تونس-منظمات وشخصيات معنية بحقوق المهاجرين تحت ضغط السلطات
١١ مايو ٢٠٢٤تشتد وطأة المناخ المناهض للمهاجرين كل يوم في تونس وتستمر السلطات باستهداف منظمات وأعضاء منظمات معنية بدعم حقوق المهاجرين، إذ ألقت الشرطة التونسية القبض على المدير السابق لجمعية ”تير دازيل تونس" يوم الثلاثاء 7 أيار/مايو، ووضعته قيد الحجز مدة 5 أيام.
وقبلها بيوم اعتقلت السلطات رئيسة جمعية ”منيمتي" المناهضة للعنصرية، سعدية مصباح، وفتشت الشرطة منزلها. وبحسب وسائل الإعلام التونسية، ألقت الشرطة القبض على الناشطة المناهضة للعنصرية، وهي تونسية ذات بشرة داكنة، للاشتباه في تورطها "بغسل الأموال".
وقرّر القضاء التونسي التحفظ على مصباح، على ما أفادت المنظمة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الثلاثاء. وقال رئيس الرابطة بسام الطريفي لوكالة فرانس برس إنه صدر قرار بـ"الاحتفاظ بسعدية مصباح خمسة أيّام على ذمة البحث". ونقلت وسائل إعلام محلية أن الشرطة أوقفت مصباح ليل الاثنين الثلاثاء وتحقق معها "في جرائم مالية".
انتقادات حادة من سعيد
ولم تتضح بعد أسباب القرار الذي جاء بعد ساعات من تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيّد يهاجم فيها منظمات تدافع عن حقوق المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وقال سعيّد الاثنين خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي "الجمعيات التي تتباكى اليوم وتذرف الدموع في وسائل الإعلام تتلقى بدورها أموالا طائلة من الخارج". وأضاف "الذين يقومون على هذه الجمعيات أكثرهم خونة وعملاء، وعلى الهيئة المكلفة بالتحاليل المالية أن تقوم بدورها".
وكانت سعدية مصباح وجمعيتها في الخطوط الأمامية للدفاع عن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس بعد خطاب ألقاه الرئيس التونسي قيس سعيد في شباط/فبراير 2023، أدان فيه وصول "جحافل من المهاجرين غير الشرعيين". كما قال الرئيس التونسي قيس سعيد خلال اجتماع يوم الاثنين 6 أيار/مايو، إن بلاده ”لن تكون أرضا لتوطين هؤلاء الأشخاص" و”ستتأكد من ألا تكون نقطة عبور".
كما هاجم الرئيس ”الجمعيات والمنظمات" التي تتلقى ”مبالغ كبيرة من الخارج" من دون ذكرها بالاسم. مضيفا ”هذه الجمعيات تتذمر وتذرف الدموع في وسائل الإعلام، وأغلب قادتها خونة ومرتزقة".
وقال إن "الأموال تتدفق بحرية لهؤلاء الأشخاص وأولئك الذين يدعون أنهم يدافعون عنهم. وأشار سعيّد مرارا إلى ما أسماه بـ "التمويلات المشبوهة" للمنظمات الناشطة في بلاده، داعيا إلى التحقيق فيها".
كما أثا سعيد موضوع مطالب تدعو إلى إيواء المهاجرين في غرف الفنادق كانت نشرتها إحدى المنظمات، وفق موقع ”بيزنس نيوز"، وقال باحث تونسي متخصص في الهجرة لمهاجر نيوز ”أشعلت تلك الدعوة شبكات التواصل الاجتماعي، واستعملت لتأجيج خطاب الحكومة التونسية" المناهض للهجرة.
وطُرد العديد من المهاجرين غير القانونيين من منازلهم ووظائفهم في الأشهر التي أعقبت خطابا ألقاه سعيّد في شباط/فبراير 2023، ودان فيه وصول "جحافل من المهاجرين غير الشرعيين" من دول إفريقيا جنوب الصحراء في إطار "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية" للبلاد.
"لن نكون كبش فداء"
وفي بينا لها، قالت جمعية "منامتي" المعنية بمناهضة العنصرية والدفاع عن حقوق المهاجرين: "إن فرقة أمنية أوقفت رئيسة الجمعية بعد تفتيش منزلها، ومن ثم تم اقتيادها مع مدير المشاريع زياد روين إلى مقر الجمعية الذي وقع تفتيشه أيضا",
كما أكدت الجمعية رفضها أن "تكون كبش فداء وشماعة لغياب مقاربة وحلول وطنية لمسألة الهجرة غير المنظمة" مطالبة بالإفراج الفوري عن رئيسة الجمعية. وقالت وسائل إعلام محلية إن توقيف مصباح جاء على خلفية شبهات "في جرائم مالية
بدوره، قال رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة، إن التعامل مع الأعداد المتزايدة من المهاجرين غير النظاميين "يأتي في إطار احترام المواثيق الدولية والقانون الإنساني، وأن هؤلاء الأشخاص يلقون الرعاية التّامة التي تليق بكرامة الأنسان على الرغم من أن تونس لم تحصّل على أي دعم مالي من المنظمات الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان".
