تعليم الألمانية.. هكذا تدعم جمعية اللاجئين في ليسبوس!
٢٨ يوليو ٢٠٢٣رودي كيمبيوكا، طالب لجوء يعيش في جزيرة ليسبوس منذ أكثر من ست سنوات، قرر مغادرة بلده، جمهورية الكونغو الديمقراطية، بسبب الاضطهاد حسب ما يحكيه لمهاجر نيوز. وصل إلى اليونان عبر تركيا، وعاش في مخيم موريا قبل احتراقه.
يقول رودي "كنا نعيش عزلة كبيرة، لم نكن نتعلم شيئا، ويضيع وقتنا دون تقدم أو الحصول على فرصة للاندماج. كنا نعيش في سجن صغير مفتوح ، فصرت أبحث عن طرق لمساعدة اللاجئين وربطهم بالسكان المحليين. فقررت أن أحاول بنفسي صنع فارق، ولا أكتفي بالانتظار فقط".
من هنا انطلقت فكرة RAD MUSIC INTERNATIONAL، التي أسسها رودي يوم 20 يونيو/ حزيران عام 2018، في مدينة ميتيليني، الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي لجزيرة ليسبوس، مقابل الساحل التركي الذي يبعد 17 كيلومترا فقط، مما يجعلها من الوجهات الأساسية للمهاجرين العابرين من الضفة الأخرى نحو أوروبا.
الظروف الصعبة على الجزيرة سبب التفكير في الهجرة!
يتفهم رودي رغبة أحمد في مغادرة اليونان إلى ألمانيا، فهذا الشاب الذي يبلغ من العمر 25 سنة، قصد باب الجمعية باحثا عن فرصة لديها لتعلم لغة غوته، أملا في التمكن من العيش في برلين قريباً.
يقول رودي "أنا لا أتفق مع رغبة الجميع في مغادرة اليونان نحو وجهات أخرى، لكنه قرار فردي يتخذه المهاجرون لأسباب مختلفة. اليونان لا توفر فرصة للاندماج وتعلم اللغة أو فرص عمل للوافدين. النظام هنا لا يساعد المهاجر على التقدم خطوة إلى الأمام، وهذا كان أكبر دافع لإنشاء الجمعية في ظل غياب مبادرات حكومية جادة".
من جهته، أوضح أحمد لمهاجر نيوز، أنه "داخل المخيم الذي أقطن فيه منذ ما يناهز أربعة أشهر، نادرا ما تتوفر فرص للتعلم، وإن حدث فتكون الدروس مقتصرة على اللغة اليونانية والإنجليزية، وأنا كل اهتمامي ينصب على تعلم الألمانية، لأنها الوجهة التي خططت لها منذ اتخاذ قرار الفرار من بلدي لدواع أمنية".
ويشرح الشاب أنه سمع بالفرصة لدى جمعية RAD MUSIC INTERNATIONAL من خلال إحدى المتطوعات التي زارت المخيم الذي يقطنه حاليا. ويقول "زرت مقرهم وتسجلت فوراً للاستفادة من دروس اللغة. من المؤسف أنني لم أتمكن من إتمام دراستي في السودان بسبب الأوضاع التي كنت أعيشها حتى قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، وإلا لكنت أكثر استعدادا للعيش في ألمانيا الآن. كان حلمي دراسة الهندسة، والقدوم للعمل مباشرة، ومازلت مصراً على تحقيق هذا الحلم".
لماذا يختار المهاجرون ألمانيا؟
سؤال يجيب عنه رودي بالقول "معظم المهاجرين الشباب سمعوا بفرص العمل الكثيرة هناك، وهم يعلمون أن البلد يوفر حقوقا كثيرة ويحترم المواطنين، إنهم يبحثون عن حياة أفضل. لقد فروا من أوطانهم لأسباب مختلفة، لكن هدفهم جميها هو الأمان وعيش حياة أفضل".
وأكد الشاب السوداني أحمد، ما استخلصه رودي من خلال لقائه بشباب كثر من مختلف الدول ممن يتوافدون على الجمعية للاستفادة من أنشطتها وما تقدمه من دروس، وقال "من أكثر الأسباب التي دفعتني لاختيار ألمانيا هي محبتي للغة، كما أن كل ما أعرفه عن ألمانيا يزيد من رغبتي في الوصول إليها، حتى الاندماج فيها سهل، كل ما يحتاجه الإنسان هو إتقان اللغة".
وعن عمل الجمعية لصالح المهاجرين الوافدين إلى الجزيرة، فوصفه أحمد بالقول إن "الجمعية منحتني فرصة، وساعدتني بشكل كبير على تعلم اللغة. وحفزني متطوعوها كثيرا على تمضية الوقت في التعلم. لقد كان الدرس دائما عبارة عن فعاليات ثقافية وأنشطة، نتعلم اللغة في أجواء حماسية. لم نتلق دروسا تقليدية نهائيا، لقد أبدع المتطوعون في منهجية التدريس، كان هذا أمراً ممتعاً، وساعدنا كثيرا في هذه الفترة".
