تونس وكأس العالم- هل تنحل عقدة الدور الأول في قطر؟
١٢ نوفمبر ٢٠٢٢ها هم نسور قرطاج يحلقون من جديد في سماء المونديال، فبعد أعوام 1978، 1998، 2002، 2006 و2018، يشارك المنتخب الوطني التونسي للمرة السادسة في بطولة كأس العالم، تلك البطولة، التي تقام لأول مرة في بلد عربي "FIFA قطر 2022"، التي تنطلق مباراتها الافتتاحية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري وتختتم في 18 ديسمبر/ كانون الأول.
سؤال يتكرر كل مرة!
في مشاركاته الخمس السابقة بكأس العالم لعب منتخب تونس 15 مباراة فاز في مباراتين فقط (المكسيك 1978 وبنما 2018) وتعادل في 4 وخسر 9 مباريات. وكلما شارك المنتخب التونسي في المونديال تكرر السؤال التالي: أليس غريبا أن منتخبا بحجم المنتخب التونسي ضم على مدار تاريخه أساطير كروية لم يفز سوى بمباراتين فقط من 15 مباراة؟
يقول الناقد الرياضي المصري أمير نبيل صادق من صحيفة الشروق المصرية "إنه من المستغرب حقا أن يكون سجل انتصارات نسور قرطاج بهذه القيمة التي لا تتناسب مع اسم وتاريخ الكرة التونسية التي أنجبت العديد من النجوم الذين صالوا وجالوا في الملاعب العربية والأوروبية".
ويرى صادق في حديثه مع DW عربية أن "سجل المنتخب التونسي المونديالي لا يعبر عن الكرة التونسية بشكل حقيقي، ففي كثير من المرات كان سيء الحظ بوقوعه في مجموعات صعبه وصعبه جدا". لكن صادق لا يريد أيضا أن يجعل ذلك مبررا للمردود التونسي الضعيف في المونديال حتى الآن "خاصة وأن هناك نسخا لم تكن فيها مجموعته بتلك الصعوبة، مثل نسختي 2006 و2018).
لكنّ الصحفي والمحلل الرياضي التونسي هيكل المزوغي يرى أنه لا بد من قول "الحقيقة" وأكد لـDW عربية: "بصراحة مستوى المنتخب التونسي بعيد كل البعد عن المقارنة مع المنتخبات الأوروبية". ويوضح المزوغي "صحيح أن المنتخب التونسي تواجد به أساطير على غرار طارق دياب وحاتم الطرابلسي وعديدين غيرهما إلا أنه عند مقارنة منتخب تونس بالمنتخبات الأوروبية تجده يضم نجما حتى ثلاثة على أقصى تقدير، بل وحتى هذه النجومية لا ترتقي إلى مستوى عالمي بدليل أن لاعبي المنتخب التونسي لا يلعبون على مستوى عال بدوري أبطال أوروبا، وتقريبا حاتم الطرابلسي هو الوحيد الذي لمع مع أياكس أمستردام".
ودائما ما يصنف منتخب تونس في المونديال ضمن فرق التصنيف الثالث أو الرابع ولذلك يصطدم بفرق كبرى "لكننا نتمنى دائما أن تكون المجموعة سهلة"، يقول المزوغي.
تونس منتخب محظوظ؟
في مونديال قطر يلعب منتخب تونس ضمن المجموعة الرابعة التي تضم بطل العالم، منتخب فرنسا، إضافة إلى الدنمارك وأستراليا. فهل تعتبر هذه المجموعة سهلة؟ وهل خدم الحظ نسور قرطاج لأنهم سيبدؤون المشوار بمواجهة الدنمارك على ملعب المدينة التعليمية في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني ثم استراليا على ملعب الجنوب في 26 من الشهر نفسه، قبل أن يعودوا إلى ملعب المدينة لمواجهة فرنسا في يوم الـ30 من نوفمبر/ تشرين الثاني؟
المحلل الرياضي التونسي هيكل المزوغي يرى أن منتخب تونس ليس محظوظا لأنه "في كأس العالم إما أن تكون لديك الإمكانيات وتكون قادرا على تحقيق الانتصار أو لا" تكون لديك الإمكانيات وتودع من الدور الأول.
وبعيدا عن المفاجآت، وبصرف النظر عن أن كل شيء ممكن في كرة القدم، يرشح المحللون فرنسا لصدارة المجموعة ويقولون إنها ستتغلب طبعا على تونس. فماذا عن الدنمارك وأستراليا؟
يوضح المحلل الرياضي التونسي هيكل المزوغي أنه يتابع شخصيا المنتخب الدنماركي ويقول: "إنه منتخب قوي جدا وقادر على هزم فرنسا نفسها، ويبقى الأمل في لقاء المنتخب التونسي مع نظيره الأسترالي، لكن الفرصة تكون ضعيفة جدا للصعود للدور الثاني عندما تفوز في مباراة واحدة فقط".
