تونس ـ زواج المسلمة من غير المسلم بين الترحيب والمعارضة
١٩ أغسطس ٢٠١٧تستمتع أميرة بعلاقتها مع حبيبها غير المسلم، وهي الآن يمكنها أن تحلم على المدى المنظور بنهاية سعيدة لهذه العلاقة دون منغصات قانونية وحواجز دينية.
حتى وقت قريب كان هاجس الفشل والمجهول يعتريان الكثير من الفتيات التونسيات المرتبطات بأجانب من غير المسلمين ومن بينهن أميرة فرحات البالغة من العمر 31 عاما وهي تعمل في قطاع التجميل.
ففي بلد يعد الأكثر علمانية في المنطقة العربية والإسلامية والأكثر ارتباطا بالفضاء الأوروبي فإن الاستمرار في اعتماد قوانين مانعة لزواج النساء بغير المسلمين يعد أمرا غير مستساغا للغالبية من قبل جيل الشباب اليوم. لكن الآن وبعد دعوة الرئيس الباجي قايد السبسي بمراجعة تلك القوانين بمناسبة الاحتفاء بالعيد الوطني للمرأة سيتسنى لأميرة والآلاف غيرها بناء آفاقا واضحة لحياتهن العاطفية.
وتعتبر أميرة في حديثها مع DW عربية أن المنشور رقم 73، وهو القانون الذي يفرض شروطا على زواج المرأة التونسية بأجنبي ويمنع بشكل صريح اقترانها بغير المسلم، جاء ليسلب حقوق المرأة ويرسخ المجتمع الذكوري على الرغم من المدونة القانونية المهمة بتونس والتي تمنح حقوقا واسعة للمرأة منذ خمسينات القرن الماضي.
وتقول أميرة في حديثها "إذا كنا نريد فعلا مساواة تامة بين الجنسين فيجب فصل الدين عن الحياة الخاصة. عائلتي ليست معترضة على علاقتي فلماذا يمنعني هذا المنشور؟ الوضع سيء وكان على الدولة والحكومة ان تهتم بمشاكل اخرى اكثر اهمية للبلاد بدل تضييق الخناق على الحقوق الناس".
وليست أميرة وحدها من تبدي انزعاجا من القوانين المانعة للارتباط بغير المسلمين فغالبية من تحدثت DW عربية معهن كن أكثر شراسة في الدفاع عن حقهن في الاختيار بغض النظر عن الاختلافات الدينية والثقافية، وحتى بعض الملتزمات دينيا أبدين اعتراضا على المنشور لجهة أنه يتضارب من حيث المبدأ مع حق الاختيار.
الخلفية الدينية ليس معيارا للسعادة واختيار الشريك
هنيدة جرار فتاة (23 عاما) وهي فتاة محجبة وطالبة في اختصاص علم النفس لا ترى مانعا في الغاء المنشور 73 وهي تعتبر أن اختيار الزوج من صميم الحريات الشخصية للمرأة، بل أنها لا تلغي فكرة أن ترتبط برجل ليس مسلما، وهو خيار مطروحا بالنسبة إليها.
وفي تعليقها على ذلك تشير هنيدة لـDW عربية "كل شخص حر في اختيار شريك حياته. إذا اخترت شريكا لحياتي فلأنني آمنت بأشياء فيه وليس لخلفياته الدينية. حدثت ثورة في هذا البلد ويتعين علينها أن نكون اكثر انفتاحا وتسامحا مع الآخر".
وتضيف هنيدة "لا يمكنني أن أفرض على رجل دخول دين بعينه كشرط مسبق للارتباط، هذا اضطهاد لحقوق الانسان".
وحسب وجهة نظر هنيدة فكونها طالبة باختصاص علم النفس فإن الزواج القائم على التنوع الديني سيكون عنصر قوة وثراء للأبناء فيما بعد وسيمنحهم برأيها هامشا أوسع لاختيار الديانة الأنسب عن اقتناع ودون توريث على حد اعتقادها.
