تسييس النفط يلقي بظلاله على أسواق الطاقة الدولية
١٩ أبريل ٢٠٠٦مع تزايد المخاوف من تصعيد عسكري بين الولايات المتحدة وإيران ارتفعت أسعار النفط في الأسوق العالمية بشكل كبير، إذ تجاوزت الـ 70 دولاراً للبرميل في نهاية تعاملات يوم الاثنين، 17 نيسان/أبريل 2006. وهو أعلى سعر له على الإطلاق منذ عام 1981. وقد تجاوز سعر النفط نظيره في الثلاثين من آب/أغسطس الماضي بزيادة قدرها 59 سنتاً، عندما توقفت المنشآت النفطية في خليج المكسيك بسبب إعصار "كاترينا". وقد سجل مزيج برينت مستوى قياسيا تجاوز 72 دولارا للبرميل. ويرى مندوبون في منظمة أوبك ان العوامل السياسية هي التي ترفع السعر مشددين على انه لا نقص في معروض النفط في السوق. كما انه من المتوقع أن يلتقي وزراء من أوبك في مطلع الأسبوع المقبل خلال منتدى الطاقة العالمي الذي يعقد في العاصمة القطرية الدوحة لمنافشة هذا الموضوع. ويرى خبراء اقتصاديون ان الأسعار قد تبلغ ذروتها العالمية بحوالي 80 دولارا للبرميل وهو مستوى يماثل الأسعار بعد حساب التضخم التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979. ويبدو ان أسباب الزيادة ما تزال مستوطنة في منطقة الشرق الأوسط نفسها. فبعد مرور أكثر من 27 عاما على هذا الحدث فان السوق تركز اهتمامها مرة أخرى على هذه المنطقة ولكن هذه المرة في نزاع جديد حول البرنامج النووي الإيراني. ولكن بعض المحللين حذروا بقولهم ان السوق قد تهوي بسهولة مثلما صعدت.
النزاعات السياسية هي السبب
على الرغم من تأكيدات مسؤولي منظمة أوبك على عدم وجود أي نقص في المعروض العالمي من النفط الخام، إلا ان المنظمة ترى هي الأخرى ان أسعار النفط مرتفعة جدا وأن هذه الأسعار ليست لها علاقة "بالعوامل الأساسية". ولكن يبدو ان ثمة عوامل أخرى، نفطية وغير نفطية، سببت مجتمعة هذه المستويات القياسية. ففي الوقت الذي تم فيه تناقل أنباء عن نقص في مخزون الولايات المتحدة من النفط الخام، فأن المخاوف المتنامية من عمل عسكري محتمل ضد المواقع النووية في إيران، التي تعتبر رابع أكبر دولة منتجة للبترول في العالم تلعب الدور الأكبر في هذه الزيادة الكبيرة. هذا وقد تصاعدت المخاوف من توجيه ضربه عسكرية بشكل كبير بعد إعلان إيران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في محطات الطاقة. الأمر الذي أجج الخلاف الدبلوماسي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تشتبه بقيام إيران بمحاولة لصنع قنبلة نووية. ولكن قادة طهران مازالوا يتحدثون عن حق إيران المشروع في استخدام الطاقة النووية للأغراض المدنية في مجال توليد الطاقة الكهربائية.
كما ان أزمة توقف ربع إمدادات النفط النيجيرية قد دخلت شهرها الثالث بسبب هجمات المتشددين على المنشآت النفطية هناك ومازالت تلعب دوراً في انخفاض المعروض العالمي من النفط الخام. الجدير بالذكر ان نيجيريا تحتل المرتبة الثانية عشر عالمياً في انتاج النفط. من جهتها تعهدت دول منظمة الأوبك بالحفاظ على استمرار إمدادات كافية من النفط الخام في السوق، لكن تقارير أوبك تشير في الوقت ذاته إلى تزايد العبء عليها في هذا العام في ظل انخفاض إمدادات الدول غير الأعضاء. وفي سياق مماثل قال وزير النفط القطري عبد الله العطية أمس ان المنظمة تنتج النفط بأقصى طاقة ومن المتوقع أن تحافظ على مستوى الإنتاج حتى نهاية العام اذا استمرت مستويات الطلب والأسعار الحالية. كما أكد العطية عن يقينه من عدم حدوث أي " اضطراب في الإمدادات من إيران" التي تنتج حوالي خمسة في المائة من الإنتاج العالمي.
قيود محددة لا تشمل النفط والغاز
ومع اقتراب نهاية المهلة التي حددها مجلس الأمن الدولي في الثلاثين من نيسان/أبريل لطهران فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني طالبت الولايات المتحدة الأعضاء الدائمين في المجلس والدول الأوروبية إلى دراسة فرض "عقوبات محددة" ضد طهران. ولكن الكثير من المراقبين يتوقعون ان تواجه المحادثات الأمريكية الرامية إلى إيجاد الأسس لاستخدام محتمل للقوة العسكرية أصواتاً رافضة، عندما يعقد اجتماع الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا. وتضم جبهة الرفض هذه روسيا والصين، اللتان تصران على رفض مبدأ العقوبات واستخدام القوة لحل الخلاف مع إيران وتفضلان عوضاً عن ذلك الاستمرار في المضي في الخيار الدبلوماسي. وحتى بريطانيا، التي تعتبر الحليف القوي لواشنطن، ترفض هي الأخرى القيام بعمل عسكري ضد طهران.
خطر "تسييس النفط"
فضلاً عن ذلك ترغب الولايات المتحدة، التي تفرض بالفعل عقوبات شاملة على طهران منذ أمد بعيد، في دفع مجلس الأمن إلى درجة كافية من الاستعداد لاتخاذ خطوة دبلوماسية قوية تشمل إجراءات عديدة كتجميد الأصول المالية، من أجل إجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي. لكن المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن عدم سعي واشنطن لفرض عقوبات على قطاعي النفط والغاز الإيرانيين، معللين ذلك بعدم الرغبة في "خلق مصاعب للشعب الإيراني". ولكن الأمر قد يفسر على نحو آخر، على انه محاولة من قبل الولايات المتحدة لكسب تأييد الدول التي ترتبط مع طهران بعلاقات تجارية-نفطية في مجالي النفط والغاز عن طريق عدم الإخلال باستقرار أسعار النفط. ويبدو ان استخدام سلاح النفط ليس وليد الصدفة أو الأوضاع الدولية الراهنة على المستويين السياسي والنفطي، بل ان الظروف الراهنة لم تعمل سوى على كشف النقاب عن أهمية هذا السلاح الذي أصبحت بعض الدول كروسيا وفنزويلا وإيران تقبل على إشهاره للدفاع تارةً أو للهجوم تارة أخرى، كما يرى الدكتور مغاوري شلبي علي، "ان إيران تسعى لنيل دور إستراتيجي في منطقة الخليج العربي من خلال تقوية نفوذها النفطي" من أجل إفساح المجال لها "لتحقيق طموحاتها النووية". ويرى د. علي في ذلك سبباً لسعي الولايات المتحدة "للإستغناء عن نفط الشرق الأوسط".