تونس- تعويضات لضحايا الدكتاتورية: جبر للضرر أم نهب للأموال؟
٢٤ أغسطس ٢٠١٢في 28 تموز/يوليو 2012 استقال وزير المالية حسين الديماسي من منصبه احتجاجا على اعتزام الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية إصدار قانون يجيز صرف تعويضات مادية لآلاف من السجناء السياسيين السابقين (أغلبهم من حركة النهضة) والمشمولين بـ"مرسوم (قانون) العفو العام" الصادر في 19 فبراير/شباط 2011.
وإثر استقالة الديماسي تظاهر مئات الأشخاص أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) للتحذير من المصادقة على قانون "التعويض" فيما أشارت وسائل الإعلام وخبراء اقتصاد إلى التداعيات السلبية لهذا المشروع على اقتصاد البلاد الذي يعاني من الركود، كما عجت شبكات التواصل الاجتماعي بالاحتجاجات.
وتحت ضغط الرأي العام أعلنت الحكومة إرجاء البت في موضوع التعويضات إلى أجل غير مسمى لكنها وعدت بـ"الإيفاء بالتزاماتها" تجاه المشمولين بمرسوم العفو العام الذي يعطي لمن سُجِن أو طرد في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على أساس نشاط نقابي أو سياسي „الحق في العودة للعمل وفي طلب التعويض طبقا لإجراءات وصيغ يحددها إطار قانوني خاص"
"النهضة تستغل وجودها في الحكم لتسوية وضعية مناضليها".
قال حمة الهمامي أمين عام "حزب العمال" التونسي المعارض في تصريح لـDW /عربية إن حركة النهضة "تستغل وجودها في الحكم لتسوية أوضاع مناضليها" الذين سجنوا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وذلك "على حساب أولويات البلاد" التي تشكو من انكماش اقتصادي وشح في الموارد المالية ومن ارتفاع في نسب البطالة (19 %) والفقر (25 %) وغلاء المعيشة.
وأشار الهمامي في هذا السياق إلى تصريح للحبيب خذر نائب حركة النهضة في المجلس التأسيسي قال فيه:"مناضلو حركة النهضة هم أكثر من شُرّدوا وُذّبوا وانتهكت أعراضهم وشتّت عائلاتهم. الآن وحركتنا في الحكم، لا يمكن لها إلا أن تعوض النزر القليل من عذاب الإخوة والأخوات الذين جاهدوا في سبيل نصرة الإسلام وإعلاء راية الحق".
تعويضات و جبر للضرر
يقول عامر العريّض القيادي في حركة النهضة إن التعويض لن يكون على النضال ولا على التضحيات بل على "الأضرار" التي لحقت بآلاف التونسيين بسبب انتماءاتهم الإيديولوجية والسياسية.
العريض أشار في تصريح لـDW /عربية إلى أن التعويض لن يشمل سجناء حركة النهضة فقط بل كل ضحايا الاستبداد من يساريين وقوميين ونقابيين وصحافيين ومحاميين.
صحيفة "الفجر" الأسبوعية الناطقة باسم حركة النهضة قالت إن "جبر الضرر والتعويض للمتضررين وضحايا الظلم والتعذيب حق من حقوق الإنسان تكاد تجمع عليه الأمم وقوانينها، ومن أبسط هذه القوانين ما يعرف بالتعويض عن الطرد التعسفي من العمل وحق التعويض عن سوء المعاملة وعن التعذيب وعن الاعتقال غير القانوني".وذكرت الصحيفة بأن الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية ينص على انه "لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض".
ونددت "التنسيقية الوطنية لتفعيل العفو العام" ( جمعيات ضحايا الاستبداد) في بيان أصدرته يوم 17 أغسطس/آب بـ"خضوع الحكومة لضغط القوى السياسية المناهضة لتفعيل قانون العفو العام" وبـ"تحويل الموضوع إلى ملف اجتماعي تحل فيه مشكلة بعض المحتاجين".
ولوحت التنسيقية بـ"الرجوع الى القضاء الدولي إذا لم ينصفها القضاء المحلي" في مطلبها بتفعيل العفو التشريعي العام.
