تلفاز ناطق للمكفوفين بمبادرة كفيف لبناني
١ فبراير ٢٠١٥في البدء كانت الكلمة؛ جَلَس حسن شكرون وصديقه أمام التلفاز الحديث. الأول يرى ببصيرته ما يراه الثاني بعينيه. يجول الصديق في قائمة التلفاز لاستكشافه وقد ابتاعه من خارج لبنان منذ فترة وجيزة. يقرأ لقريبه الكفيف المثقف كل ما يظهر على الشاشة. في لائحة البرمجة كلمة إمكانية الوصول بالإنجليزية Accessibility. هذا التلفاز يتيح قراءة ما يظهر على الشاشة.
ما تقدمه كلمة accessibility بسيط "وأنا أتطلع إلى أبعد من ذلك"، يقول حسن. ويضيف: "فضولي دفعني إلى التواصل مع الشركة المنتجة، التي أبلغتني أن هذه التقنية ليست في الأساس للمكفوفين بل للعامّة، وليس لدى الشركة أي تلفاز خاص بذوي الاحتياجات الخاصة".
برأي شكرون، أهم ما يحتاجه الكفيف هو تحصين استقلاليته. ويتم ذلك بتقديم التسهيلات له ليعيش بسلام "دون منّة من أحد". وكدليل على إصراره وسعيه لتحقيق ما يحلم به، اختار الكفيف حسن العيش وحيدا منذ العام 1996 في بيروت، محاولا أن يثبت لنفسه أولا أن "فقدان البصر لا يعني العجز والاعتماد على الآخرين".
سنوات قضاها ممارسا أمورا لا يحبها، يقول: "درست التاريخ وأنا أحب الرياضيات. عملت موظفا على سنترال كي لا أمد يدي لأحد طالبا المساعدة. نقطة الفصل في حياتي كانت مع تعرفي إلى الكمبيوتر، فتعمقت به، والآن أحلم بتطوير التلفاز الناطق لتحقيق رغبة كل كفيف".
الكفيف الشغوف، شرح للشركة المنتجة للتلفاز الناطق أهمية تطوير الـ accessibility. اقترح على الشركة بعض المواصفات التي يحتاجها المكفوف كقراءة ترجمة الأفلام بالصوت والولوج من خلال التلفاز الناطق إلى الإنترنت وقراءة اليوتيوب".
ملاحظات حسن واقتراحاته دفعت الشركة إلى بدء العمل على التقنية. القيمون على هذه الشركة العالمية وعدوه بتحقيق أمانيه وضربوا موعدا معه لإنجازها و"لتصبح متاحة في الشرق الأوسط العام 2016".
"التقنية هذه لا تزال في بداية المشوار لكنها واعدة جدا"، تقول نيكول طعمة لـ DW، وهي صحافية لبنانية كفيفة، حدّثها حسن عن الصدفة التي قادته للتواصل مع شركة عالمية.
تجربة... وثقة
قبل العام 2000، كان عمل شكرون على الكومبيوتر محصوراً بالطباعة، لكنه سعى ووصل إلى برنامج يُحوِّلُ شرائط الأدوات على الحاسوب إلى أصوات تُبيّن للكفيف ما يجري. ويشرح أنه لإيجاد مثل هذا البرنامج "راسلت شركة صَخر المعنية بالبرمجيات، وكان الجواب أننا نفكر في إنتاج برنامج ناطق". ويتابع: "ادعيت حينذاك أنني رئيس جمعية، وأنني على استعداد لشراء 50 نسخة حتى يسرّعوا في إطلاق برنامجهم. في العام 2001 أطلقت الشركة أوّل نسخة من برنامج (إبصار) الناطق بالعربية وأرسلوا لي نسخة تجريبية لأقيّمه. بعد ذلك أصبحت الشركة تعتمد التقارير التقييمية التي أكتبها لكل إصدار جديد قبل نزوله إلى الأسواق. وأنا اليوم وكيل لهذه الشركة في لبنان".
حلم اليقظة... يتحقق
نيكول طعمة، لا تخفي فرحها بالـتلفزيون الناطق وترى في "صُدفَة حَسَن" بشرى سارة لكل مكفوف. وتقول إنها تواصلت أكثر من مرة مع مقدمي برامج تلفزيونية متمنية عليهم عدم استخدام عبارات مثل: "اتصلوا بنا على الرقم الظاهر على الشاشة"، فلنا كمكفوفين الحق بمعرفة كل ما يجري وكل ما يظهر على الشاشة، ومن الأفضل ذكر الرقم بصوت مقدم البرنامج". الأمر لا يقتصر على التلفاز، فالذهاب الى السينما أمر ممل جدا برأي الصحافية طعمة "حيث تجد أنك لا تتفاعل مع الأفلام لأنك لا تسمع ما يُترجم على الشاشة".
83% نسبة البطالة لدى المكفوفين
نيكول طعمة، صحافية معروفة لبنانيا. حسن شكرون بات شهيرا بابتكاراته البرامجية، وهو إلى ذلك كان أول رئيس دائرة في الجامعة اللبنانية، لكن ماذا عن المكفوفين في سوق العمل، وهل ابتكاراتهم مُقدّرة؟ DW عربية سألت عميد التعليم الدامج في جامعة الكفاءات في بيروت إبراهيم عبد الله، وهو أيضا نائب رئيس رابطة الجامعيين اللبنانيين المكفوفين، فقال: "نسبة البطالة في صفوف المكفوفين تبلغ 83% في عمر العمل".
التقنية، لا تميز بين كفيف في سوق العمل، وآخر بعيد عنه. التلفاز الناطق لا بد أن يثير اهتمام شريحة واسعة من ذوي الحاجات الإضافية في لبنان والعالم. الكل ينتظر. حسن بادر وتواصل مع شركة عالمية وأخذ منها الوعد. نيكول الصحافية تنتظر بشغف، ومثلها كثر ممن يتمسكون بمقولة لانفستون هيوز: "تمسك جيدا بأحلامك، فإذا ماتت الأحلام باتت الحياة طائرا بلا جناحين مقيدا إلى الأرض"