تصريحات "مشينة" تعكر صفو العلاقات بين المغرب وفرنسا
٢٧ فبراير ٢٠١٤"المغرب هو عشيقة نجامعها كل ليلة، لسنا بالضرورة مغرمين بها لكننا مضطرون للدفاع عنها" هذه الكلمات المنسوبة للسفير الفرنسي في واشنطن فرانسوا ديلاتر أقامت الدنيا و لم تقعدها في المغرب. التصريحات جاءت على لسان الممثل الإسباني خافيير بارديم في سياق حديثه عن خلفية مواقف باريس الداعمة للمغرب في نزاع الصحراء. و هو الذي يصفه الإعلام المغربي بكونه "معاديا" لموقف المغرب من النزاع.
التصريحات التي اعتبرها المغرب "مشينة" و لا تليق بشخصية ذات منصب دبلوماسي رفيع أججت غضب المغاربة الذين خرج بعضهم إلى الشارع للمطالبة باعتذار من فرنسا وكذلك فعلت أيضا بعض الأحزاب السياسية، كما سارعت الحكومة المغربية إلى إصدار بيان يستنكر التصريحات المنسوبة للسفير الفرنسي. و مازالت تداعيات الموضوع المثير للجدل مستمرة إذ اعتذرت صحيفة لوموند الفرنسية التي نشرت الخبر، في عددها ليوم (الاثنين 24 فبراير/ شباط 2014) عن خطأ أدرجته فيه و هو أن التصريحات منسوبة لسفير فرنسا في واشنطن، بينما هي في الواقع لسفير باريس في الأمم المتحدة جيرارد أورو.
سوء فهم؟
من جانبها نفت فرنسا هذه التصريحات المزعومة مشيرة إلى أن سفيرها في واشنطن لم يسبق له أن التقى خافيير باريم في أي مناسبة ليدلي له بهذه التصريحات، كما أجرى الرئيس الفرنسي هولاند اتصالا مع العاهل المغربي، لمناقشة العلاقات بين البلدين على إثر التطورات الأخيرة و"تبديد سوء الفهم الذي حصل" حسبما ذكرت الرئاسة الفرنسية عقب اتصال هولاند الذي رأى فيه متتبعون محاولة من فرنسا لتهدئة الأوضاع وتطويق الأزمة.
أما قيام السلطات الفرنسية باستدعاء مدير جهاز المخابرات المغربية عبد الطيف الحمدوشي على خلفية شكايات رفعت ضده تزعم أنه متورط في ممارسة التعذيب، فقد اعتبره المسؤولون الفرنسيون أمرا يدخل ضمن صلاحيات القضاء مشددين على استقلالية الأخير.
تزامن التصريحات "المسيئة" مع استدعاء فرنسا للحمدوشي الذي أثار أيضا استياء كبيرا في الرباط جعل مراقبين يصفون الأمر بأنها بوادر أزمة ديبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين الصديقين بينما ذهب آخرون إلى اعتبارها مجرد سحابة صيف عابرة لن تأخذ أكبر من حجمها. محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش يعتبر أن ما وقع لا يمكن أن يشكل مقدمة لأية قطيعة يمكن أن تحصل في العلاقة بين البلدين وذلك لمجموعة من الاعتبارات الاستراتيجية التي تميزها، منها الشراكة في الملف الأمني القومي خصوصا فيما يتعلق بمسألة الحرب على الارهاب ومشكلة الهجرة السرية وتجارة السلاح والبشر، وهي أولويات ليس فقط بالنسبة لفرنسا و إنما الاتحاد الأوروبي ككل، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين و الذي تحظى فيه فرنسا بوضع متميز."هذا كله يجعلنا نقول أن كلما يحدث حاليا لا يعدو أن يكون سحابة صيف عابرة".
