الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي واقتصاديات دول الخليج
٢٣ أغسطس ٢٠٢٠على الصعيد السياسي يستمر الجدل حول مزايا اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات برعاية أمريكية على مختلف الأصعدة. وإذا ما تجاوزنا هذا الجدل الممل في غالب الأحيان، تبدو الفرحة واسعة في أوساط رجال الأعمال والشركات الإسرائيلية باتفاق تطبيع العلاقات مع الإمارات، حسب تقرير لوكالة رويترز تحت عنوان: "ابتهاج المستثمرين الإسرائيليين يقابله حذر إماراتي بعد اتفاق بشأن العلاقات".
ورغم صعوبات قيام علاقات طبيعية بين دولة عربية قبل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، يحق لهم هذا الابتهاج الذي عبر عنه بشكل أوسع ساسة بلادهم وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو. أما خلفيات هذه السعادة فكثيرة وفي مقدمتها أنه لا يفتح أمامهم أبواب ثاني أكبراقتصاد عربي بناتج محلي يزيد على 400 مليار دولار وحسب، بل أيضا أبواب الاقتصاد السعودي كأول اقتصاد عربي بناتج محلي يصل إلى نحو 780 مليار دولار. كما يفتح أيضا أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تتشابك علاقاتها وتسهيلاتها التجارية المتبادلة بشكل واسع مع أسواق الدول العربية الأخرى .
هل يجتمع المال العربي والتكنولوجيا الإسرائيلية؟
تمتلك الإمارات ودول الخليج المال الكثير الذي يذهب للاستهلاك والتجارة والسياحة والعقارات وشراء التقنيات الأمنية والعسكرية والمدنية العالية بالدرجة الأولى، وتقدر قيمة التقنيات العالية اللازمة للأسواق العربية والتي يتم استيرادها من الخارج بشكل أساسي بمئات المليارات من الدولارات سنويا. وبالمقابل تمتلك إسرائيل قسما كبيرا من هذه التقنيات من خلال قاعدة إنتاجية وتكنولوجية متنوعة ومتفوقة في أكثر من مجال حتى على الصعيد العالمي. فهي متميزة على سبيل المثال في إنتاج معدات الأمن والاتصالات والتجسس والطب والطاقة والزراعة والرعية الصحية والتكنولوجيا المالية وغيرها. ويأمل الإسرائيليون بتسويق منتجاتهم ذات التنافسية العالية عبر سوق الإمارات التي تعطيها المزيد من الميزات لقربها منها وتعطشها لها. كما يأمل الإسرائيليون باستثمارات إمارتية في قطاعات التكنولوجيا والسياحة بقيمة تزيد على نصف مليار دولار سنويا مع بداية التعاون.
أما الإماراتيون الذي حرروا اقتصادهم إلى حد ما من التبعية للنفط فإن آمالهم معلقة على التعاون في مجالات الأمن والفضاء والطاقة والسياحة، لاسيما وأن هناك أكثر من 4 ملايين إسرائيلي يسافرون إلى الخارج سنويا لقضاء عطلاتهم. كما يأملون ببيع نفطهم الرخيص في السوق الإسرائيلية واكتساب معارف جديدة في مجالات الإنترنت والابتكارات. ويجري الحديث عن مشاريع بنى تحتية طموحة مثل مشروع سكة حديد تربط ميناء حيفا على البحر المتوسط بالإمارات تقلب طرق التجارة الحالية رأسا على عقب وتعزز دور دبي وأبو ظبي كمركزين للمال والأعمال في منطقة الشرق الأوسط. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هذه الآمال واقعية؟
المصالح تقهر العداوات والوقائع
على ضوء التجربة التاريخية للعلاقات بين مختلف الدول على ضوء التجربة التاريخية للعلاقات بين مختلف الدول يمكن القول أن المصالح النابعة من ضرورات ضاغطة قادرة على تغيير الوقائع حتى بين الدول المتعادية. وتأتي هذه الضرورات بالنسبة لإسرائيل والإمارات من الأزمات التي يعاني منها اقتصادهما حتى قبل جائحة فيروس كورونا. غيرأن الجائحة زادت من حدتها وخاصة في الإمارات التي تعتمد على السياحة والسفر والاستثمارات العقارية وخدمات المعارض والمؤتمرات التي تعرضت معظم قطاعاتها لشلل جزئي أو شبه كلي بفعل الفيروس. ومن الموشرات على ذلك تسريح عشرات الآلاف من وظائفهم في دبي وباقي الإمارات وتراجع الاستثمار هناك بنسبة تزيد على 70 بالمائة خلال النصف الأول من العام الجاري.
