ترامب يدفع أوروبا للتفكير في "الردع النووي"
١٨ فبراير ٢٠٢٤مع بروز احتمالية أن يجد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الأكثر إثارة للجدل والأكثر تشكيكا في جدوى حلف الناتو، طريقه مجددا إلى البيت الأبيض في حالة فوزه بولاية ثانية، يفكر قادة الاتحاد الأوروبي في كل شيء من القضايا المناخية وحتى الشراكات التجارية.
في حديث له خلال تجمع انتخابي في ولاية كارولينا الجنوبية بداية الأسبوع الحالي، زعم دونالد ترامب أنه أخبر دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال رئاسته، بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن أي دولة تتعرض لهجوم من روسيا في حال تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها المالية حيال الحلف.
وقال ترامب: "وقف رئيس دولة كبيرة وقال: حسنًا يا سيدي، إذا لم ندفع وتعرضنا لهجوم من روسيا، هل ستحمينا؟ قلت: أنت لم تدفع، أنت متأخر عن السداد. قال: "نعم، لنفترض أن ذلك حدث". (فقال ترامب) لا، لن أحميك". وأضاف الرئيس الأمريكي السابق: "في الواقع، أود أن أشجعهم على فعل ما يريدون بحق الجحيم. عليك أن تدفع. وتدفقت بعد ذلك (الأموال)".
وأعادت التصريحات التي أدلى بها ترامب، المرشح الأوفر حظا في نيل ترشيح الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي أواخر العام الجاري، القلق بشأن أمن الاتحاد الأوروبي إلى الواجهة.
وقد أخذت تصريحات ترامب حيزا كبيرا من مناقشات وزراء دفاع الناتو خلال اجتماعهم في بروكسل الخميس (15 فبراير / شباط).
وفي رد ضمني على ترامب، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن الدول الأوروبية وكندا قد زادوا من ميزانيات دفاعهم بنسبة 11 في المائة في معدل غير مسبوق، منتقدا في الوقت نفسه التأخير الأمريكي في إقرار الدعم لأوكرانيا.
ولطالما انتقد ترامب الحلفاء الأوروبيين في حلف الناتو، الذين ينفقون على جيوشهم بمعدل أقل بكثير نسبيا عن واشنطن، فضلا عن إدلائه بتصريحات ساخرة عن استغلال التكتل الأوروبي "المجاني" لنظام أمني دولي بقيادة واشنطن.
قلق أوروبي
ورغم أن ترامب يُعرف عنه المبالغة والإثارة للجدل، إلا أن أصداء تصريحاته ترددت داخل أروقة غرف صُنع القرار في الاتحاد الأوروبي.
يأتي ذلك على الرغم من حقيقة أن ترامب لم يفز بعد بالانتخابات الأمريكية التي قد تحمل مفاجآت.
ويتعارض تهديد ترامب مع ميثاق الناتو والمادة الخامسة من معاهداته التي تنص على: "يتفق الطرفان على أن هجوما مسلحا ضد واحد أو أكثر منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية يجب أن يعتبر هجوما ضد كل الأعضاء".
وقد شدد ستولتنبرغ على هذا الأمر، قائلا: "فكرة الناتو بأكملها تقوم على أن أي هجوم على حليف واحد سيؤدي إلى رد فعل من الحلف بأكمله، وما دمنا نقف وراء هذه الرسالة معا، فإننا نمنع أي هجوم عسكري على أي حليف".
وأضاف "أي إيحاء بأن حلفاء الناتو لن يدافعوا عن بعضهم بعضا، يقوض أمن الحلف بأكمله ويعرض الجنود الأمريكيين والأوروبيين للخطر".
وفي ضوء تصريحات ترامب الأخيرة ومواقفه السابقة عندما كان يمسك بزمام الأمور في البيت الأبيض، يساور ساسة الاتحاد الأوروبي حالة قلق من أنهم قد لا يتمكنون من الاعتماد على الولايات المتحدة في حالة خسارة الرئيس جو بايدن السباق الرئاسي لصالح ترامب.
