تونس: هيئات حقوقية تدق ناقوس الخطر إزاء تنامي التشدد الديني
٢٣ فبراير ٢٠١٢تتزايد في الآونة الأخيرة مخاوف عدد من الهيئات المدافعة عن الحريات وحقوق المرأة في تونس، تغذيها بعض التجاوزات والاحداث، تؤشر إلى تغييرات قد تحمل ما يثير قلق هؤلاء. وإذا كان طرح هذا الموضوع في هذه الايام له ما يبرره، فإن الحكومة بقيادة حزب النهضة الاسلامي ترى عكس ذلك وتقلل من أهمية التجاوزات وتعتبر أن ما يحدث لا يعدو كونه "تجاذبا سياسيا محضا".
فقد اعتبر سمير ديلو، الوزير التونسي لحقوق الانسان والعدالة الانتقالية في برنامج حواري على التلفزيون التونسي الرسمي أن عددا من وسائل الاعلام ساهمت في "حملات الشحن والتجاذب السياسي حول الحريات والاخطار المحدقة بها". وقال أنه لا يوجد في تونس جماعات سلفية وأن الحديث عن إمارة للسلفية بمدينة سجنان الواقعة شمال تونس، "لا يعدو كونه مغالطة وفيه الكثير من المبالغة". لكن محللين يقولون ان أحداثا عديدة وقعت في الآونة الأخيرة تكشف أن المخاوف على الحريات المدنية، ليس مجرد"فزاعة". فقد اثارت زيارة قام بها الداعية المصري وجدي غنيم إلى تونس وإلقائه سلسلة من المحاضرات بعدد من المناطق، دعا من خلالها إلى ختان الإناث، ردود فعل واسعة وصلت حد تبادل العنف بين مؤيدين للداعية ومناهضين لافكاره، في بعض الجهات على غرار مدينة المهدية.
أخطار أم مغالطات؟
وبعد أيام قليلة من تصريح وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية التونسي، شهدت مدينة بئر علي بن خليفة التابعة لمحافظة صفاقس(جنوب شرق) اشتباك بين وحدات من الجيش والامن التونسي وثلاثة أنفار ثبت حسب تحقيقات وزارة الداخلية انتماءهم إلى التيار السلفي الجهادي. ولم تعد مسألة السلفيين "فزاعة" كما ادعت قبل ذلك جهات في حكومة النهضة الاسلامية، بل واقعا "يهدد الامن العام والحريات وجب التعامل معه بكل جدية"، وهو ما تقوم به حسب مقتضيات القانون وزارة الداخلية التي يشرف عليها القيادي في حزب النهضة، علي العريض.
ويقول أحمد الابيض، عضو الهيئة التأسيسية لحزب النهضة في حديث لـ DW "أن من يتحدث الآن عن تهديد للحريات، هو يتحدث عن تونس لا أعرفها. فكل واحد له اليوم إمكانية التعبير عن رأيه بكل حرية، أن يؤسس جريدة أو إذاعة أو جمعية". ويضيف "هناك جهات تحاول افتعال صراع بين السلفية والنهضة". ويوضح " أن السلفية التي تعتمد نزعات عنيفة وأشكال من التطرف كما ظهر خلال الاحداث الاخيرة التي شهدتها منطقة بئر علي بن خليفة ولها علاقة بالسلاح تقع تحت طائلة القانون، كما تقع تحت طائلة القانون كل أشكال العنف مهما كان مأتاها".
وفي تعليق له على هذه الاحداث يقول صلاح الدين الجورشي رئيس تحرير بجريدة المغرب المستقلة، ذات التوجهات العلمانية، في حديث للتلفزيون التونسي، أنه لا يمكن تيرير العنف بأي شكل من الاشكال. ويرى ان "السلفية ليست فزاعة بل واقع يجب دراسته وايجاد الحلول له قبل أن يتحول إلى لغم".
ويتهم أحمد لبيض وسائل الاعلام الرسمية بمجانبة الحقيقة في تغطيتها للاحداث الوطنية وبمساهمتها في تضخيم الاحداث وغياب المهنية واستشهد بعدم حيادية التلفزيون الرسمي التونسي في تغطيته للمسيرة الحاشدة التي نظمت للتنديد بالعدوان ضد الشعب السوري والتي ضمت أكثر من 10 آلاف شخص.
