تداعيات "غصن الزيتون" تصل لمساجد ألمانيا
٢٦ يناير ٢٠١٨يبدو أن تداعيات العملية العسكرية التركية ضد الميليشيات الكردية في مدينة عفرين بشمالي سوريا مستمرة في تركيا والمنطقة، بل وحتى في ألمانيا أيضاً. وساهمت في ذلك أيضاً التقارير التي تحدثت عن استخدام مدرعات مصنوعة في ألمانيا في هذه العملية العسكرية. وتحركت المشاعر بشكل خاص حين كُشف عن أن أئمة من مساجد تابعة لاتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي قد دعوا إلى إقامة الصلاة والدعاء من أجل نجاح الهجوم العسكري التركي على الأكراد في عفرين. وتحدثت عدة وسائل إعلام عن ذلك، مستندة إلى مصادر عدة، على سبيل المثال ذكر موقع "شبيغل أون لاين" أنه يمكن قراءة ذلك في بعض المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لبعض رجال الدين المسلمين، حيث كتب أحد الأئمة من ولاية بادن فورتمبيرغ: سنصلي من أجل الدعاء بـ "النصر لجيشنا البطل وجنودنا الأبطال".
صلاة في ألمانيا من أجل الحرب مرة أخرى
من جانبه رفض اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي، الذي يقال بأن له صلة وثيقة مع إدارة الشؤون التركية الدينية، وهي أعلى السلطات التركية، بشكل قاطع هذه الادعاءات. وقال الاتحاد، الذي يتخذ من مدينة كولونيا مقراً له، في بيان له الجمعة، إنه لم تكن هناك دعوة بشكل مركزي مطلقاً، وإن القرار حول خطب الصلوات تتخذه فروع الاتحاد لكافة الطوائف الدينية بنفسها.
لكن الاتحاد لم ينأى بنفسه عن هذه الادعاءات، الأمر الذي لم يفاجأ المحامية سيران أتيش، التي ترى أن استخدام عبارة أنه "لم يأمر بذلك بشكل مركزي" تعد بمثابة "إدعاء بحت للدفاع عن النفس". ويقول عضو سابق في مؤتمر الإسلام الألماني في مقابلة له مع DW: "إن مجرد قيام رئيس تركيا من خلال إدارة الشؤون التركية الدينية بإضفاء صبغة دينية على هذه الحرب، أي باستخدام المسجد، هو برأيي فضيحة".
على النقيض من ذاك قال السياسي التركي مصطفى ينيروغلو في مقابلة له مع إذاعة دويتشلاند فونك: "لم تُقم الصلاة من أجل الحرب، وإنما من أجل سلامة الجنود الأتراك وحلفائهم ومن أجل أمن البلاد، وهذا على الأرجح الشيء من البديهيات".
ويشيرعضو حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، بالنظر إلى تجربته الشخصية في ألمانيا، إلى أنه يتم في الكنائس المسيحية أيضاً الصلاة من أجل "الحماية ومن أجل الجنود الألمان الذين قتلوا". وترى سيران أتيش العضوة المساهمة في تأسيس أحد المساجد الليبرالية ببرلين، أن مثل هذه المقارنات هي مقارنات تفتقر إلى التدبر، موضحة: "الموضوع له دلالة مختلفة، حين يتورط الناس كمؤمنين في حرب تم الإعداد استراتيحياً لها لمدة طويلة، تحجب الشؤون الداخلية".
ضرورة التحرر من أنقرة
خلال لقائه بـ DW روج بيرند غيدوان باوكنيشت، أستاذ دين إسلامي من ولاية شمال الراين وستفاليا، لضرورة أن يتمتع النقاش بالموضوعية، معتبراً أنه يتسم بـ"الهستيرية" إلى حد ما. ولا يتصور باوكنيشت أن تكون الدعوة إلى الصلاة من أجل الحرب قد تمت بناءً على أمر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. غير أن العضو السابق في مؤتمر الإسلام الألماني يستدرك ذلك ويقول إنه من المرجح بشكل كبير أن تكون هذه الدعوات للحرب قد تمت في بعض مساجد الاتحاد.
ويقول باوكنيشت: "أدين هذا، ولكن في الوقت نفسه أدعوا إلى التفكير لبضع لحظات في مشاعر العديد من المواطنين الأتراك"، ويضيف: "وقع في السنوات الأخيرة في الحقيقة عدد لا يحصى من الهجمات من قبل تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني على الأراضي التركية.
