رغم الاسعافات.. اقتصاد الإمارات أمام كومة تحديات
١١ أغسطس ٢٠١٩لو تعلق الأمر فقط بتصنيف البنك الدولي لكانت الإمارات هذه الأيام جنة استثمار فريدة من نوعها في الشرق الأوسط والعالم. غير أن التصنيف الذي وضعها في المرتبة الحادية عشرة عالميا على صعيد سهولة ممارسة الأعمال لم يساعد كثيرا على وقف تراجع الاقتصاد وركوده. ويحدث هذا الركود والتراجع على أكثر من صعيد وخاصة في مجال العقارات التي تشكل إلى جانب النفط والتجارة والسياحة أهم أعمدة الاقتصاد الإماراتي. على سبيل المثال تراجعت أسعار البيوت في عاصمة الإمارات والشرق الأوسط العقارية دبي بنسب تراوحت بين 20 إلى 30 بالمئة منذ عام 2014 حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية/ GTAI. ومع التوقعات باستمرار التراجع خلال العام الجاري 2019 بنسبة حوالي 10 بالمائة يقترب مستوى التدهورإلى مثيله في عام 2010 ، عندما ضربت الأزمة المالية العالمية الإمارة التي تعد ثاني أهم الإمارات بعد أبو ظبي كونها عاصمة الأعمال والخدمات على مستوى الإمارات والخليج.
نمو سالب قياسا بمستوى التضخم
وإذا كان الوضع المالي أفضل في إمارة أبو ظبي بفضل صادراتها النفطية على غير الإمارات الأخرى التي ليس لدى غالبيتها نفط، فإن الوضع الاقتصادي ليس ورديا هناك بسبب استمرار انخفاض أسعار الذهب الأسود، التي تعتمد عليه هذه الإمارة الغنية. أما الإمارات الأخرى التي تعد فقيرة مقارنة مع أبو ظبي ودبي فتعاني بدورها من الركود بسبب اعتمادها على دعم الإمارتين الغنيتين. ويزيد الوضع تعقيدا في الوقت الحالي تزايد خطورة التوتر الذي قد يصل إلى مواجهة عسكرية مع إيران في مضيق هرمز الذي يشكل الممر البحري الوحيد للتجارة الإماراتية. ومن شأن هذا التوتر أن يبعد الاستثمارات ويضعف حركة التجارة والخدمات بسبب تردد وفتور المستثمرين ورجال الأعمال وتفضيلهم الانتظار لحين انجلاء الأوضاع. ويزيد الطين بلة الثمن الباهظ لتكاليف تورط الإمارات في حروب ونزاعات الشرق الأوسط وفي مقدمتها حروب وأزمات اليمن وليبيا والسودان. وهو الأمر الذي يجد انعكاسة في معدلات النمو التي بلغت أقل من 2 بالمائة خلال العام الماضي وأقل من 1 بالمائة خلال العام الذي سبقه بعدما كانت معدلات النمو في الإمارات مثالا يحتذى وتتراوح بين 3 و 5 بالمائة سنويا حتى عام 2016. ومما يعنيه ذلك أن معدلات النمو خلال العامين الماضيين كانت أقل من معدلات التضخم التي زادت على 2 بالمائة سنويا.
إلغاء الرسوم لجذب الاستثمارات
في محاولة منها لمواجهة منحة الركود والتدهور من خلال جذب مزيد من الاستثمارات والأعمال تطلق حكومة الإمارات من فترة لآخرى مشاريع تشييد كبيرة في إطار "رؤية الإمارات 2021" ومعرض "إكسبو 2020". وتقدر قيمة هذه المشاريع خلال العامين الماضيين بنحو 2.5 مليار دولار من بينها توسيع مترو دبي ومطارها وبناء محطة للطاقة الشمسية. ومؤخرا ألغت وزارة الاقتصاد الإماراتية الرسوم التي كانت تفرضها على 115 خدمة حكومية رسمية من بينها الرسوم على التراخيص الصناعية والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والسجلات العقارية. قبل ذلك أطلقت الإمارات أسوة بالسعودية وقطر نظاما يقضي بمنح الإقامة الدائمة للمستثمرين والكفاءات الأجنبية بمختلف المجالات. وقد ترك قسم من هذه الكفاءات إمارة دبي بعيد الضربة التي تلقتها بسبب الأزمة المالية العالمية. ويتردد الكثير من القسم المتبقى بالبقاء بسبب تراجع وتيرة أعمالهم ودخولهم هناك بسبب الركود وارتفاع الأسعار وفرض ضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة. السؤال المطروح، هل تنجح الإجراءات وإطلاق المشاريع في تحقيق الهدف منها؟
تحديات من كل حدب وصوب
مما لاشك فيه أن الإمارات بنت خلال العقود الثلاثة المنصرمة قفزة اقتصادية تحلم بها الدول المجاورة لها. وقد تمثل ذلك في تنويع مصادر الدخل في اقتصادها وتقليص تبعيته للنفط إلى أقل من 40 بالمائة بفضل النهضة العقارية والسياحية والتجارية. غير أن هذا البلد الذي كان حلم الكثيرين يقف اليوم أمام تحديات كبيرة وخطيرة لن يستطيع تجاوزها على ضوء المعطيات الحالية. ولعل من أبرزها خطر اندلاع حرب على مضيق هرمز وتوسيع نطاق الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بشكل يضعف النمو العالمي ويقلص الطلب على النفط ومصادر الطاقة الأخرى. الجدير ذكره أن مداخيل الدولة من النفط تقلصت بنسبة بين عامي 2014 و 2018. ومن التحديات الأخرى تغطية تكاليف التسلح والتدخل في حروب وأزمات منطقة الشرق الأوسط والتي تستنزف أموالا ضخمة لا بد من تغطيتها من احتياطات البلاد من العملات الصعبة أو عن طريق الاقتراض. ووصلت قيمة الدين العام في عام 2018 إلى أكثر من 246 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 58 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 425 مليار دولار في نفس السنة حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية. ومن المرجح استمرار المنحى الصاعد لهذا الدين على وقع بقاء أسعار النفط على مستواها الحالي. ومن المعروف أن عائدات النفط هي المحرك الأساسي لمشاريع الدولة في كل دول الخليج. كما أنها محرك رئيسي لعقود وأعمال القطاع الخاص يتعلق القسم الأكبر منها بمشاريع الدولة.
ابراهيم محمد