ويرجع الخوف إلى ترسانة واشنطن النووية الضخمة في أوروبا. ورغم أن المعلومات سرية، فقد قدر الخبراء أن الولايات المتحدة كان لديها حوالي 3700 رأس حربي العام الماضي، مع حوالي 100 قنبلة متمركزة في قواعد عسكرية في ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وتركيا.
وبعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أصبحت فرنسا الدولة العضو الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية خاصة بها.
وفي مقابلة مع صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية الأسبوع الماضي، قالت كاتارينا بارلي، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، إنه "بالحكم على تعليقات ترامب الأخيرة، فيمكن القول بأنه لا يمكننا الاعتماد على ذلك بعد الآن".
وردا على سؤال حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى قنابل نووية خاصة به في طرح يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره حلما بعيد المنال أو كابوسا في أعين البعض، أجابت بارلي بقولها: "إننا في طريقنا إلى جيش أوروبي. يمكن أن يُطرح هذا الأمر أيضا للنقاش".
"قنبلة أوروبية"...مسار طويل
وتثير قضية السلاح النووي انقساما كبيرا في الاتحاد الأوروبي. وتعد فرنسا الدولة الوحيدة داخل الاتحاد الأوروبي، التي تمتلك سلاحا نوويا فيما وقعت ثلاثة دول من التكتل وهي النمسا وأيرلندا ومالطا على معاهدة الحظر النووي التي تم اعتمادها عام 2017 ودخلت حيز النفاذ عام 2021.
وتنص هذه المعاهدة على فرض حظر شامل على الأسلحة النووية، حيث يلتزم الموقعون بعدم تطوير الأسلحة النووية أو اختبارها أو إنتاجها أو اقتنائها أو امتلاكها أو تخزينها أو استخدامها، أو حتى التهديد باستخدامها.
وفي مقابلة مع DW، قالت فرانتسيسكا شتارك، الخبيرة في قضايا التسليح النووي، إن هناك خيارات مختلفة "قيد المناقشة في أوروبا"، لكنها أقرت بأنها ليست مقتنعة بأي من هذه الخيارات.
وأضافت شتارك، الباحثة في معهد بحوث السلام والسياسات الأمنية بجامعة هامبورغ، أن هذه الخيارات تتراوح من "قيام الاتحاد الأوروبي بتطوير ترسانته الخاصة وحتى تعزيز فرنسا والمملكة المتحدة ترسانتيهما بشكل كبير بما في ذلك إضفاء الصبغة الأوروبية على سلطة الإطلاق". وأضافت: "أنا شخصيا أنتقد بشدة جدوى هذه الاقتراحات. فأولا وقبل كل شيء، لم يعرف عن الاتحاد الأوروبي سهولة اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، لذا لا أستطيع أن أرى كيف يمكن للاتحاد الأوروبي إنشاء تسلسل قيادي لقوة نووية يفترض أنها ستكون متعددة الجنسيات".
فرنسا والمظلة النووية الأوروبية؟
ويرى توم سوير، الباحث في جامعة أنتويرب البلجيكية، أن الطرح الأكثر ترجيحا يتمثل في أن تعرض فرنسا توسيع قوة الردع النووية الخاصة بها لتشمل حماية دول الاتحاد الأوروبي او بمعنى "إضفاء الطابع الأوروبي" على الاستراتيجية النووية الفرنسية.
وفي مقابلة مع DW، قال إن الجانب الفرنسي "يتحدث الآن بالفعل عن أنه إذا كانت المصالح الأمنية لأوروبا في خطر، فإن أسلحتنا النووية قد تساعد. وسبق أن تحدث الرئيس (الفرنسي ماكرون) وجميع رؤساء فرنسا السابقين عن ذلك بطريقة أو بأخرى".
وأشار إلى أن بعض الساسة في ألمانيا ألمحوا إلى تأييد فكرة تمويل مشترك أو زيادة التنسيق بشأن الأسلحة النووية الفرنسية، فيما قال كريستوف غرودلر، السياسي الفرنسي والنائب في البرلمان الأوروبي، في تصريح لـDW إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي دراسة هذا الخيار.
