كورونا ومستقبل العمالة العائدة من الخليج؟
١٧ مايو ٢٠٢٠في وقت لا تجد فيه دول مثل ألمانيا عمالا أجانب لجني محاصيلها الزراعية بسبب تبعات وباء كورونا التي أدت إلى إغلاق الحدود وفرض الحجر الصحي، بدأت في الإمارات ودول خليجية أخرى على وقع هذه التبعات التي جرفت أسعار النفط إلى الهاوية، عملية ترحيل عمال أجانب وذويهم من مصر وباكستان وبلدان أخرى عربية وآسيوية. وسيكون هذا الترحيل قاسيا، لاسيما وأن هؤلاء العمال لا يتمتعون بحقوق تقضي بدفع تعويضات تحفف عنهم عبء الأزمة. كما أن فرصهم بالهجرة إلى أمكنة أخرى أضحت شبه معدومة في زمن الوباء حتى إلى البلدان التي تحتاج لعمالة ماهرة مثل ألمانيا. وتطال هذه القسوة أيضا الدول المضيفة، لأن العمالة المهاجرة فيها تشكل عصب الحياة لقطاعات عديدة في الإنتاج والاستهلاك والخدمات.
العمالة الأجنبية تدفع الثمن رغم أهميتها الحيوية
يقدر عدد العمال المهاجرين مع ذويهم في دول الخليج النفطية بنحو 25 مليون شخص قسم كبير منهم جاء من مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين. وتقدر تحويلات العمالة العربية من الخليج إلى بلدانها الأم بنحو 20 بالمائة من مجمل التحويلات البالغة 100 مليار دولار سنويا. وعلى الرغم من أهمية هذه الأموال بالنسبة لعوائل واقتصاديات الدول المصدرة للعمالة، فإن الأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك ويتم غالبا تناسيه من قبل كثيرين من صناع القرار هو أن العمال المهاجرين يساهمون بشكل أساسي في بناء الدول المضيفة وتحقيق ازدهارها. وهناك قطاعات مثل تجارة التجزئة والسياحة والمطاعم تعتمد عليهم بنسب تترواح بين 60 إلى 85 بالمائة. كما أن السلع والخدمات التي يطلبونها والضرائب والرسوم التي يدفعونها تشكل مصدرا ماليا هاما للموازنات وإنعاش الأسواق.
رغم أهمية العمال المهاجرين لاقتصاديات الدول المضيفة تُظهر خبرات السنوات الماضية أنهم أول من يدفع ثمن االأزمات من خلال تقليص الأجر والتعرض للبطالة أو الطرد والحرمان من التعويضات كونهم الحلقة الأضعف في سوق العمل. ويشهد على ذلك مثلا طرد آلاف العمال الإثيوبيين من السعودية بطرق مذلة في عام 2013. ويقدر عدد الذين غادروا المملكة بشكل إجباري وطوعي بأكثر من مليوني عامل ومهاجر أجنبي بعد انهيار أسعار النفط عام 2014 وحتى عام 2017. وعندما اندلعت الأزمة المالية في دبي قبل ذلك في عام 2009 أضطر آلاف آخرون إلى مغادرة الإمارة الغنية دون حقوق وتعويضات. ومن قطر ترد تقارير عن أعمال السخرة والمعاملة السيئة وحوادث الموت التي تتعرض لها العمالة المهاجرة التي تبني منشآت مونديال 2022 في ظروف غاية في القسوة بعيدا عن أنظار وسائل الإعلام.
عودة التحريض ضد العمال الأجانب
منذ انتشار وباء كورونا في مارس/ آذار 2020 فقدت دول الخليج نحو نصف إيراداتها النفطية في وقت يزداد فيه عجز موازناتها وتتراجع فيه احتياطاتها المالية منذ تراجع أسعار النفط عام 2014. على ضوء ذلك ومع شلل السياحة والسفر كمصدرين هامين للدخل هناك، فإنه لا خيار أمام ملايين العمال المهاجرين هناك سوى حزم الأمتعة استعدادا للرحيل. وتتوقع منظمة العمل الدولية أن يكون عدد المجبرين على ترك الخليج أكبر بكثير من مما أعقب الأزمة المالية عام 2008 وانهيار أسعار النفط في صيف 2014.
ويدعم هذه التوقعات الخطوات الحكومية المتسارعة للاعتماد على العمالة المحلية. ففي سلطنة عُمان مثلا أمرت الحكومة مؤسسات الدولة بالاستغناء عن الأجانب. وفي السعودية وصل الأمر بالإعلامي السعودي خالد العقيلي إلى اعتبار "هيمنة الوافدين على قوة العمل في بلاده بالخطر الحقيقي". وطالب العقيلي في برنامجه الواسع الإنتشار "كلنا مسؤول" شركات القطاع الخاص بالاستغناء عن عماله الأجانب واستبدالهم بسعوديين. وهددت الإمارات بإعادة النظر في علاقاتها مع الدول التي ترفض إجلاء مواطنيها بمن فيهم الذين فقدوا وظائفهم. وقد شرعت مصر وباكستان ودول آخرى فعليا بتسيير رحلات لإعادة مواطنيها.
فرصة في الوطن الأم؟
نشرت وسائل الإعلام مؤخرا أحاديث مع كفاءات من جنسيات من بينها لبنانية ومصرية وأردنية فقدت عملها في الإمارات ودول أخرى. وتبدو طرق الهجرة البديلة مسدودة أمام هذه الكفاءات بسبب كورونا. وحتى في ألمانيا التي تحتاج إلى عمالة ماهرة يزيد عددها على مليون شخص، فإن الهجرة مؤجلة إلى حين ليس بسبب كورونا وحسب، بل أيضا بسبب توقف آلاف الشركات عن العمل. وقد تم حتى الآن تقليص عمل أكثر من 10 ملايين وظيفة بسبب الجائحة، مقابل أقل من 3.5 مليون بسبب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008.
السؤال المطروح ما العمل إذا كانت السبل متقطعة ومغادرة الدول المضيفة كدول الخليج لا بد منها؟. بالطبع لا يبدو هناك من خيارات في الوقت الحالي سوى العودة إلى الوطن الأم، بالنسبة للعاملين من البلدان العربية يعني هذا الأمر العودة إلى مصر ولبنان والأردن وسوريا والدول المغاربية وبدء حياة جديدة هناك. ومما لاشك فيه أن هذه البداية صعبة على ضوء الأزمات الاقتصادية التي تواجهها هذه الدول، غير أن المثل الألماني يقول: "في كل أزمة فرصة"، والعبرة في اكتشافها واستغلالها بصبر وعمل دؤوب. ويساعد على ذلك الخبرات الجيدة والممتازة التي اكتسبتها العمالة العائدة في عالم الأعمال الصغير والمتوسط خلال الإقامة في الخليج. ويمكن لقسم هام من هذه العمالة نقل هذه الخبرات إلى الوطن الأم من خلال مشاريع خاصة في مجالات زراعية وحرفية أو في خدمات المطاعم والصحة والتجميل وغيرها. صحيح أن مشاريع أو مبادرات كهذه لن تحل المشكلة، غير أنهها تخفف أعباء كثيرة على رأي المثل الذي يقول "الرمد أهون من العمى". ونضيف على ذلك أن تحقيق جزء من الأمن الغذائي الذاتي في الوطن الأم ربما يكون للمستقبل أفضل من توفير النقود التي تفقد قيمتها على ضوء التضخم وارتفاع الأسعار في جميع دول العالم تقريبا.
ابراهيم محمد