وأضاف، خلال جلسة مخصصة لمناقشة الأمر، أن "البرلمان حريص على الدفاع عن حقوق الشعب وأمنه، والدولة بمختلف مؤسساتها تتعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية في كنف احترام المواثيق الدولية. كما أن الدولة موحّدة وتعمل في انسجام وتناغم تامّين خدمة للمصلحة العليا للوطن".
يأتي ذلك فيما دعا برلمانيون إلى تشكيل لجنة للتحقيق في ظاهرة الأعداد المتزايدة من المهاجرين الأفارقة والهجرة غير النظامية، معتبرين أن هذ الظاهرة "أصبحت مهددة لأمن سكان مناطق كثيرة داخل البلاد".
انتقادات من عائلة مصباح
وانتقد الفنان صلاح مصباح إيقاف شقيقته واتهامها بتمويل توطين مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس. واعتبر مصباح في تصريحات نشرتها "بوابة تونس" أنّ اتهام شقيقته غير مبرر وظلم في حقها ونكران لجهودها في مناهضة العنصرية على أساس اللون في البلاد.
وأضاف مصباح في تصريح لإذاعة IFM أنّ اتهام شقيقته وعائلته بالخيانة من قبل أحد المحلّلين الداعمين للسلطة، أمر غير مقبول، وأشار إلى أنّ الأمر تحوّل إلى حملة عنصرية ضد عائلته، قائلاً: "هل دافعتهم عن تونس أكثر مني وأختي وعائلتي؟”. وأضاف: "لم أعد في مأمن في بلدي".
وعبّر صلاح مصباح عن استغرابه من تتبّع السلطات شقيقته واتهامها بتبييض الأموال "بينما دخل آلاف المهاجرين بطريقة غير نظامية دون أن تلاحظهم".
وقفة احتجاجية
ويوم الخميس 9 مايو/أيار 2024 شارك نشطاء من المجتمع المدني في وقفة احتجاجية، أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس للتنديد بالسياسات الأوروبية في مكافحة الهجرة غير النظامية.
وترفض منظمات مدافعة عن حرية التنقل الضغوط الأوروبية لتشديد المراقبة على طول السواحل التونسية ومنع تدفقات الهجرة غير النظامية بجانب القيود المفروضة أصلاً على الهجرة النظامية.
وقال عماد سلطاني رئيس جمعية "الأرض للجميع" لوكالة الأنباء الألمانية "نريد أن نقول لا للسياسات الاستعمارية المتسببة في تهجير المهاجرين ومن بينهم مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء بتونس. ونريد أن نقول أيضاً إن هذا هو العنوان الصحيح الذي يجب أن نحمله المسؤولية في كل ما يقع في هذا الملف بتونس". وتابع سلطاني: "السياسات الأوروبية للهجرة النظامية هي التي جعلت البحر المتوسط مقبرة للمهاجرين".
وقال العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن "الوقفة اليوم هي احتجاج ضد تصدير أزمة المهاجرين إلى تونس وسياسة الابتزاز مع دول جنوب المتوسط".
وتطالب جمعيات حقوقية بفتح ممرات آمنة لعبور المهاجرين العالقين في تونس إلى الاتحاد الأوروبي.
ترحيل مئات المهاجرين
ووسط المناخ المعادي للمهاجرين ومؤيديهم في تونس، أجلت السلطات مئات المهاجرين الأفارقة من المخيمات التي أقيمت أمام وكالات الأمم المتحدة في تونس، يوم الجمعة 3 أيار/مايو، ثم رحلتهم باتجاه الحدود الجزائرية "قسراً" وفق منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التونسي (FTDES) .
وقد يكون الهدف من الترحيل إفراغ مدينة تونس من المهاجرين، كما حدث في أيلول/سبتمبر الماضي في مدينة صفاقس.
كما جاء القرار مباشرة بعد اجتماع عقد الخميس 2 أيار/مايو لوزراء داخلية إيطاليا وتونس والجزائر وليبيا في روما، وفق المنتدى. وكانت زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس في 17 نيسان/أبريل الماضي للمرة الرابعة خلال عام واحد.
وتعد تونس إحدى نقاط الانطلاق الرئيسية لقوارب المهاجرين غير النظاميين باتجاه أوروبا وخصوصا إيطاليا. وشهد عام 2023 اختفاء أو وفاة 1313 مهاجراً على الأقل كانوا انطلقوا من سواحل تونس باتجاه إيطاليا وفق المنتدى التونسي، الذي أضاف أن ثلثا الضحايا من أفريقيا جنوب الصحراء.
وعلقت المسؤولة في المنظمة غير الحكومية إسلام الغربي: ”تعادل هذه الحصيلة الكارثية نحو نصف الوفيات أو المفقودين في البحر الأبيض المتوسط في عام 2023".
مهاجر نيوز