وفي إسرائيل التي خسرت الكثير من أسواق التصدير بسبب الجائحة يتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد على 6 بالمائة هذا العام. ومن هنا فإن الآمال المعلقة على الاتفاق لتحريك عجلة الاقتصاد ومواجهة تبعات الجائحة في كلا البلدين كبيرة. ويعزز ذلك حقيقة أن هناك علاقات اقتصادية سرية تتم منذ سنوات في الخفاء بين إسرائيل من جهة والإمارات وقطر وسلطنة عمان وبلدان عربية آخرى كالمغرب وتونس من جهة أخرى. وإذا كانت هذه العلاقات ركزت على تسويق منتجات أمنية وتجسسية ودفاعية إسرائيلية، فإن الاتفاق يخرجها إلى العلن ويفتاح الباب على مصراعية أمام علاقات أوسع في مختلف المجالات. ويدل على ذلك أنه وبعيد الإعلان عن الاتفاق الذي لم يوقع بعد تم توقيع اتفاق بين شركة جي 42 الإماراتية وشركة نانوسينت الإسرائيلية لتصنيع جهاز يكشف عن كوفيد-19. وفي إسرائيل بدأت شركة افييشن لينكس الإسرائيلية ببيع عروض سياحية إلى الإمارات.
الإمارات ليست مصر ولا الأردن
رغم هذه الأدلة وتلك الضرورات، فإن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل لن تزدهر حسب رأي الكثيرين. ومن البراهين التي على ذلك حسب رأي هؤلاء فشل اتفاقيتي السلام بين تل أبيب من جهة وكل من مصر والأردن من جهة أخرى في الوصول إلى علاقات اقتصادية طبيعية لأسباب من أبرزها الرفض الواسع في المجتمعات العربية وقطاع الأعمال لهذه العلاقات مع استمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. غير أن أنصار هذا الرأي ينسون حقيقة أنه لايمكن مقارنة الإمارات بمصر والأردن، لأن اقتصاد الإمارات يتمتع بطابع عالمي منفتح على التجارة الدولية ومرتبط إلى حد كبير باستثمارات عالمية متعددة الجنسية. وفي هذا الإطار أضحت الإمارات وخاصة إمارة دبي أهم منصة عربية وشرق أوسطية مفتوحة للتجارة والتغليف وإعادة التصدير إلى العالم العربي وإيران ووسط آسيا. وعبر هذه المنصة ومراكزها الكثيرة لتجميع مختلف أنواع السلع والأجهزة والتجهيزات ليس من الصعب إعادة تغليف وتسويق المنتجات الإسرائيلية إلى العالم العربي وخارجه تحت أسماء جديدة وفي إطار منتج نهائي متعدد الجنسية عندما يتطلب الأمر ذلك. ويساعد على ذلك أن رجال الأعمال والكفاءات في الإمارات غالبيتهم غير إماراتيين وليس بين بلدانهم وبين إسرائيل حروب وصراعات تجعلهم يتخذون مواقف متحفظة من التجارة مع الشركات الإسرائيلية. وطالما يتوفر الإطار السياسي للتعاون بين الإمارات وإسرائيل من خلال اتفاقية تطبيع العلاقات، فإن أعمالهم مع هذه الشركات انطلاقا من الإمارات ستجد طريقها الأوسع إلى الازدهار.
تسهيل الدعم السياسي والعسكري بمغريات الاقتصاد
ومثل هذا الطريق ينطبق أيضا على رجال الأعمال والشركات الإماراتية التي ترتبط إلى حد كبير بالنخب والعائلات المسيطرة على السلطة إداريا وماليا. ويهم هذه العائلات دفع أوجه التعاون الاقتصادي مع الجانب الإسرائيلي لدوافع متعددة لا تقتصر على المنافع المالية وحسب، بل أيضا بدافع الحصول على مزيد من الدعم السياسي والعسكري والتقني الأمريكي والإسرائيلي والغربي، فمثل هذا الدعم تحتاجه العائلات الحاكمة لاستمرار قمعها لأي حراك فردي أو شعبي يقوم به نشطاء سياسيين بهدف الوصول إلى حريات أساسية وتعددية سياسية في بلدان محرومة منها. كما تحتاجه لمواجهة النفوذين الإيراني والتركي المتزايد في المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية واليمن وليبيا . وعلى هذا الأساس يأمل حكام الإمارات بأن يساعد الاتفاق على إزالة كل العقبات أمام مساعيهم لشراء طائرة الشبح الأمريكية إف-35 وأسلحة أخرى تدخل التكنولوجيا الإسرائيلية في صناعتها أو تعتمد عليها إلى جانب التكنولوجيا الأمريكية والغربية. وفي الحقيقة فإن الدعم المذكور تسعى إليه أيضا العائلات الحاكمة الأخرى في السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى أكثر من أي وقت مضى. وعليه فإن التعاون الاقتصادي بينها وبين إسرائيل سيسير بخطى أسرع وعبر أبواب أوسع من أي وقت مضى.
ابراهيم محمد