وتفضل أغلب الفتيات في تونس ترك الجدل الديني جانبا عند الحديث عن اختيار زوج المستقبل ولا تبدو الديانة لدى الغالبية على الأقل في صدارة الشروط أو المواصفات المنتظرة في شريك الحياة، وحجتهن في ذلك أن التماثل الديني بين الجنسين لا يضمن وحده في كل الأحوال السعادة والتجانس بين الزوجين.
ترفض مثلا ياسمين شلبي (20 عاما) طالبة فنون جميلة أن توضع العلاقات والزواج بين الجنسين على المحك الديني وهي تقول إن فصل الدين عن الحياة الخاصة أمر مهم لاستمرار العلاقات الانسانية أيا كانت طبيعتها.
وتوضح ياسمين لـDW عربية "سيكون من باب التعسف فرض دين على شريك الحياة خاصة إذا لم يكن مقتنعا بذلك. إذا كان زوجي مسيحيا فأفضل أن يكون حرا بين الاحتفاظ أو تغيير ديانته لن أكون مهتمة لهذا الأمر".
وأبعد من ذلك لا تخفي الكثير من التونسيات التبعات الايجابية التي يمكن ان تلحق جزء كبير من المجتمع التونسي عبر الغاء القوانين المقيدة لحق الزواج، إذا ما تم ربط ذلك بحالة العزوف عن الزواج الشائعة بين الشباب التونسي والوضع الاقتصادي الصعب في البلاد والتي تعمقت خاصة خلال فترة الانتقال السياسي منذ 2011.
إلغاء اقيود عملية لا تخلو من التعقيد
وتوضح بية بن عمار (24 عاما) وهي طالبة انجليزية في قسم الترجمة أن حالة الاحباط التي تعم الشباب في تونس بسبب الصعوبات الاقتصادية وضيق الآفاق تدفع الفتيات الى التفكير بفرص أرحب للاقتران بشريك الحياة، لكنها لا تغفل في المقابل أهمية ان تكون العلاقات مبنية على الحب في المقام الأول.
وتشير بية إلى DW عربية "أحب الرسول زوجاته بما في ذلك زوجته اليهودية. ما الذي يمنع المرأة من أن تحب وترتبط بالشخص الذي تختاره. نحن الشباب نعيش تحت الضغط يكفينا ما نعانيه من احباط. اتركونا نختار حياتنا".
تعتبر الممثلة وحيدة الدريدي في حديثها مع DW عربية بأن المسألة لا تخلو من التعقيد بسبب تداخل عنصر العقيدة والعامل النفسي والحضاري لكنها ترى أن الغاء القانون سيسمح بالكشف عن النفاق الديني لبعض من يعلنون اسلامهم عن غير قناعة.
والممثلة وحيدة مرتبطة بزوج فرنسي تحول إلى دين الاسلام بحسب ما ينص عليه المنشور 73. وينظر في الوسط الفني بتونس لهذا الزواج كأثر النماذج الزوجية المختلطة نجاحا.
وتضيف وحيدة في تعليقها "يبقى الاشكال في الأبناء. أي ديانة ينتمون. هناك قانون اليهوديات حيث الديانة تتبع الام مهما كانت ديانة الاب . أما عن المسلمات فبإسلام الزوج ان كان مقتنعا سيسلم الأبناء. بالنسبة إلي فإن الطرح ومقابله يتطلب كثيرا من العقلانية".
تصحيح واقع اجتماعي
توضح الجمعية التونسية للدفاع عن الأقليات أن الغاء المنشور عدد 73 يتوافق في الواقع مع ما جاء به الدستور من حرية الضمير والمعتقد والمساواة بين الجنسين ولكنه حسب تفسيرها سيسمح أيضا بإعلاء مكانة الدين على عكس ما يشاع لدى الطبقة المحافظة من رجال الدين.
وتفسر رئيسة الجمعية يمينة ثابت لـDW عربية ذلك قائلة "يصبح الزواج شرعيا بين المرأة التونسية المسلمة والرجل غير المسلم بمجرد ان يطلق الأخير الشهادتان باللغة العربية امام مفتي الديار. وهو أمر شكلي وسخيف ولا يعكس حقيقة اقتناع الزوج بديانته الجديدة".