حماية حقوق المرأة
وتسعى هيئات مدافعة عن حقوق المرأة، إلى أن يتضمن الدستور الجديد نصا واضحا يؤكد حقوق النساء وعدم المساس بما تم انجازه في البلاد وخصوصا مجلة(قانون) الاحوال الشخصية التونسية التي أرست منذ نصف قرن مشروع مجتمعي يرتكز على المساواة بين الجنسين والتي يرون انها قد تكون مهددة من قبل الاسلاميين. وفي مواجهة تلك المخاوف، جدد حزب النهضة تأكيده ان مجلة الاحوال الشخصية ليست محل خلاف ولن يقع المساس بها. ويشير أحمد الابيض أن لمجلة الاحوال الشخصية جذورا في الهوية العربية الاسلامية موضحا أن "العقد القيرواني" الذي كان معمولا به في عقود الزواج والذي يجعل من المرأة سيدة نفسها، يبرز ان لتونس خصوصيتها وأن لا مساس بحقوق المرأة.
وقد ازداد التجاذب السياسي والفكري حول الحريات تعقيدا على اثر زيارة الداعية المصري وجدي غنيم إلى تونس وإلقائه سلسلة من المحاضرات بعدد من المناطق وقد وصل حد العنف في بعض الجهات على غرار مدينة المهدية بين مؤيدين للداعية ومناهضين لافكاره. وقد أعلنت الحقوقية بشرى بن حميدة على أمواج إحدى الاذاعات الخاصة أنها رفعت دعوى ضد الداعية بتهمة زرع الحقد والإحتقان والكره بين افراد المجتمع التونسي.
كما قامت جمعية "كلنا تونس" بتنظيم مؤتمر صحافي ونشرت بيانا للرأي العام، أعلنت فيه توجيه عدل تنفيذ (مُحضر) إلى الوزارة الأولى ووزارة الشؤون الدينية ووزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بالإضافة إلى مفتي الجمهورية، تدعوهم إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع الداعية السلفي من مواصلة تقديم محاضراته التي تضمّنت خطابا تكفيريا وتصريحات تحرّض على الكراهية والعدوان ونشر الفتنة بين مختلف الأديان وتحدّثت عن إقرار تعدّد الزوجات وختان البنات كما تعمّدت التدخل في الشأن الداخلي التونسي.
ومن جهتها استنكرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان لها دعوة بعض الجمعيات "لداعية ختان البنات المصري وجدي غنيم عضو جماعة الإخوان المسلمين الدولية" حتى "يبث أفكاره الداعية إلى التكفير والعنف وإثارة الفتنة". وأدانت بشدة تنظيم مثل تلك "التظاهرات لما تتضمنه من دعوة إلى الاعتداء الصارخ على الحرمة الجسدية والمعنوية ومن تحريض صريح على العنف والكراهية وتعتبرها جزء من مخطط يستهدف الحريات والمكتسبات وانتهاك خطيرا لحقوق الإنسان". كما احتجت الرابطة على "استضافة الداعية المصري من قبل وسائل الإعلام التونسية وتستغرب من الموقف السلبي للحكومة التونسية ولأغلب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وملازمتهم الصمت تجاه الاعتداءات الصارخة على حقوق المواطنين وحرياتهم الاساسية" وطالبت السلط المسؤولة بوضع حدّ لمثل هذه الممارسات.
ويذهب البعض إلى أن الضجة التي احدثها قدوم وجدي غنيم لا تعدو كونها زوبعة في فنجان تشغل التونسيين عن قضاياهم الاساسية. وقد ندد مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ في تصريح لاحدى الاذاعات الخاصة، بالتقسيم المذهبي والعقائدي الذي أصبحت تشهده تونس ما بعد الثورة، مشيراً إلى أن ذلك تقسيم فكري ناتج عن جهل بكل العقائد والقيم الإسلامية، وهو في الحقيقة تقسيم مغلوط وتشتيت لمجتمع بأكمله في إطار كل هذه الخلافات المذهبية.
خالد بن بلقاسم - تونس
مرجعة: منصف السليمي