ويعلل باوكنيشت ذلك قائلاً: "يشعر العديد من الناس بالتهديد، ولهذا السبب يُنظر إلى مسألة الدفاع عن حدود البلاد بنظرة مختلفة تماماً". ويرى أن المسؤولية تقع على عاتق الجمعيات الإسلامية في ألمانيا وأن ااتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي يمكنه استعادة الثقة المفقودة فيه، عندما يتحرر بشكل علني وبمصداقية عن إدارة الشؤون التركية الدينية "ديانات"، مطالباً بالقول: "يجب أن يُهتم في ألمانيا بالمسلمين الألمان، وبهم فقط".
من يمثل الإسلام في ألمانيا كيف؟
ولكن الواقع يبدو مختلفاً تماماً، فمنذ محاولة الانقلاب في تركيا في تموز/ يوليو 2016، توصلت السلطات الألمانية مراراً إلى محاولات تركيا للتأثير على المشهد الديني الإسلامي في ألمانيا. وفي رد لوزارة الداخلية الاتحادية على طلب من حزب اليسار في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قالت الوزارة إن الحكومة في أنقرة تحاول التأثير على منظمات ذات صلة بالحكومة وجماعات ضغط وحتى على طوائف دينية.
وجرت أيضاً من قبل مناقشات حول التأثير السياسي على المسلمين، وذلك قبل الاستفتاء الدستوري المثير للجدل، والذي حصل من خلاله الرئيس التركي على صلاحيات أكبر بكثير في جهاز الدولة. ونتيجة لذلك يُفترض أن يكون أئمة قد تجسسوا على خصوم أردوغان من حركة "غولن".
وقد أظهر استفسار وجهته DW لمعاهد اللاهوت الإسلامي المختلفة في الجامعات الألمانية، أن الممثلين هناك ترددوا في إعطاء تصريحات حول الجدل بشأن الصلاة والدعاء من أجل الحرب. وأحد الأسباب المحتملة وراء هذا التردد يمكن ان يكمن في أنه يوجد هناك أيضاً ممثلون من اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي في المجالس الاستشارية للعديد من البرامج الدراسية.
هل تدخل الاعتداءات على المساجد النقاش؟
يعتبر السياسي التركي من حزب العدالة والتنمية الحاكم، مصطفى ينيروغلو أن النقاش في ألمانيا يشهد تضليلاً تاماً. ويرى أنه بدلاً من توجيه أصابع الاتهام إلى اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي، وجب وقف الاعتداءات المتزايدة على المساجد.
إذ وقعت هذا الأسبوع هجمات على مساجد في مدنتي ميندن ولايبتزغ، حيث تم تلطيخ الجدران بالألوان وتحطيم النوافذ. كما شهدت المطارات مؤخراً أيضاً صدامات بين المتظاهرين الأكراد والمسافرين الأتراك. وفي هذا السياق يقول السياسي التركي: "هنا يجب على المرء الانفعال، لأن العديد من مؤيدي حزب العمال الكردستاني يهاجمون المساجد ويضايقون المسلمين الأتراك بشكل دائم في الشوارع الألمانية دون أن يزعج هذا الرأي العام".
من جهة أخرى تصف المحامية سيران مثل هذه التصريحات بأنها تعبر عن "موقف أحادي" و"موقف الضحية"، إذ كانت هناك هجمات على مؤسسات اللاجئين وعلى الأجانب والمهاجرين، بحسب الناشطة النسوية ذات الأصول الكردية.
وتقول سيران: "كل هذا موجود في الحقيقة، لكن السيد ينيروغلو يحبذ التغاضي عن الكراهية التي تشعلها المساجد التابعة اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي والتي لا تعزز بالضرورة سياسة الاندماج".
وتدعو سيران إلى إعادة التفكير قائلة: "مبدئياً اعتبر ذلك فضيحة، فالسياسة الألمانية لا تزال تقبل ديتيب بشكل كامل كشريك في التعاون والحوار".
وتضيف أنه قد أصبح واضحاً للجميع أن تركيا تمول اتحاد "ديتيب" التركي الإسلامي، وأن السيد أردوغان يؤثر بشكل مباشر على سياسة الاتحاد المحافظة. وتقول المشاركة في تأسيس مسجد ابن رشد-غوته في برلين: "إن خداع السياسة الألمانية لنفسها لم يعد مقبولاً لدى الرأي العام".
ريشارد فوكس/ إ.م