ورغم هذا الكلام يتابع المزوغي حديثه بأن الإحساس والميول تجعلنا نتحدث مع أنفسنا ونقول إن تونس ستترشح للدور التالي "وإذا حقق منتخب تونس نتيجة إيجابية أمام الدنمارك وحقق المفاجأة بحصد النقاط الثلاث، سنتحدث عن ترشح تونس، وفي حالة عدم تحقيق نتيجة إيجابية أمام الدنمارك فيمكن القول إن منتخب تونس، بنسبة 90%، خارج دائرة الترشح" للدور الثاني.
ويرى أمير نبيل صادق أن المنتخب التونسي في هذه المجموعة لديه فرصة لتحقيق نتيجة إيجابية "خاصة وأن المنتخب الأسترالي بالنظر إلى نتائجه في البطولات الأسيوية أمام السعودية والإمارات مثلا لا يمثل مصدر خطورة على حظوظ تونس في هذه المجموعة". ويتابع نائب رئيس القسم الرياضي بصحيفة الشروق المصرية: "أما المنتخب الدنماركي فهو أيضا لا يعتبر أحد منتخبات الصفوة في قارة أوروبا، لذلك هناك فرصة لأن يؤمن المنتخب التونسي بحظوظه ويلعب من أجل تحقيق نتائج إيجابية أمام هذين المنتخبين".
جلال القادري "مدرب جيد"!
وسيسعى لتحقيق حلم تجاوز دور المجموعات المدرب الحالي لمنتخب تونس جلال القادري (51 عاما)، الذي عمل من قبل مدربا للمنتخب الأولمبي التونسي، ثم مساعدا لمدرب المنتخب الأساسي نبيل معول عام 2013. ثم عاد في العام الماضي ليعمل مساعدا للمدرب منذر الكبير، ليخلفه في تدريب المنتخب التونسي بعد الخروج من ربع نهائي أمم أفريقيا أمام بوركينا فاسو في فبراير/ شباط الماضي.
وقاد القادري تونس إلى التأهل لكأس العالم بقطر على حساب منتخب مالي في الجولة الحاسمة من التصفيات الأفريقية. ولفت إليه الأنظار بقوة في يونيو/ حزيران عندما حقق لقب دورة "كيرين" الودية في اليابان، بعد الفوز على تشيلي ثم أصحاب الأرض مقدما أداء جميلا أسعد عشاق نسور قرطاج.
وإجمالا فإن القادري خلال قيادته حتى الآن لمنتخب تونس لم يخسر سوى أمام البرازيل في مباراة ودية بفرنسا، بل إن شباك المنتخب التونسي ظلت "نظيفة" ولم تهتز في سبع مباريات خاضها.
ويقول هيكل المزوغي: "بدون مجاملة جلال القادري من خيرة المدربين التوانسة لأنه تحمل هذه المسؤولية. القادري في وقت قصير تحمل أعباء وضغوطا إعلامية وما يميزه هو اختياره للتشكيلة واللاعبين، الذين يراهم هو بمعنى أنه لم تؤثر فيه ضغوط الإعلام. والمدرب الذي لا تؤثر فيه ضغوط الإعلام هو مدرب جيد".
وينتظر أن يعلن جلال القادري القائمة النهائية للاعبين ال،26 الذين سيشاركون في المونديال يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني. ودعا القادري إلى احترام "قناعاته" في اختياره للاعبين.
نقاط القوة والضعف في منتخب تونس
يعتقد أمير نبيل صادق أن طريق منتخب تونس في تصفيات كأس العالم "كان مفروشا بالورود". فلم يجد منافسا صعبا في طريقه للتأهل ولم يخضع لاختبارات قوية في الفترة الماضية سواء في كأس أفريقيا أو في تصفيات المونديال، حتى أن الجيل الحالي ربما يجمع كثير من المتابعين أنه ليس الأفضل بين الأجيال المتعاقبة على المنتخب التونسي، بحسب الناقد الرياضي المصري.
ويرى صادق أن هناك العديد من النواقص الفنية، خصوصا مركز رأس الحربة، فهو صداع في رأس المدربين التونسيين "ولا يوجد مهاجم يمكن التعويل عليه بأريحية".