ومن بين أكثر الأشياء التي استفاد منها المهاجرون المترددون على الجمعية حسب ما يحكيه أحمد، التعارف مع أشخاص من جنسيات مختلفة وتمضية أوقات ممتعة خلال الدروس والتعرف على ثقافات جديدة، إضافة إلى المشاركة في فعاليات ثقافية خاصة بالرقص والموسيقى.
لكن رودي يرى أن ماعاشه في اليونان، يجعله يرى الأمر من منظور مختلف، ويوضخ ذلك بالقول "كنت مضطرا للهجرة بسبب الوضع في بلدي، لم أفكر كثيرا في الوجهة، كان علي أولا المغادرة. بعد وصولي فكرت مليا إن كانت مغادرة اليونان ستنفع بشيء، أم أن البقاء هنا والعمل على تغيير الأوضاع لفائدة المهاجرين واللاجئين سيكون الاختيار الأفضل".
وجد رودي أن البداية من الصفر في بلد جديد ستكلفه مجهودا نفسيا ووقتا طويلا "فقد كنت سأضطر إلى البدء من الصفر، بينما الكفاح من أجل إيجاد مكان لي في هذا المجتمع سيكون أفضل بكثير. في البداية لم يكن الأمر سهلاً طبعاً، ولكن مع الكثير من العمل والتصميم نقترب من هدفنا كل يوم" يقول رودي.
وتشكل الموسيقى والرقص سلاحان قويان في هذه المعركة بالنسبة لرودي، الذي يعرف نفسه بأنه فنان متطوع لصالح مجتمع المهاجرين في اليونان. غايته لا تقتصر فقط على مساعدة من يتواجدون في ليسبوس، وإنما الوصول إلى الناس في جميع أنحاء العالم وزيادة الوعي بمشاكل اللاجئين، معتبرا أن Rad Music International هي الطريقة الأنسب للتأكيد على مدى مساهمة اللاجئين بطرق مفيدة في المجتمعات المستقبلة.
المتطوعون.. حجر الأساس!
ياسمين، شابة متطوعة قادمة من ألمانيا، تبلغ من العمر 23 سنة، اختارت التطوع لدى المنظمة كمدرسة للغة الألمانية، بعدما وصلت إلى الجزيرة في إطار تبادل خبرات بين الجامعة التي تكمل فيها دراسة الماجستير.
تقول ياسمين إنها عرفت بأمر الجمعية بسبب "نشاطهم المكثف على المستوى الثقافي في ميتيليني، أعجبت كثيرا بأنشطتهم الفنية التي ينظمونها لصالح اللاجئين، فقررت الانضمام لفريق المتطوعين فيها".
وتصف الشابة التجربة التي امتدت لبضعة أشهر بالرائعة، "كنت أقدم حصة لتعليم اللغة الألمانية للمهاجرين في المركز الثقافي الخاص بالجمعية كل يوم إثنين، وكان المهاجرون المهتمون بتعلم اللغة الألمانية لا يكتفون فقط بما أقدمه، بل يحاولون تعلم المزيد بشتى الطرق، مثل الاعتماد على دروس قنوات يوتيوب وبعض التطبيقات المجانية، ويتفاعلون بشغف كبير مع محتوى الدرس. كان من الجميل التعرف عليهم".
وتقول ياسمين إنها حاولت دائما جعل الدروس ممتعة ومشوقة وغير تقليدية، وفرصة للترفيه عن المهاجرين، وخلق روابط بين المجتمع المحلي والمتطوعين وطالبي اللجوء: "مثلا كان آخر درس فرصة لإعداد إحدى أشهر السلطات اليونانية، وكانت فرصة أيضا لتعلم الكلمات الألمانية المستعملة في المطبخ" تقول ياسمين.
ومن خلال حديثها المتكرر مع المهاجرين المهتمين بتعلم الألمانية، استخلصت أن "كل المهاجرين المهتمين بتعلم اللغة، هم في الحقيقة راغبون بالقدوم إلى ألمانيا للحصول على فرص حياة جديدة". وتضيف ياسمين "منذ أبريل/ نيسان إلى غاية بداية يوليو/ تموز من هذا العام، كان يحضر دروسي عدد جيد من المهتمين بتعلم اللغة بشكل أسبوعي، وهم ينحدرون من مختلف البلدان التي تشهد أزمات، كانوا يطلبون المشورة دائما، وكنا على تواصل عبر الأنترنيت طيلة الأسبوع".
بالنسبة لياسمين، التطوع لصالح اللاجئين ليس بأمر جديد، فقد تعلمت ذلك من والدتها التي تطوعت في ألمانيا سابقا لاستقبال عائلة سورية في منزلها، وتقول إن "فكرة تدريس اللغة أو أي شكل من أشكال التطوع لصالح هذه الفئة من الأشخاص، أمر يسعدني كثيرا، فهذا يساعدهم على المضي قدما في حياتهم الجديدة".
وتضيف "الجمعية لا توفر الدروس فقط، بل تعمل على ربط الناس من مختلف الثقافات والبلدان من خلال حفلات الموسيقى والرقص، وهناك دعم كبير للاجئين عبر مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتعليمية".