تعليق: بريطانيا لا تستطيع كسب المنازلة مع إيران
٢٩ مارس ٢٠٠٧إن ما يحصل حاليا بين بريطانيا وإيران هو معضلة لا تعيشها بريطانيا فحسب بل يعيشها الغرب بشأن تعامله مع إيران. ففي الصراع حول الملف النووي يشرع الغرب بالحشد ضد إيران ويتكلم عن عقوبات، إلا أنه سرعان ما يتبين أن هذه العقوبات لا تجدي إلا قليلا. كذلك هو الحال فيما يخص قضية أسر أو اختطاف جنود البحرية البريطانيين الخمسة عشر، فهنا نجد رئيس الوزراء البريطاني يهدد باتخاذ إجراءات جدية، ولكن كل ما تمخض عن هذه التهديدات في النهاية هو "تجميد" العلاقات مع طهران، إي وقف الزيارات والتعاملات معها، وكأن مثل هذه الإجراءات ستحل المشكلة.
إن الابتعاد عن "دبلوماسية المدافع" أمر حسن بالتأكيد. إلا أن تصريحات السياسيين لا تزال تذكر بهذه الدبلوماسية العسكرية، أما أفعالهم فلا علاقة لها بذلك. ولو كانت أفعال السياسيين منسجمة مع أقوالهم لتحولت حادثة شط العرب إلى صراع مفتوح بين بريطانيا التي سترى نفسها مهاجمة من قبل "القرصنة" الإيرانية، وإيران التي ستعتبر نفسها مدافعة عن حدودها وسيادتها. لكن واقع الحال هو أن لا مصلحة لدى الطرفين في تصعيد الموقف أكثر من ذلك، فضلا عن تصعيده عسكريا.
لذلك كان من الأفضل أن يتم حل الموضوع من خلال الدبلوماسية الهادئة. إلا أن الأقوال أسهل من الأفعال. فتوني بلير المقبل على ترك منصبه كرئيس للوزراء يريد أن يستعرض قوته أمام شعبه. كذلك حال القيادة الإيرانية. وسواء أكانت حادثة شط العرب مُخطط لها من قبل أم لا، فإن الحادثة جاءت في وقت مناسب لبعض الدوائر السياسية في إيران. فبريطانيا مررت مؤخرا قرار تصعيد العقوبات ضد إيران والآن أصبح بمقدور إيران أن ترد الصاع. كذلك فإن إيران لم تغفر لبريطانيا الكثير من ذنوب الماضي، مثل الاستيلاء الفج على ثروات إيران النفطية أو العجرفة التي اقتربت أحيانا من العنصرية اتجاه الشعب الإيراني.
إن استخدام بريطانيا لصور الأقمار الصناعية لن يُفيد في تهدئة الموقف كما أنها لن تفيد في إقناع من لا يريد تصديقها. وطهران لا تريد تصديقها، فضلا عن أن قيمة هذه الصور كدليل هي قيمة منخفضة، لأن الخط الحدودي في شط العرب مختلف عليه منذ عشرات السنين.
لا يمكن لبريطانيا أن تفعل الكثير حاليا، لذا فإنه من الأفضل أن تغض الطرف عن الأمر وأن تتكلم عن "خطأ مؤسف" بدلا من الإصرار على موقفها. إن الحكمة التي تقول: "الذكي هو من يتنازل" ربما لا تتناسب مع استراتيجيات الدول التي تشن حروبا، إلا أن استخدام هذه الحكمة منذ البداية كان سيهدئ من التصعيد. ولو اتخذت بريطانيا الموقف هذا ثم تصلبت إيران بعد ذلك على موقفها فستكون إيران قد خطت بنفسها خطوة نحو عزل نفسها. أما الآن فقد أدخلت بريطانيا نفسها في منازلة لا تستطيع الفوز بها وكل ذلك على حساب جنودها الخمسة عشر.