وشدد غرودلر على أن "الترسانة النووية الفرنسية تخضع لقيادة فرنسية في تفويض فرنسي فريد، لكن إذا كان هناك تعاون في إطار العمل في مجال المساعدة الفنية بما يصب في صالح مبدأ الكامل الأوروبي، فإن هذا الشكل يجب أن نسعى إليه بالفعل".
نقاش خطير؟
بيد أنه في المقابل، ألقى سوير بظلال من الشكوك حيال النوايا الفرنسية، قائلا إن هذا الأمر يثير العديد من الأسئلة "وعلى رأسها هل ستمول ألمانيا الأسلحة الفرنسية دون تدخل أو تحكم؟ وهل ستكون باريس على استعداد للتخلي عن سيطرتها الكاملة على أسلحتها مقابل المال؟"
وأضاف أنه "بدلا من الحديث عن قنبلة أوروبية، ينبغي أن نتحدث عن وجود منطقة خالية من الأسلحة النووية في أوروبا تمتد إلى روسيا، إن أمكن ذلك".
وتتفق في هذا الرأي فرانتسيسكا شتارك، الخبيرة في قضايا التسليح النووي، قائلة: "كنت اتمنى أن يفكر بعض السياسيين الذين يقترحون خيارات نووية جليا في التداعيات العالمية عند إثارة النقاش حول نظام منع الانتشار النووي والذي سيكون موضع تساؤل في حال ما إذا قررت أوروبا امتلاك سلاح نووي".
ومن جانبه، سعى وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إلى التقليل من شأن هذه المناقشات، منتقدا بارلي بسبب إثارتها هذه القضية حيث قال "لا ينبغي مناقشة هذا الأمر علنا".
لا تصدق كل ما يقال
وردا على سؤال عما إذا كانت الدول الأوروبية بحاجة إلى إعادة التفكير في الردع النووي في ضوء تصريحات ترامب، حذر ستولتنبرغ الأربعاء (14 فبراير / شباط من أنه "لا يجب عليهم فعل أي شيء لتقويض الردع النووي للتحالف".
وقال إنه يجب الاستمرار في ضمان بقاء الردع النووي الأمريكي في أوروبا "آمنا وموثوقا"، مضيفا: "هذا هو الترتيب الذي لدينا معا في الناتو، مع إجراءات متفق عليها فيما يتعلق بمبدأ القيادة والسيطرة، التي نمارسها معا. هذا مزيج من أسلحة نووية أمريكية في أوروبا، فيما يقدم حلفاء الناتو الآخرون طائرات وبنية تحتية وطرقا للدعم".
وكان ستولتنبرغ قد قلل في وقت سابق من أهمية تصريحات ترامب الأخيرة قائلا: "أتوقع أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية فإن الولايات المتحدة ستظل حليفا قويا وملتزما في حلف شمال الأطلسي".
وقال سوير إن تصريحات ترامب الأخيرة لن تحمل في طياتها أي خطر فعلي بشأن تعريض دول أوروبية داخل الناتو لهجوم روسي، مضيفا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يضمر نوايا لغزو دول تقع خارج الناتو والاتحاد الأوروبي أو حتى يمتلك القدرة على ذلك بخلاف أوكرانيا.
من جانبه، دعا هانز كريستينسن، مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين، إلى الهدوء، قائلا في تغريدة: "هناك طريقتان لتقويض أمن الناتو حيث تتمثل الطريقة الأولى في أن يدلي ترامب بتصريحات غبية كما يفعل دائما. وتكمن الطريقة الثاني في رد فعل أوروبي مبالغ فيه والقول: "لم يعد بإمكاننا الاعتماد على المظلة النووية الأمريكية ونحتاج إلى قنبلة أوروبية"". وقال: "هذا بالضبط ما يريد ترامب وبوتين سماعه".
أعده للعربية: محمد فرحان