تقنيات ألمانية لمعالجة مياه الصرف الصحي في البلدان العربية
٧ مارس ٢٠١٣أظهر العديد من الدراسات الإستراتيجية المستقبلية أن الحروب القادمة في العالم ستكون حول المياه. ووعيا منها بأهمية الماء وحسن تدبيره، بدأت الدول المتقدمة في تطوير تقنيات معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استعمالها، وهي تقنية وجدت طريقها أيضا إلى بعض الدول العربية بدعم ألماني. خصوصا وأن هذه الدول تعاني من الجفاف ومن ندرة مياه الشرب والري.
تعمل الدكتورة نعمى شريف، ذات الأصول السورية، كمتخصصة في مجال معالجة مياه الصرف الصحي وتشرف على العديد من الدراسات والمشاريع في هذا المجال. في حديث مع DWعربية تقول " إن قلة مصادر المياه ومشاكل الجفاف والتصحر تُحتم على الدول العربية اللجوء إلى تقنيات جيدة لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها". وتشير نعمى شريف إلى " أهمية الاستخدام الواسع لتلك التقنيات التي يقتصر استخدامها حتى الآن في مناطق قليلة تعتمد في الغالب على جهود فردية". ويؤدي تزايد عدد السكان في الدول العربية إلى ارتفاع كمية المياه المستهلكة وزيادة كمية مياه الصرف الصحي، التي تكون لها خطورة على صحة الإنسان والبيئة.
استفادة عربية من الخبرة الألمانية
تعمل وزارة التعليم والبحث العلمي الألمانية على دعم مشاريع في مجال تدوير ومعالجة المياه المستعملة في العالم العربي عبر إنشاء محطات لهذا الغرض بكلفة مالية مناسبة. وكمثال على ذلك هناك محطات "قرية بنت سعيدان"، على بعد أربعين كيلومترا من تونس العاصمة، ومحطة مدينة "قلعة مكونة" في الجنوب الشرق بالمغرب و "خنيفرة" شمال المغرب. وحول محطة " بنت سعيدان" تقول نعمى شريف "يتعلق الأمر بمنطقة ريفية لا يتجاوز عدد سكانها 200 شخص. إذ تم القيام بدراسة نموذجية من طرف متخصصين ألمان للحصول على مياه مستعملة ذات جودة عالية تتطابق مع المعايير الدولية".
أما "قلعة مكونة" في الجنوب الشرقي للمغرب فسكانها لم يكونوا يعانون فقط من ندرة المياه بل أيضا من الروائح الكريهة التي تفوح من مجاري الصرف الصحي التي تصب في منطقة قريبة من التجمعات السكنية. وهو وضع سبب للكثيرين أمراضا معدية وأصبح العيش في المنطقة عذابا حقيقيا. وتسبب الروائح الكريهة في تهيج الأغشية المخاطية بالعيون والجهاز التنفسي وتهيج الأغشية المخاطية بالحنجرة والأنف. وفي عام 2005 تم إنشاء محطة للمعالجة بدعم ألماني ما خفف من معاناة السكان. وفي هذا الصدد تقول نعمى شريف " تُستخدم التقنية الألمانية في هذا المجال في كل بقاع العالم بسبب جودتها واعتمادها على الطرق الطبيعية وشبه الطبيعية في المعالجة، وأيضا لأنها تعتمد على الإمكانات المحلية لكل بلد على حدة وخصوصياته المناخية".
المعالجة بتقنية الأغشية البيولوجية
من بين التقنيات التي تستخدم في معالجة وتدوير مياه الصرف الصحي تقنية الأغشية البيولوجية (Biodek-Technology)، وتتجلى ميزتها في عدم الحاجة إلى مساحات شاسعة لإنشاء المحطات وأيضا بكلفتها المالية المناسبة. وتعتبر هذه التقنية بديلا جيدا لطرق المعالجة البيولوجية التقليدية التي تعتمد على الحمأة المنشطة والتهوية المطولة.
وتركز هذه التقنية حسب نعمى شريف على "تحميل الأغشية البيولوجية على أسطح بلاستيكية عند غمرها في الأحواض البيولوجية، إذ تتكون هذه الأغشية البيولوجية بسبب البكتيريا الموجودة أصلا، وهذا ما يؤمن سطح تماس كبير". والنتيجة هي "مياه بجودة عالية وبتكلفة مالية أقل". وتمر مياه الصرف الصحي عبر عدة مراحل، ففي البداية يتم تجميع المياه في حوض، تم تأتي مرحلة التصفية وإزالة الرمال والصخور وبعدها تأتي مرحلة الترسيب.
ويمكن للعوامل الطبيعية المحلية أن تساعد على إنشاء محطات معالجة بتكلفة مناسبة. وفي هذا الصدد تعطي نعمى شريف مثالا بمدينة خنيفرة المغربية: "في مدينة خنيفرة يتم استقبال مياه الصرف الصحي في المحطة بدون ضخ لتواجدها في منحدر جبلي وهذا يقلل كمية الطاقة المستهلكة، وبالتالي يقلل الكلفة المالية للمحطة".
الفلاحة أكبر مستفيد
يلجأ صغار الفلاحين في عدة دول عربية إلى الري بمياه الصرف الصحي غير المُعالجة لسد العجز في مياه الري الطبيعية. وتشير نعمى شريف إلى أن خطورة استعمال المياه غير المعالجة في الري تتجلى في "انتقالها إلى الإنسان عبر السلسلة الغذائية، وبالتالي احتمال الإصابة بأمراض وبائية معدية". أما مياه الصرف الصحي أو المياه الصناعية المعالجة فهي " تشكل بديلا للأسمدة ومحسنات التربة بالإضافة إلى أنها تزود التربة بالمواد العضوية اللازمة للنباتات". وتؤكد نعمى شريف أن العديد من الدراسات التي تم إنجازها في الدول العربية بينت "أن التربة في هذه البلدان فقيرة جدا على مستوى المواد العضوية"، وهو ما ينعكس على جودة المواد المزروعة.