشه فيله أن إيطاليا وفرنسا بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام "يخشون من موجة اللاجئين، وعلى هذه الدول إعطاء حق اللجوء للنازحين من شمال إفريقيا".
حسن زنيند
مراجعة: منصف السليمي