أطراف خارجية وراء الكواليس
لكن الغالي لا يستبعد أن يكون هناك تدخل من طرف خارجي لتأزيم العلاقات بين المغرب وحليفته فرنسا فيما يتعلق بقضية استدعاء مدير المخابرات للتحقيق " يمكن اعتبار هذا الأمر من باب ممارسة مؤسسات الدولة الفرنسية لصلاحياتها على اعتبار أن هناك شكاية وضعت، ويجب على القانون متابعتها، خاصة بالنظر إلى الإتفاقيات التي تجمع الدولتين في هذا المجال" لكن من حيث المقاربة السياسية يرى الخبير المغربي بأن المسألة غير عادية، و لا يمكن أن تكون معزولة دون أن يكون هناك تدخل لجهة ما لها مصالح في تأزيم العلاقات المغربية الفرنسية، و"خصوصا في هذه الظرفية التي يراهن من خلالها المغرب على الموقف الفرنسي في قضية الصحراء".
بالإضافة إلى ربط الموضوع بنزاع الصحراء وخلافات المغرب مع الجزائر ذهبت تحليلات أخرى إلى أن الزيارة التي يجريها العاهل المغربي حاليا لعدد من الدول الإفريقية قد تكون سببت إزعاجا لفرنسا بسبب تجاوز حليفها للدور المرسوم له. الزيارة التي أُطلق خلالها عدد من المشاريع الكبرى، وصفت بأنها محاولة من المغرب للتوسع افريقيا و استعادة وزنه في القارة السمراء. لكن عبد العزيز قراقي المحلل السياسي المغربي و أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالدار البيضاء يرى أنه لا يمكن تحميل توقيت هذا التوتر أكثر مما يحتمل "أميل إلى الرأي الذي يعتبره صدفة غير قابلة لأي تأويل سياسوي، ذلك أنه بالإمكان دائما الربط بين حدثين أو أكثر عندما يتزامنان حتى ولو لم تكن بينهما أية علاقة، ثم يصعب أن يدخل طرف آخر بين بلدين نسجا علاقات متميزة لقرون و تجمعهما اليوم الكثير من المصالح المشتركة، والزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الفرنسي للمغرب تغني عن تحميل السياق أكثر مما يحتمل".
تأثير على مستقبل العلاقات؟
على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعل المغاربة أيضا مع الموضوع الذي يستأثر بالرأي العام المغرب هذه الأيام. وعلى عكس الرأي الرسمي فقد اعتبر بعضهم أن وصف العلاقة بين المغرب و فرنسا غير بعيد عن ما ذكرته التصريحات المنسوبة للسفير الفرنسي بالنظر إلى استمرار استحواذ فرنسا على كل المجالات و حصولها على امتيازات كبيرة على حساب علاقات المغرب مع دول أخرى.
وفيما طالب المغرب فرنسا بتوضيحات بخصوص ملف مدير المخابرات، يتوقع أن تتطور شكايات التعذيب المرفوعة ضده إلى إرسال وفد قضائي للإستماع إليه وقد يتطور الأمر إلى إصدار مذكرة اعتقال دولية كما سبق و حدث مع الجنرال حسني بنسليمان مدير الدرك الملكي بخصوص التحقيق في اختفاء المعارض المغربي المهدي بن بركة.
وعن ما إذا كان التوتر الذي تشهده العلاقات بين البلدين سيؤثر عليها مستقبلا، يقول الغالي "منطق رابح- رابح الذي يهيمن على العلاقات بين الدول يفترض القبول بكل السيناريوهات الايجابية أو السلبية. لكن بالنظر الى الملفات الاستراتيجية التي تجمع البلدين و بالنظر الى المخاطر المشتركة التي تتهددهما فان السيناريو الغالب هو سيناريو احتواء المشكلة من خلال مقاربة الدبلوماسية الهادئة بالرجوع الى الاتفاقيات و أرضيات التفاهم التي تجمع العلاقات بين البلدين في حالة وقوع أزمات" و يعتبر الخبير المغربي أنه في حالة عدم احتواء الأزمة فقد يفتح المجال أمام قوى أخرى من مصلحتها تعكير العلاقات بين فرنسا و المغرب لخدمة مصالحها.