تعاون سعودي عراقي في الأفق.. هل تعود المياه إلى مجاريها؟
٢٦ مايو ٢٠٢٠أوفد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قبل أيام نائبه ووزير ماليته علي علاوي، إلى السعودية من أجل بحث الملف الاقتصادي بين البلدين، والذي ردت عليه المملكة بقرار إعادة سفيرها إلى العراق بعد يومين فقط من الزيارة.
هذه الخطوة التي بدأ بها الكاظمي؛ جاءت كإحدى أولى قراراته السياسية والاقتصادية منذ استلامه رئاسة الوزراء مطلع الشهر الفائت. ولعل الرد السعودي السريع يشير إلى إمكانية تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية بين الرياض وبغداد.
ولكن هذا التقارب السعودي العراقي، إن تم فعلا، فقد تدفع ثمنه العلاقة التاريخية بين طهران وبغداد، ما يفتح المجال للحديث عن التحولات السياسية والاقتصادية المقبلة في المنطقة والتي سيحتل العراق بموجبها مركز الاهتمام في هذا المثلث السياسي.
منفذ من إيران
تجمع العراق وإيران علاقة تقارب سياسي واقتصادي قوي منذ عام 2003، أي بعد سقوط نظام صدام حسين، فيما تعود الروابط الدينية بين البلدين إلى أبعد من هذا، ما يجعل من توجه الكاظمي الواضح لإعادة بناء أواصر العلاقة مع السعودية أمرا قد يقض مضجع طهران، لاسيما أن الاحتجاجات الأخيرة في العراق طالبت بإلغاء النفوذ الإيراني وكف يدها عن التدخل السياسي في البلاد.
وفي هذا يرى المحلل السياسي العراقي نجم القصاب، وخلال حديث له مع DW عربية، أن إيران تمر حاليا في مرحلة مختلفة بعد اغتيال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري)، إذ أن المتغيرات التي حدثت أثرت سلباً عليها، والذي يدفعها إلى تجنب سياسة فرض "النفوذ" في المنطقة.
ويضيف الخبير إلى أن "امتعاض الدول" من طهران، خاصة العقوبات التي وقعت عليها، جعلها تترنح على المستويين الاقتصادي والسياسي، وهو ما يبدو واضحا برأيه من خلال عدم اعتراض إيران على الزيارة العراقية للسعودية. مشيرا إلى أن إيران تمر بأزمات اقتصادية الآن، "قد تؤدي إلى ثورة شعبية إن لم يتم حلها".
فيما يعتبر المحلل السياسي السعودي، عبد العزيز الخميس، متحدثا لـDW عربية، أن خروج بغداد من دائرة النفوذ الإيراني ليس من السهولة بمكان، لأن هناك كتلا سياسية في البرلمان العراقي ولاؤها يعود لطهران. ويعرب الخميس عن اعتقاده أن هذا قد "يحتاج إلى وقت طويل"، ويعتمد بشكل أساسي "على وعي المواطن العراقي"، على حد تعبيره، ورغبته بالتخلص من "الأجندات غير العراقية".
"العراق أرض خصبة للاستثمار"
يعاني الاقتصاد العراقي منذ بداية أزمة فيروس كوفيد-19 المستجد من ضربات أهلكته لاسيما بعد انخفاض أسعار النفط، خاصة أن نحو 90 في المئة من اقتصاده يعتمد على الإيرادات النفطية، ما جعله يفقد قدرته على دفع مستحقات موظفيه الشهرية. ولهذا يعتبر القصاب أن التعاون السعودي العراقي قد يكون "حبل إنقاذ لبغداد"، مضيفا أن الخزينة العراقية لا يدخلها سوى مليار دولار شهريا، فيما تحتاج الحكومة إلى ما يقارب 5 مليارات لتسديد رواتب الموظفين.
ويرى الخبير العراقي أن هناك حاجة ماسة لتحريك الاقتصاد؛ من أجل تقديم أكبر استفادة ممكنة للعراقيين ممن لا يعملون في الوظائف الحكومية ولا يتلقون رواتب شهرية أيضا.
من جهة أخرى فإن المحلل السياسي السعودي عبد العزيز الخميس يجد هذا التعاون مفيدا للبلدين على حد سواء، خاصة أن "السعودية منتجة ومصنعة، ولديها صادرات تحتاجها السوق العراقية"، وكذلك فإن السوق السعودية هي الأخرى بحاجة إلى منتجات عراقية.
ولعل الاستثمارات المشتركة بين البلدين من أهم مستخرجات هذا التعاون، كما يرى الخبير السعودي، معتبرا العراق "أرضا خصبة، تستحق الاستثمار"، مضيفا أن هناك "تعطشا" لدى السعوديين للاستثمار في العراق وسوقها، خاصة في ظل رغبة بغداد في بناء جسر بينها وبين العالم والمستثمرين الرأسماليين.
إلى جانب هذا فإن التلاحم المكاني ما بين المنطقة الشرقية السعودية والجنوب العراقي وقربه من الكويت، يفتح المجال أمام إنشاء سوق ضخمة ستؤدي إلى عائدات كبيرة لكل من البلدين، على حد تعبير الخميس.
ترحيب سعودي سريع
رد السعودية السريع على زيارة علي علاوي، وانتهازها الفرصة من أجل إعادة سفيرها إلى بغداد، يقدم مؤشرا حول الحماس السعودي لإعادة بناء أواصر علاقة قوية مع الإدارة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، خاصة بعد سياسة التقشف التي أعلنت عنها الرياض بسبب أزمة كورونا.
ويرى القصاب في هذه السياسة سببا لرغبة السعودية بتحقيق هذا التعاون مع العراق، إذ يعتبر أن هناك فائدة اقتصادية للمملكة في ظل الظروف الحالية. أما الخبير السعودي فقد استبعد أن يكون هناك تأثير مباشر، معتبرا أن الوضع الاقتصادي العراقي الحالي "لا يمثل أي إضافة كبيرة للرياض"، ويضيف قائلا إن تطوير العلاقة الاقتصادية وعودتها إلى ما قبل حرب الخليج هو الذي سينعكس على السوق السعودية، خاصة بسبب التوجه العراقي إلى الانفتاح الاقتصادي.
من جانب آخر؛ فإن العلاقة الاقتصادية الممكنة بين بغداد وطهران قد تحمل معها بدايات لتطوير العلاقات السياسية بين الطرفين، والتي يعتبرها القصاب سبيلا قد يجعل من العراق وسيطا مهما بين إيران والسعودية في المستقبل.
فيما يؤكد المحلل السعودي إلى أن أي تعاون اقتصادي سيلحقه بطبيعة الحال تعاون سياسي، والذي لن يتضمن أية "أطماع قد تؤدي إلى بناء ميليشات في العراق كما فعلت إيران"، على حد تعبيره، والذي سيساهم في خلق استراتيجية تعاون اقتصادية وسياسية طويلة المدى بين الطرفين.
مرام سالم