توافق حزب النهضة مع المعارضة، هل يجعل تونس نموذجا؟
١٤ يناير ٢٠١٤تنظر النخبة الحاكمة في تونس إلى بلدها الذي قاد ثورات الربيع العربي على أنها الشمعة المضيئة التي بقيت في المنطقة ما يحتم عليها النجاح في عملية الانتقال الديمقراطي. وعلى الرغم من المطبات العديدة التي مرت بها تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس من اغتيالات واحتجاجات في الشوارع والتباطؤ في تنفيذ استحقاقات الثورة، فإن المؤشرات الحالية من اعتماد التوافق السياسي لانتقال السلطة إلى حكومة مستقلة والاستمرار في المصادقة على دستور نموذجي تعطي أملا قويا لنجاح التجربة التونسية، مع ان هناك تحفظات عديدة حول الحديث عن نموذج تونسي مقارنة بباقي دول الربيع العربي.
خصوصية التجربة التونسية
يعتقد المحلل السياسي نور الدين المباركي في حديثه مع DW عربية أن "كل دولة من دول الربيع العربي كان لها مسارها الخاص المرتبط بظروف اندلاع حركة التغيير فيها والقوى الفاعلة في عملية التغيير". وهو يرى ان التجربة التونسية لها خصوصيتها "فالثورة انطلقت من الفئات المهمشة والمدن المحرومة من التنمية دون توجيه من الأحزاب السياسية لذلك سميت "ثورة بلا رأس"، بعد 14 جانفي(يناير) 2011 تسلمت الأحزاب العملية السياسية لتحقيق أهداف الفئات المفقرة والمحرومة".
ويحسب للثورة التونسية انها قدمت للعالم بعد أشهر قليلة فقط من اندلاعها أول انتخابات ديمقراطية نزيهة وفقا للمعايير الدولية في المنطقة العربية مكنت الاسلاميين من الصعود إلى السلطة واكتساح المجلس الوطني التأسيسي بفارق مريح في الأصوات. لكن افتقاد الإسلاميين إلى الخبرة السياسية في إدارة شؤون الدولة فضلا عن الصراع الداخلي بين أجنحة الحزب الحاكم حركة النهضة الاسلامية، بين جناح معتدل وآخر محافظ، أجج شعورا بخيبة الأمل لدى شق هام من التونسيين في الشارع.
ووضعت الاغتيالات السياسية وتصاعد الارهاب وتباطئ البرامج التنموية ونسب البطالة المرتفعة في صفوف الشباب، المسار الانتقالي برمته على المحك لولا الانتهاء في نهاية المطاف بالتوافق بين السلطة والمعارضة حول خارطة طريق تقضي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة محايدة للاشراف على ما تبقى من المرحلة الانتقالية بما في ذلك الانتخابات المقبلة.
وبينما تعتبر حركة النهضة الاسلامية تخليها عن الحكم تنازلا سياسيا وإراديا "إعلاء للمصلحة الوطنية العليا"، فإن المحلل السياسي نور الدين المباركي يرى بأن هذه الخطوة تتويج موضوعي لفشل الائتلاف الحاكم في ادارة الدولة وعدم تحقيق الأهم في مطالب وأهداف الثورة، إلى جانب تصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتواصل الضغط الاجتماعي من خلال الاحتجاجات خاصة في المناطق المهمشة.
ويقول المباركي "إن تجربة انتقال السلطة في تونس يمكن ان تكون نموذجا فقط للبلدان التي عرف مسار التغيير فيها ما عرفه مسار الثورة التونسية"، فهو فلا يعتقد أن هذه الطريقة يمكن ان تنجح في سوريا بسبب عسكرة الثورة وتحرك المجموعات المتشددة دينيا وتدخل القوى الاقليمية في النزاع. ولا يمكن أيضا ان تكون التجربة التونسية، برأي المباركي مثالا للتجربة الليبية "التي فرقتها الميليشيات المسلحة في ظل حضور ضعيف ومحدود للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني".. ويستدرك قائلا"كان يمكن ان تكون التجربة المصرية قريبة من التجربة التونسية لكن تحويل الإخوان المسلمين لمسار الثورة المصرية واحتكارهم لها جعل الخيار مختلفا".
اذ يعزو محللون، اختلاف التجربتين التونسية والمصرية ، لاختلاف أداء حزب النهضة الإسلامي في الحكم بتونس عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بالاضافة إلى اختلاف معطيات وخصوصيات المجتمع المدني في البلدين، ناهيك عن دور مختلف يلعبه الجيش بقوة في الحياة السياسية في مصر عن دور حيادي يضطلع به الجيش التونسي.