كما أن خط الدفاع يثير جدلا دائما، رغم وجود أسماء كبرى ولاعبين في دوريات أوربية لكن هذا لا ينعكس على أداء المنتخب التونسي، في رأي أمير نبيل صادق.
بينما يرى هيكل المزوغي أن مستوى اللاعبين متقارب جدا، لدرجة أن المدرب وجد صعوبة في اختيارات الدفاع والهجوم ومنتصف الملعب ولكن "ربما يكون وهبي الخزري لديه إمكانيات أفضل من بقية اللاعبين".
أما "الرسام" يوسف المساكني، الذي يشارك لأول مرة في المونديال، فلو كانت لديه الإمكانيات البدنية الكبيرة مثل بقية اللاعبين "فلا أعتقد أنه سيكون أقل شأنا من اللاعبين في البطولات الأوروبية"، يقول المزوغي. لكنه أيضا "خانته حالته البدنية، وصحيح أنه يمكنه أن يصنع الفارق لكنه لا يفتك الكرة كما أن مستواه لم يعد كما كان في السابق"، يضيف المزوغي.
ويوضح أمير نبيل صادق أن المنتخب التونسي ربما يكون بحاجة لأن يكون أكثر جماعية وواقعية وأن يتلافى الأخطاء والعيوب التي وقع فيها في الفترة الماضية "وهنا ربما تكون هناك فرصة للتأهل إلى الدور التالي".
الفيفا يتدخل لفصل السياسة عن الرياضة
يقيم المنتخب التونسي معسكرا تحضيريا بالدمام بشرق السعودية، بدأه يوم الاثنين 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبعدها يسافر إلى قطر يوم 14 ويخوض مباراة ودية أمام إيران يوم 16، قبل خوض مباراة الدنمارك يوم 22. لكن قبل هذا المعسكر مباشرة وقعت خلافات حادة بين الجامعة التونسية (اتحاد الكرة التونسي) ووزارة الرياضة، وعليه تدخل الفيفا برئيسه السويسري إنفانتينو، وأرسل خطابا يطالب فيها بتوضيحات، ومذكرا بقانون الفيفا، الذي ينص على الفصل التام بين كرة القدم والجهات الحكومية.
وجرى الحديث عن إمكانية إقصاء المنتخب التونسي من كأس العالم بقطر. وهذه الحالة أثارت لغطا إعلاميا كبيرا في تونس، بل وتحدثت عنها وركزت عليها وسائل إعلام عالمية، خاصة في الدنمارك وأستراليا وفرنسا.
وقال هيكل المزوغي لـDW "أعطيكم معلومة حصرية هي أن: الخلاف بين الجامعة ووزارة الرياضة تأجل إلى ما بعد المونديال". وتابع المزوغي: "هناك اتفاق غير كتابي بين الطرفين، وعليه تأجل هذا الخلاف، وسيفتح من جديد بعد المونديال".
هل يبقى جيل 1978 الأفضل؟
وسيكون النسور على موعد مع مؤازرة جماهيرية قد لا تتكرر قريبا في كأس العالم، نظرا لحجم الجالية التونسية في قطر، ويقول المزوغي إنه متأكد من أن ضغط الجماهير سيكون إيجابيا على اللاعبين وأن مؤازري منتخب تونس في الملعب ستصل نسبتهم إلى 80 في المائة تقريبا من إجمالي الجمهور عموما.
ويتابع "سيكون هناك 20 ألف مشجع تونسي إضافة إلى المشجعين المصريين والمغاربة والجزائريين وستكون الجماهير إيجابية".
ومثل معظم المحللين والمتابعين يتفق المزوغي وأمير نبيل على أن أفضل جيل تونسي ظهر في المونديال حتى الآن هو جيل بطولة الأرجنتين عام 1978. فقد شرف ذلك الجيل الكرة الأفريقية رغم خروجه من دور المجموعات، بعد وقوعه في مجموعة ألمانيا الغربية وبولندا والمكسيك. وحقق منتخب تونس في تلك البطولة الفوز على المكسيك بنتيجة 3/1، وهو أول فوز لمنتخب أفريقي في مباريات كأس العالم. وبعدها قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) زيادة مقاعد قارة أفريقيا في المونديال إلى مقعدين بدلا من مقعد واحد. وفي البطولة التالية بإسبانيا عام 1982 نجح ممثلا القارة السمراء: منتخبا الجزائر والكاميرون في تثبيت أقدام الكرة الأفريقية عالميا، وشيئا فشيئا أصبح الآن لأفريقيا خمسة مقاعد في المونديال.
صلاح شرارة