وفي الواقع تتجاوز اهمية الغاء المنشور الجانب الحقوقي إلى تصحيح واقع اجتماعي يكشف عن الكثير من المشاكل التي تتخبط بها نساء تونسيات اقترن بأزواج غير مسلمين خارج البلاد، ولم يتسن لهن تسجيل عقود زواجهن داخل تونس لأن تلك العقود في نظر القانون التونسي غير معترف بها ما يجعل وضع تلك العائلات برمته معلقا.
وتضيف يمينة ثابت في تعليقها "المجتمع المدني تحرك لتصحيح هذا الوضع. لا نريد ان يكون وضع التونسيات مثل اللاجئات الباحثات عن اعتراف بعقود زواجهن خارج تونس".
"خروج عن الإسلام"
لكن من جهة أخرى هناك من يعترض على مقترح الرئيس السيسي، فبالنسبة لنائلة العثماني (36 عاما) وهي أم لبنتين وتعمل بقطاع التمريض، فهي تمني النفس بأن يتم العدول عن أي قرار بإلغاء المنشور عدد 73.
وتفسر نائلة لـDW سبب رفضها قائلة "من الطبيعي أن أرفض مثل هذه المبادرة. إنه أمر مرفوض شرعا فالقرآن الكريم حرم هذا الزواج تحريما واضحا. وهو أمر ليس فيه التباس ولا يحتمل الاجتهاد أو التأويل كما بين ذلك علمائنا الأفاضل".
كما تضيف نائلة في تعليقها "كان يتعين على الرئيس أن يبدو اهتماما أكبر بمسائل حقيقية ترتبط بأوضاع المرأة المكافحة في المصانع والمناطق الريفية. الزعيم بورقيبة باني الدولة الحديثة لم يطرح هذه الخطوة. اليوم يريد الرئيس أن يدخلنا في مشاكل ما لا نهاية لها".
من جهتها ترى أيضا عزة قربي (35 عاما) وهي موظفة في القطاع الحكومي أن كلام الله في القرآن جاء ليحفز البشرية إلى التقارب لكنه حسب رأيها وضع أيضا حدودا لذلك فهو يقول من جهة "وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" ومن جانب آخر هو يقول "ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم".
وتوضح قربي لـDW عربية قائلة "لا أميل إلى تأويل القرآن لكن أظن أن الله يسر الأمر ولم يعسره حيث أنه وضع خيارا أمام المسلم".
وعمليا لا تبدي عزة قبولا أو اعتراضا للقوانين المقيدة لحرية اختيار الزوج حتى وأن كان غير مسلم، لكنها تشدد على أهمية القيم الإنسانية التي أجمعت عليها جميع الكتب السماويةز
لا يزال الدرب طويلا أمام بية والفتيات في تونس للحصول على حقهن في حرية اختيار شريك الحياة بشكل كامل ودون أي اشتراطات ذلك أن الطبقة المحافظة من رجال الدين بدأوا بالفعل بالتلويح باعتراضات صارمة ضد مبادرة الرئيس السبسي التي أطلقت جدلا دينيا تجاوز حدود الوطن ووصل صداه حتى جامعة الأزهر العريقة.
ومع أن كلام السبسي لقي تأييدا من دار الإفتاء بخصوص أحكام الميراث وزواج المرأة من غير المسلم، إلا أنه لم يسلم من انتقادات صارمة صدرت عن مشايخ من جامع الزيتونة،وخاصة من مفتي الديار السابق حمدة سعيد ووزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي. وقال مفتي الديار السابق حمدة سعيد "هل يحق له (الرئيس) التدخل في مثل هذه القضايا التي ثبتت بالقرآن القطعي متنا وسندا. هذه نصوص لا يجب أن نحوم حولها"، وفقا لما نقلت عنه وكالة الأنباء الأالمانية. وأضاف سعيد "التسوية في الميراث وزواج المسلمة من غير المسلم، هذا لا أقول به ولا ينبغي لأحد أن يقول به. هذا خروج عن الإسلام".
تونس – طارق القيزاني