توافق في ظل اهتزاز منسوب الثقة
ومع ان الفرقاء السياسيين في تونس توصلوا ضمن الحوار الوطني إلى ايجاد آلية تضمن عدم انتكاس الانتقال الديمقراطي في البلاد عبر التشديد في "خارطة طريق" على الدفع بشكل متلازم بين كل المسارات وهي استقالة الحكومة التي يقودها حزب النهضة الإسلامي، وإنهاء المصادقة على الدستور وترتيب الانتخابات المقبلة، فإن منسوب الثقة مازال مهزوزا بين الاطراف المتحاورة بينما لا تزال المخاوف قائمة من حصول أي انزلاق جديد من شأنه ان يوجه ضربة قاصمة للديمقراطية الوليدة.
وحاول رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي توجيه رسالة تطمين لانصار الحزب عندما صرح بأن انتقال السلطة إلى حكومة كفاءات لن يلغي الشرعية الانتخابية ولن يخرج النهضة من الحكم. لكن محرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي عن كتلة حركة النهضة لا تخفي في حديثها لـDW عربية عن مخاوفها من ان يؤدي أي تجاوز للشرعية الانتخابية إلى الانتقال لحكم الأمر الواقع.
وتقول محرزية "هذا الأمر وارد وكنا حذرنا منه في حركة النهضة. لكننا تعودنا دائما على احترام العهود والسيد علي العريض رئيس الحكومة تصرف بمقولة 'أنجز حر ما وعد'. وبالتالي نحن التزمنا بخارطة الطريق للحوار الوطني ونفذنا التزامنا وننتظر في المقابل بقية التونسيين من سياسيين ورجال دولة وأمنيين وجيش ان يكونوا في مستوى هذا الالتزام وان نرتقي بمستوى الثقة فيما بيننا ونتجنب السقوط في مربع العنف".
وربما يحتاج الأمر إلى الانتظار حتى انطلاق عمل حكومة رئيس الوزراء الجديد، المستقل، المهدي جمع، وتنفيذ باقي بنود خارطة الطريق للوقوف على المسار الذي تتجه نحوه التجربة التونسية ومدى جدية الحديث عن مخاوف من حصول انزلاق ما.
الأمل في حكومة جمعة وخارطة الطريق
ويقول سفيان الشورابي الناشط السياسي بمنظمة "الوعي السياسي" لـDW عربية "صراحة لا أتوقع أن يكون هناك أي نية للانقضاض على الشرعية الانتخابية. فالمجلس التأسيسي سيواصل عمله وهو الذي تبقى لديه سلطة إقالة الحكومة في صورة انحرافها عن مهامها. ولكن في كل الحالات المرجو أن لا يتحول التأسيسي إلى معرقل أو عائق للقرارات التي سيتخذها مهدي جمعة في اطار خريطة الطريق".
وفي الواقع فإن المخاوف متبادلة، ذلك ان الأحزاب المعارضة تخشى من ان تعمد الأغلبية الحاكمة في المجلس التأسيسي بعد خروجها من الحكم إلى إعاقة عمل حكومة المهدي جمعة او حتى سحب الثقة منها متى أرادت ذلك وهو ما دفع هذه الأحزاب إلى المطالبة بتعديل النظام المؤقت للسلط العمومية لتحديد مهام التأسيسي بعد المصادقة على الدستور وحتى لا يتم سحب الثقة عن حكومة المهدي جمعة المقبلة بأقل من أغلبية الثلثين.
كما تنتظر المعارضة مدى التزام الحكومة الجديدة ببنود خارطة الطريق المرتبطة بمكافحة الارهاب ودفع التنمية في المناطق الفقيرة ومراجعة التعيينات الحزبية وغيرها من المطالب.
ويقول الشورابي "حتى يتم توفر شروط نجاح حكومة مهدي جمعة من المهم توفر شرطان مهمان: أن تتوافق مختلف الأحزاب السياسية على منح رئيس الحكومة كل الصلاحيات له من أجل تطبيق جميع بنود خريطة الطريق وعلى رأسها مراجعة التعيينات وحل لجان حماية الثورة وتحييد المساجد. والشرط الثاني هو أن تتفق مختلف المكونات الحزبية على خريطة طريق أخرى اقتصادية تضع أهم الخطوات المستعجلة لمعالجة الكثير من القضايا التنموية التي فشلت الحكومات السابقة في ايجاد حلول لها".