تخمينات حول "صفقة" بين الجيش والإخوان على حساب "ميدان التحرير"
٢٦ مايو ٢٠١١بحجة منع "فتنة" بين الشعب المصري والقوات المسلحة أعلنت جماعة الإخوان المسلمين رفضها المشاركة في "ثورة الغضب الثانية" المقرر تنظيمها الجمعة ( 27 مايو/ أيار). ودافعت الجماعة عن دور الجيش المصري في حماية مطالب الثورة، وذلك في بيان أصدرته يوم أمس الأربعاء، وطالبت "كل القوى الحية والشعب المصري العمل بكل قوة على وأد أي وقيعة أو فتنة سواء بين صفوفه أو بينه وبين قواته المسلحة، وعدم المشاركة في هذه الفعالية"، في إشارة إلى مظاهرة يوم الجمعة.
هذا التناغم بين موقف الإخوان وموقف الجيش المصري يطرح تساؤلات متعددة فيما يتعلق بنهج الجماعة السياسي الجديد بعد ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي كان الإخوان في ظله كياناً محظوراً يتعرض أعضاؤه للملاحقة. وهذه التساؤلات تزداد تعقيداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الجيش المصري من بين أهم مكونات النظام السابق التي طاردت الإخوان المسلمين على مدى ستين عاماً.
محاولة لضمان المستقبل السياسي
ويشير الدكتور نبيل عبد الفتاح، مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية، في حديث مع دويتشه فيله، إلى أن موقف جماعة الإخوان المسلمين ليس بالجديد، مؤكداً أنهم دخلوا في اتفاقات وتفاهمات سياسية مع النظام السابق فتحت أمامهم أبواب البرلمان المصري عام 2005، إذ حصل الإخوان آنذاك في الانتخابات البرلمانية على خمس مجموع مقاعده.
ويضيف عبد الفتاح أن "الجماعة عندما تستخدم تعبير "الفتنة" لوصف ما حدث، فان ذلك يتضمن إيحاءات سلبية في التاريخ الإسلامي والفكر الجماعي للمسلمين. "هذا تعبير يثير انشقاقاً في المجتمع المصري ... جماعة الإخوان المسلمين ومنذ وصول السلطة الواقعية إلى الحكم في البلاد بعد ثورة 25 يناير، أقامت شكلاً من أشكال التفاهمات مع هذه السلطة الواقعية، تهدف إلى سرقة منجزات 25 يناير".
لكن ما هي هذه التفاهمات التي يفترض أن الإخوان أبرموها مع السلطة الواقعية في مصر، أي المجلس العسكري الانتقالي؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب إلقاء نظرة على الوضع السياسي للإخوان المسلمين في مصر، التي يوضحها الخبير الألماني في الحركات الإسلامية لوتز روغلر، في مقابلة مع دويتشه فيله.
الإخوان: الرابح الأكبر في الانتخابات القادمة
ويقول روغلر إن "جماعة الإخوان المسلمين تتميز عن غيرها من الأحزاب السياسية الأخرى بقوة تمثيلها في مختلف أنحاء البلاد، وبامتلاكها تنظيماً قوياً، بينما القوى السياسية التي شكلت حديثاً ليست منظمة حتى الآن بشكل قوي ولا تمتلك القاعدة الجماهيرية التي يمتلكها الإخوان".
وهذا يعني أن الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية الأخرى ستكون المستفيد الأكبر من انتخابات برلمانية مبكرة، وهذا ما أكد عليه أحد الشخصيات القيادية في المجلس العسكري الذي فضل عدم ذكر اسمه، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إذ توقع بأن يحظى الإخوان بغالبية مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة.
ويشير روغلر إلى أن هذه الحقيقة معروفة أيضاً لدى بقية القوى السياسية المصرية، ولهذا "يمكننا ملاحظة ظاهرة منتشرة في الأسابيع القليلة الماضية، وهي تحالف بعض الأحزاب السياسية مع بعضها البعض استعداداً للانتخابات البرلمانية، بما يحقق توازناً نسبياً مع معسكر الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين وممثلي الجماعة الإسلامية أو السلفيين".
تواطؤ مع الجيش والأمل في الجيل الشاب
من جهته يعتبر نبيل عبد الفتاح ما يقوم به الإخوان المسلمون بالتعاون مع المجلس العسكري "تواطئاً" يهدف – في رأيه – إلى إنشاء "تحالف يرمي إلى تغيير طبيعة الدولة المصرية. وكل طرف له مصالحه، وأنا أعتقد أن نهاية ذلك قد تقود مصر إلى سيناريو يشبه السيناريو الجزائري، كما يتوقع بعض المحللين المصريين البارزين".
إلا أن هناك تياراً جديداً برز داخل جماعة الإخوان المسلمين بفعل ثورة 25 يناير، يتكون في غالبيته من الجيل الشاب من الحركة، الذي لم يتأثر بعد بالعقود الطويلة من العمل السري والملاحقة السياسية. وفي هذا السياق يشير لوتز روغلر إلى أن هذا الجيل "متأثر بقوة بروح الثورة والمبادئ الديمقراطية التي قامت عليها، لاسيما ما يسمى بتحالف الثوار في ميدان التحرير. وهو متأثر أيضاً بجزء من النظرة السياسية للقوى الليبرالية واليسارية". يشار إلى أن جزءاً من هذا التيار أعلن دعمه "لثورة الغضب الثانية" يوم غد الجمعة، في تحدّ لقرار الإخوان بعدم المشاركة.
لكن وبرغم النظرة السلبية إلى التحرك السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن روغلر يؤكد أنها لا تزال متمسكة بنظرتها لمستقبل الدولة المصرية كدولة مدنية مبنية على أسس الديمقراطية ودولة القانون، وذلك بحسب ما يصرح به قادة الإخوان في الفعاليات السياسية التي تنظمها الجماعة في أنحاء مصر. لكن الباحث المصري نبيل عبد الفتاح يحذر من أن دخول الإخوان في صفقة مع المجلس العسكري سيتم "على جثة وروح الأمة المصرية بعد أحداث 25 يناير".
ياسر أبو معيلق
مراجعة: محمد المزياني