تحرر الدول العربية من عبودية "الذهب الأسود" ضرورة حيوية
٢٨ سبتمبر ٢٠٠٥شهدت القطاعات المالية في دول الخليج تضخما إثر ارتفاع أسعار النفط وبسبب الازدهار الكبيرالذي شهده قطاع العقارات وأسواق المال. وعلى الرغم من ذلك فإنه يتعين عليها عدم تكرار تجربة السبعينات والثمانينات عندما أهدرت فرصا ذهبية لتنويع مصادر اقتصادها. وفي هذا الخصوص أشار طارق يوسف أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون في واشنطن في كلمة في مؤتمر أبو ظبي عن "النفط والغاز في الخليج: من أجل ضمان الأمن الاقتصادي" الذي افتتح الأحد الماضي أنه "لا مناص لدول المنطقة من اعتماد تغييرات موجعة" و أضاف "بدأنا نشهد تكرارا لتجارب ماضية" مشيرا إلى غياب استراتيجيات عملية للتعاطي مع القضايا الاقتصادية المزمنة في المنطقة. كما يرى يوسف أن الأمن الاقتصادي المستقبلي للخليج لا يرتبط فقط بقدرة الدول المعنية على التصرف الناجح في مواردها النفطية. يجب على هذه الدول التصدي للتحديات التي تواجه اقتصادها، وخاصة إيجاد فرص عمل كافية وتحقيق نمو مستديم، إضافة إلى تقليص دور الدولة لفائدة القطاع العام.
ضرورة الإصلاحات
يرى خبراء الاقتصاد أنه يتوجب على دول الخليج النفطية العربية التي زادت عائداتها بشكل كبير إثر ارتفاع أسعار النفط أن تقوم بإصلاحات "موجعة" وتفادي أخطاء الماضي إذا ما رغبت في ضمان رفاهيتها الاقتصادية على المدى البعيد. وعلى وجه التحديد يؤكد طارق يوسف أن هذه المنطقة بحاجة إلى القيام بثلاثة إصلاحات جذرية في الميدان الاقتصادي: أولها التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص وثانيها الاتجاه من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد مفتوح، وآخرها التخلص من مرتهن بالنفط إلى اقتصاد أكثر تنوعا وديناميكية. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي الست، والتي تؤمن حوالي 20% من الإنتاج العالمي من النفط، ستحقق هذا العام عائدات نفطية قياسية بقيمة 300 مليار دولار. وإذا كان البعض يرى في هذه السيولة المالية هبة من السماء، فإن آخرين يرون أنها تسبب مشاكل اقتصادية على المدى البعيد حين تظل موازنات هذه الدول و اقتصادها مرتبط بشكل أساسي بالنفط
هيمنة القطاع العام على الإقتصاد
تعد دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت و سلطنة عمان والبحرين ) 35 مليون نسمة حوالي ثلثهم من الأجانب. ومع نسبة نمو سكاني تبلغ 5.3 % سنويا فإن أعدادا متزايدة من السكان المحليين تدخل سنويا إلى سوق العمل في الوقت الذي تتراجع قدرة هذه الدول على توفير فرص عمل لمواطنيها. ومن جهته يشير طارق يوسف أنه "بالرغم من التطور في القطاع الخاص الذي أصبح محركا مهما للاقتصاد، فلا يزال القطاع العام مهيمنا على سوق العمل وهو ما يدعم دور الدولة الطاغي على قطاع الإقتصاد. فعلى سبيل المثال يعمل أكثر من 90% من المواطنين المحليين لدى مؤسسات الدولة في دول مثل الإمارات والكويت وقطر ما أدى إلى تضخم القطاع العام.
النفط مورد محدود
وعلاوة على ذلك فإن أحد أبرز التحديات التي تواجه هذه الدول تتمثل في إيجاد صناعات جديدة وتطوير قطاع الخدمات الخاص حتى يمكن خلق فرص عمل جدية واستيعاب أعداد متزايدة من السكان. وإذا كانت الآفاق على المدى القصير تبدو واعدة بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ما يوفره سوق النفط من أسعار عالية على الأقل حتى سنة 2006، فإن الخبراء لا يخفون تشاؤمهم فيما يتعلق بالآفاق الإقتصادية على المدى المتوسط والبعيد. فالنفط مصدر غير دائم ومن الحكمة الإعداد لضمان قدراتها التنافسية في العقود القادمة.