تعليق: "ميركوأولاند" المحور الجديد داخل منطقة اليورو"
٧ مايو ٢٠١٢لقد قالت فرنسا كلمتها واختارت المرشح الاشتراكي فرونسوا أولاند رئيسا جديدا للبلاد؛ بيد أن ذلك لن يغير الشيء الكثير داخل البيت الأوروبي. وسبق لأولاند أن كشف عن نيته فتح مفاوضات حول الاتفاقية المالية التي تم التوصل إليها في ديسمبر العام الماضي، والمبنية على إجراءات تقشفية صارمة، رَسمت معالمها كل من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي. إلا أن عجز الميزانية الذي تشكو منه الدول الأوروبية، لا يمكن مواجهته فعليا سوى بتقليص مستوى النفقات، وهو الأمر الذي سيجبر أولاند على قبوله فور انتقاله إلى قصر الإيليزيه. ولن تطرح أمام أولاند خيارات عديدة، سوى موافقة مبدئية لإضافة بنود وتعديلات تركز على النمو الاقتصادي، تُدرج ضمن نص الاتفاقية الأوروبية.
وسبق للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وجان كلود يونكر رئيس مجموعة وزراء منطقة اليورو، وكذلك ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي أن عبروا عن استعدادهم للقبول بمثل هذه الخطوة، حتى يستطيع رئيس فرنسا الجديد حفظ ماء الوجه أمام ناخبيه، شريطة أن لا تتسبب التعديلات في إعادة الاتفاقية إلى المربع الأول، بعدما أقرتها جميع الدول الأوروبية.
من جهته، لا يرغب أولاند في إقامة علاقات متوترة مع الجارة ألمانيا، بل بالعكس، فهو يعي جيدا أنه وعلى المستوى البعيد لا يمكن داخل الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن علاقات ثنائية جيدة بين برلين وباريس، بغض النظر عن الانتماء الإيديولوجي لقادة البلدين.
ومن المحتمل أن يصل كل من ميركل وأولاند بعد فترة من الحذر إلى درجة من التفاهم، قد ترقى إلى مستوى التزاوج السياسي، وتؤدي إلى خلق ثنائي "ميركوأولاند"، باعتبار أن ذلك حتمية ناتجة عن معطيات الواقع الاقتصادي الراهن، وأن ألمانيا وفرنسا كانا ومازالا قاطرة الاقتصاد الأوروبي.
علاقات وليدة للأزمة الاقتصادية
ولم يختلف الأمر كثيرا في عهد الرئيس السابق ساركوزي الذي استغل الإعلام باستمرار للظهور بصورة مشرقة ومتألقة، فكثيرا ما انتقد المستشارة ميركل علنا خلال السنوات الأولى من فترته الرئاسية التي استمرت خمس سنوات. كما أنه أبدى رغبته في تعويض محور برلين بمحور مدريد، في إطار مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط الذي أراد عبره خلق منافسة إقليمية للاتحاد الأوروبي. لكن البرنامج الفرنسي فشل، فظهر محور جديد تحت اسم "ميركوزي"، أي المحور الفرنسي الألماني الذي خرج إلى الوجود تحديدا في خريف 2010، نتيجة لتحرك منسق بين البلدين لمواجهة أزمة الديون التي عصفت بمنطقة اليورو. ورغم أن المواقف التي اتخذها ميركل وساركوزي، تم التراجع عن بعضها أو تعديل بعضها الآخر، فإن ذلك لم يمنع الاثنان من الظهور بمواقف متناغمة تماما.
وفي حملته الانتخابية أشاد ساركوزي المرشح اليميني بألمانيا كمثل يحتذي به، وهو تماما ما قام به أولاند أيضا عندما تحدث أمام ناخبيه عن الانجازات التي حققتها الحكومة الألمانية على المستوى الاجتماعي، دون التطرق إلى الموازنة وخطة التقشف المعتمدة من قبل التحالف الحاكم.
عاجلا أم آجلا، ستجبر المعطيات الاقتصادية أولاند نفسه على اتباع سياسية التقشف، وفي حال التراجع عن الوعود المقدمة للحد من عجز الميزانية الداخلية، فإن صبر الأسواق المالية سينفذ، ما قد يجر إلى رفع نسبة الفوائد أمام السندات الحكومية وخفض مستوى التصنيف الائتماني.
الوعود الانتخابية أمام المعطيات الواقعية
وسيكون أمام الرئيس الفرنسي الجديد هامش ضيق لتحقيق وعوده الانتخابية؛ إذ أن العجز الاقتصادي في عام 2011 فاق 5% بالمائة. الأمر الذي يعني أنه لن يستطيع تجاوز أمرين: الأول يتعلق بسن إصلاحات تشمل نظام التقاعد، والثاني بتخفيض نفقات الموظفين المهولة داخل القطاع الحكومي. ولن يحصل أولاند على مال إضافي لتمويل خططه التنموية أو لخفض قيمة الضريبة المضافة، كما أن الضريبة التي ينوي فرضها على ذوي الدخل المرتفع، لن تدر عليه الشيء الكثير. وتعتبر البطالة أكبر تحدٍ سيواجه أولاند، بحكم أنها تشكل مقياس النجاح أو الفشل لدى الناخبين.
وينوي سيد الإيليزيه ضمان فوائد منخفضة عبر سندات منطقة اليورو التي تواجه أصلا رفضا من قبل المستشارة ميركل، لما تحمله من مخاطر على المنطقة. كما أنه يريد إشراك البنك المركزي الأوروبي المستقل بشكل أكبر في دعم الاقتصاد، لكن ذلك قوبل أيضا برفض البنك المركزي والحكومة الألمانية.
ولا يوجد خيار آخر أمام فرانسوا أولاند سوى الإقرار بعدم الزج بمنطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي نحو دوامة جديدة. وفي حال فشلت فرنسا، فإن جميع المحاولات للحد من عجز الميزانية في دول كالبرتغال وإسبانيا وإيطاليا وغيرها ستفشل، وسيكون لذلك نتائج وخيمة على اليورو كعملة مشتركة.
وإذا لم يع أولاند خطورة الموقف، فإن جان كلود يونكر وكما صرح بنفسه على استعداد لمد يد العون للرئيس الفرنسي المنتخب الذي لم يسبق له أن تقلد منصبا حكوميا رفيعا. وعلى الأخير الاستجابة لهذا العرض، خاصة وأنه رجل يحظى بخبرة واسعة.
وتعد ألمانيا الدولة القوية الأخيرة داخل منطقة اليورو التي لم تشهد تغييرا حكوميا، وفي العام القادم يترقب الناخبون خطة إنقاذ اليورو، التي تراهن عليها المستشارة الألمانية لصد رياح التغيير الحكومي. وإلى الآن لا زالت مؤشرات النمو الاقتصادي المسجلة داخل ألمانيا أفضل بكثير مما هي عليه في باقي دول منطقة اليورو، لكن يجب الاعتراف أيضا بأن الأزمة المالية لم تصل بعد إلى محطتها الأخيرة.
بيرند ريغارت
مراجعة: هبة الله إسماعيل