تراجع الولادات يشكل كابوسا مرعبا للألمان
٢٣ يناير ٢٠٠٥أعلنت ريناتا شميدت وزيرة الأسرة والشباب الألمانية عن اعتماد خطة تهدف إلى تشجيع مواطنيها على الإنجاب، وذلك عن طريق "أطلس" يتضمن العديد من الإجراءات لتسهيل الجمع بين الإنجاب وعمل المرأة، ويساعد الأسر على مواجهة الأعباء المادية الناجمة عن التكاليف المعيشية للأطفال، بحيث تصبح ألمانيا "أكثر دول أوروبا حبا للأطفال"، ولكن الشكوك تراود الكثيرين في قدرة هذا الأطلس العجيب على حل ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة.
الأطفال نعمة أم نقمة؟
في نهاية كل أسبوع يوجد ملحق في الصحف خاص بالإعلان عن شقق فارغة للإيجار، ولكن الأسر التي بها أطفال تحتاج في الغالب إلى أسابيع طويلة حتى تجد مسكنا مناسبا، لأن الكثيرين من ملاك البيوت يفضلون أن تسكن بيوهم أسر بلا أطفال، تفاديا للضجيج وركن عربات الأطفال في الطابق الأرضي، مما يزعج بقية الجيران. خذا بالإضافة إلىعدم التزام الأطفال بالقوانين الصارمة لأوقات القيلولة عند الظهر وغير ذلك، علما بأن الملاك يحرصون دوما أن تتناسب مساحة الشقة مع عدد السكان،بحيث يكون هناك عدد من المترات المربعة اللازم توفرها لكل شخص سواء كان كهلا عجوزا أو طفلا رضيعا.
وإذا علمنا أن معدلات إنجاب المرأة الألمانية تبلغ 1.4 طفلا، فيمكن تصور ما يحدث للمؤجر حينما يأتيه الساكن على رأس طابور مكون من ثمانية أطفال، وهو الأمر الذي يشكل استثناءا محدودا جدا، غالبا ما تكون ذات توجهات دينية، لعل من بينها استمرار رفض بابا الفاتيكان لاستعمال أي وسائل لمنع الحمل. ويكفي أن يعرف القارئ أن هناك تقليد متبع منذ سنوات في ألمانيا وهو أن الرئيس الألماني يصبح بنفسه الكفيل للطفل السابع في العائلة الألمانية، ويحصل الأهل على شهادة بذلك وهدية من الرئيس، وهو ما يوحي أن الأمر لا يعدو عن كونه استثناء لا غير.
عقبات إنجاب الأطفال
تحرص المؤسسات الألمانية على توفير فرص العمل للجنسين بصورة منصفة، بل أنها تفضل تعيين النساء لرفع نسبتهم التي غالبا ما تكون أقل من الرجال، ولكن ذلك يؤدي إلى ارتفاع نسبة النساء العاملات، وتأخر سن الإنجاب إلى سن الثلاثين أو أكثر، وهو الأمر الذي يظهر في زيادة حالات الأطفال المبتسرين، بل وإلى أن ثلث النساء لا ينجبن على الإطلاق، وهو ما يدفع البعض إلى اتهام الشباب الألماني بالميل إلى عدم تحمل المسؤولية، والأنانية وعدم تقدير الشعور بالأمومة والأبوة في عالم تحكمه الماديات. علاوة على ذلك فإن الميل إلى الزواج بصفة عامة ليس من صفات الجيل الجديد من الألمان، لأسباب عديدة من بينها تقبل المجتمع لوجود العلاقات بين الجنسين دون رباط الزواج، وخوف الشباب من تسجيل العلاقة رسميا، بسبب ما يترتب على ذلك من التزامات مادية كبيرة في حالة الانفصال. ومن أكبر هذه العقبات عدم توفر الرعاية للأطفال الصغار، في ظل الرغبة في الاستقلال، وعدم تعايش الأجيال مع بعضها البعض في نفس البيت، وفي المقابل ارتفاع تكاليف توفير شخص يرعى الأطفال في أثناء فترة العمل، وعدم توفر رياض الأطفال قبل سن الثالثة، بل وبعد هذا السن في كثير من المدن، خاصة في غرب ألمانيا.
تسهيلات كثيرة توفرها الدولة
يحصل الوالدان على مبلغ 150 يورو تقريبا عن كل طفل منذ ولادته، ويستمر دفع هذا المبلغ حتى ينتهي من المدرسة، إضافة إلى مبلغ يفوق الـ 300 يورو لمدة عامين فقط، علاوة على تسهيلات ضرائبية وغيرها، قدّرها الخبراء بحوالي 165 مليار يورو في السنة. وقد جرى إجراء تعديلات قانونية لا تسمح للأم وحدها بالحصول على إجازة رعاية الطفل، بل وللأب أيضا، أو أن يحصل كل منهما على نصف وظيفة لضمان بقاء الدخل، والاحتفاظ بالوظيفة رغم وجود الأطفال. وقد ساهمت الشركات الكبرى بإقامة رياض أطفال خاصة بالعاملين فيها، لإقناعهم بعدم الحصول على هذا الإجازات.
وفي مقابل الحلول الألمانية البحتة، رأى آخرون أن الحل يكمن في استقدام أجانب يحلون هذه المعضلة، ويسدون الفراغ الحاصل من تراجع أعداد المواليد، مقابل ثبات أعداد الوفيات، ولكن ظهرت مشاكل من نوع آخر ناجمة عن اختلاف الثقافات والطبائع الاجتماعية.
لعل تقدم العلم وطرق العلاج والاكتشافات الحديثة والتي نجم عنها انخفاض معدلات الوفيات بين المسنين الألمان، وزيادة معدلات الولادة بين الأجانب مقارنة مع أترابهم من الألمان، هو الذي جعل المخاوف من الإنقراض لا مبرر فعلي لها، ولكن الأمر لا يدعو للخوف لأن انقراض 82 مليون شخص ليس بالأمر الهين.