التعويضات ستعمق من عجز الميزانية
وكان وزير المالية المستقيل حسين الديماسي قد أعلن أن الحكومة تعتزم صرف أكثر من مليار دينار (حوالي 500 مليون يورو) لتعويض السجناء السياسيين السابقين. واعتبر الديماسي أن قانون التعويض الذي تريد الحكومة اصداره سيكون "أخطر انزلاق" محذرا من أنه "سيفرز نفقات إضافية خانقة للمالية العمومية بالنظر الى العدد الضخم من المستفيدين والحجم المهول للتعويضات المنتظرة".
وأعلن سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية إن حوالي 12 ألف شخص طالبوا حتى الآن بتعويضات. ويتوقع مراقبون أن يصل العدد إلى 30 ألفا أو أكثر. وبحسب سهام بن سدرين رئيسة مركز تونس للعدالة الانتقالية (غير حكومي) أعيد حوالي 5 آلاف تونسي إلى وظائفهم التي طردوا منها لأسباب سياسية. وقالت بن سدرين في تصريح صحفي إن هؤلاء يطالبون الدولة بإعادة تقييم مسارهم المهني وبتسديد مستحقات الصناديق الاجتماعية المستحقة والمقدرة بحوالي 200 مليون دينار (100 مليون يورو)، معتبرة أن صرف الدولة لهذا المبلغ "مغامرة".
في هذه الأثناء حذر تقرير أصدره البنك المركزي التونسي نهاية يوليو/تموز من أن عجز ميزانية الدولة خلال 2012 قد "ينزلق بشكل حاد أمام تصاعد النفقات " ويتجاوز 6,6 % من الناتج المحلي الإجمالي (وهي النسبة التي توقعتها الحكومة عند إعداد ميزانية 2012).
تبرعات وهبات أجنبية للتعويض
الرفض الشعبي لفكرة التعويض دفع بالحكومة إلى التفكير في انشاء صندوق خاص بالتعويضات تتأتى موارده من هبات دول صديقة مثل قطر ومن منح منظمات دولية.غيرهذا المقترح قوبل أيضا بالرفض لأن السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني قد تكون تحت وطأة الأطراف التي ستتبرع بالتعويضات.
ويتساءل حمة الهمامي:"بأي حق يُعَوَّضُ لسجناء هذه البلاد من دول أجنبية ومن قطر بالذات؟" ويضيف: "هل عوضت قطر والسعودية وغيرها من بلدان الخليج الاستبدادية لسجنائها؟ وهل اعترفت لهم أصلا بحقوقهم وحقوق شعوبهم حتى تأخذ مهمة تعويض السجناء التونسيين؟" وأضاف أن "الدولة التونسية هي المسئولة أولا وأخيرا عن جبر الأضرار التي لحقت بأبنائها وبناتها "
"اختزال مسار العدالة الانتقالية في التعويض"
تعتبر سهام بن سدرين أن إحلال عدالة انتقالية حقيقية في تونس يدعو الى إيجاد تصنيف "سليم" لضحايا الاستبداد وتحديد حجم الضرر وفق معايير تحددها هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية، والكشف عن الجناة والجلادين ومحاسبتهم، على أن يكون التعويض آخر مراحل مسار العدالة الانتقالية.
بن سدرين صنفت ضحايا الاستبداد في تونس إلى ثلاثة أصناف: الشعب الذي عانى من الدكتاتورية، ثم المناطق المحرومة من نصيبها في التنمية على مدى عقود طويلة، وأخيرا "الضحايا الأفراد" الذين سجنوا أو اضطهدوا. ولاحظت النشطة الحقوقية أن الحكومة لم تعترف سوى بـ"الضحايا الأفراد" أي السجناء السياسيين، كما اعتمدت معيار سنوات السجن كمقياس لتحديد قيمة الضرر في حين أن هناك ضحايا لم يسجنوا وتم ظلمهم بشكل أشد من المساجين. وخلصت رئيسة مركز تونس للعدالة الانتقالية إلى أن هذا المعيار يختزل مسار العدالة الانتقالية في التعويض المادي لصنف واحد من الضحايا، ويلغي مسار كشف الحقيقة.