تركيا تلوح بورقة بريكس لتسريع دخولها للاتحاد الأوروبي
١٦ سبتمبر ٢٠٢٤قررت تركيا اتخاذ المزيد من الخطوات في التقارب مع المحور الروسي-الصيني. وتمثلت آخر الخطوات في تقديمها طلب رسمي للانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل والهند وجنوب إفريقيا إلى جانب الصين وروسيا اللتَين لهما القول الفصل في المنظمة.
وقال عمر جيليك، المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، "إن رئيسنا (رجب طيب أردوغان) أكد مراراً وتكراراً أننا نريد أن نصبح أعضاء في بريكس... العملية جارية الآن".
ورحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالخطوة التركية، مؤكداً أنه "سيدعم بشكل كامل" انضمام أنقرة إلى المجموعة.
ويقول خبراء إنه في حالة انضمام تركيا إلى بريكس، وهو تجمع يُنظر إليه بكونه موازياً للنظام العالمي بزعامة الغرب، فإن أنقرة بذلك تتخذ خطوات تبعدها عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة.
المواءمة مع السياسات الأوروبية
وفي تعليقه، قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن تركيا تمتلك الحق في تحديد أولوية سياساتها، لكنه ألمح إلى أنه في حالة ما إذا أرادت أنقرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها بحاجة إلى مواءمة سياستها الخارجية والأمنية مع سياسات التكتل.
وفي مقابلة مع DW، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بيتر ستانو: "نتوقع من جميع الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دعم قيم الاتحاد الأوروبي بحزم وبشكل لا لبس فيه، واحترام الالتزامات الناجمة عن اتفاقيات التجارة ذات الصلة والعمل على تحقيق التوافق مع السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي".
ويرى بعض الخبراء أن تركيا ترمي من وراء الانخراط في عضوية مجموعة بريكس الضغط على الاتحاد الأوروبي للإسراع في محادثات الانضمام.
يشار إلى أن أعضاء البرلمان الأوروبي قد أفادوا في تقرير سنوي صدر العام الماضي بأن "معدل توافق أنقرة مع السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي قد انخفض إلى أدنى مستوى له على الإطلاق حيث بلغ نسبة 7 بالمئة في أدنى مستوى مقارنة بالدول المرشحة للانضمام إلى التكتل".
وفي سياق متصل، قال ناتشو سانشيز أمور، النائب بكتلة "التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين" في البرلمان الأوروبي، إن طريق تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي هو من خلال تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. وفي بيان صدر العام الماضي، أضاف "شهدنا مؤخراً اهتماماً متجدداً من الحكومة التركية بشأن إحياء عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لن يتحقق الهدف عبر مساومات جيوسياسية، وإنما فقط من خلال إظهار السلطات التركية الاهتمام الحقيقي لوقف التراجع المستمر في الحريات الأساسية وسيادة القانون في البلاد".
وقد انطلقت عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2005، لكنها توقفت عام 2018 على وقع أسباب أبرزها المخاوف الأوروبية بشأن القيود المفروضة على حرية الإعلام في تركيا وسيطرة الحكومة على القضاء والافتقار إلى الرقابة المدنية على قوات الأمن.
مؤشر على الإحباط التركي؟
ومن جانبه، قال أوزغور أونلوهيسارسيكلي، الخبير في الشأن التركي ب"صندوق مارشال الألماني" (GMF)، إن اهتمام تركيا بمجموعة بريكس مؤشر على إحباطها من الاتحاد الأوروبي.
وقد تأسست مجموعة بريكس قبل 15 عاماً، لكن عدد الدول الأعضاء فيها تضاعف، وموخراً أبدت 20 دول الرغبة في الانضمام بما في ذلك مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات وتركيا.
ولا تسع الدول الأعضاء إلى تشكيل تكتل ذي سياسة أمنية أو خارجية مشتركة، بل تعمل على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وصولاً إلى تأسيس مؤسسات موازية للمؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة وأوروبا.
نتيجة عكسية؟
وقال عدد من الخبراء الأتراك إن رغبة أردوغان في الانضمام إلى بريكس قد ترمي إلى اكتساب أوراق قوة في محاولة بلاده الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي مقابلة مع DW، قالت أصلي أيدنتاسباس، الباحثة في الشأن التركي بمعهد بروكينغز، إن عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي "متجمدة، لذا فإن صناع القرار في تركيا إما يحاولون إحياء مباحثات الانضمام أو يشعرون بأنهم ليس لديهم ما يخسرونه في حال الدخول في بريكس". واضافت "لقد جمد الأوروبيون فعلياً عملية انضمام تركيا وهم على وشك استبعادها من مباحثات التوسع، في الوقت الذي جرى فيه احراز تقدم فيما يتعلق بملف دول البلقان. أعتقد أن صناع القرار في تركيا لا ينظرون إلى الانضمام إلى مجموعة بريكس باعتباره تقليلاً من أهمية تركيا، بل تعزيزاً لموقفها بطريقة تجعل البلدان الغربية تشعر بالغيرة ومن ثم تمنحها فرصة أكبر لجذب انتباهها".
من جانبه، قال أوزغور أونلوهيسارسيكلي إن استراتيجية أنقرة قد تأتي بنتائج عكسية: "الانضمام إلى مجموعة بريكس قد يجعل دول الاتحاد الأوروبي تشكك بالنوايا التركية"، مضيفاً "إذا أصبحت تركيا عضواً في مجموعة بريكس، فإن هذا سوف يقلل من مصداقيتها وموثوقيتها داخل التحالف عبر الأطلسي".
حليف "مشاكس، لكن لا مناص منه"
يشار إلى أن تركيا ترفض دعم منظومة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي على روسيا عقب توغلها العسكري في أوكرانيا ، وأصبحت تركيا أكبر مشترٍ لمصادر الطاقة الروسية. كما تدعم أنقرة حماس التي تقف وراء الهجوم الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى أنها منظمة إرهابية.
وأعربت الولايات المتحدة ودول الأعضاء في الناتو عن قلقهم إزاء شراء تركيا منظومة صواريخ "إس 400" روسية الصنع عامي 2017 و 2022 بالتزامن مع عرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو لمدة عامين قبل أن تتخلى أنقرة في نهاية المطاف عن معارضتها.
ورغم ذلك، فإن موقع تركيا الاستراتيجي بين الغرب والشرق يجعلها دولة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لحلف الناتو والولايات المتحدة. وقد وقعت تركيا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 تسمح بعودة بعض المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون إلى أراضي بلدان التكتل انطلاقاً من الأراضي التركية.
ورغم هذا الدور الحيوي، إلا أن حالة من عدم الثقة مازالت تشوب العلاقة بين تركيا وحلفائها. وفي هذا السياق، أشار استطلاع أجراه "صندوق مارشال الألماني" حول علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين إلى أن "أنقرة تعد الدولة الشريكة الأقل موثوقية"، بحسب أراء الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع.
وختمت أصلي أيدنتاسباس، الباحثة في الشأن التركي بمعهد بروكينغز، بالقول: "لا شك أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية على الدوام، لكن أردوغان يعتقد أنه يستطيع اللعب بورقة الدول غير الغربية لتعزيز موقفه أمام الغرب".
أعده للعربية: محمد فرحان