ثقافة الترحيب باللاجئين بين ضغط الناخبين وحرج السياسيين!
٢٥ سبتمبر ٢٠١٧منذ اللحظة الأولى بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة في ألمانيا، بات واضحا أن سياسة اللجوء وثقافة الترحيب باللاجئين تسببت في خسارة كبيرة للمستشارة ميركل وائتلافها الديمقراطي والاجتماعي المسيحيين إلى جانب خسارة تاريخية للحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة مارتن شولتس الذي كان عبر أربع سنوات حليفا لميركل في الحكومة الاتحادية وتحمل معها مسؤولية فتح الأبواب أمام مئات الآلاف من اللاجئين، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان.
لغة الأرقام تكشف حقيقة مرة مفادها أنه في الوقت الذي انطلق فيه عشرات الآلاف من المواطنين الألمان لمساعدة اللاجئين واستقبالهم في خريف عام 2015 وتقديم يد العون لمن دخلوا البلاد بشكل غير شرعي، شعر مئات الآلاف من الألمان بالصدمة وانتابهم القلق لهذه الأعداد الهائلة ممن أطلقوا عليهم مصطلح "الغرباء" الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني ودون أدنى حد من الرقابة الأمنية لا على الحدود ولا في داخل المدن.
تغريدة الأرقام
وتبين التغريدة أدناه ارقاما للأصوات التي فضلت انتخاب حزب البديل الشعبوي احتجاجا على سياسة اللجوء لميركل وحكومتها، بدلا من دعم الأحزاب التقليدية التي كانت تنتخبها في الماضي.
فحزب ميركل لوحده خسر أكثر من مليون صوت من ناخبيه التقليديين لصالح الحزب الشعبوي. كما خسر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حليف ميركل في الحكومة السابقة، قرابة نصف مليون صوت لحساب اليمين الشعبوي المناهض للاجئين والمسلمين. والخسارة لم تكن فقط من نصيب الأحزاب الكبيرة، فأحزاب الخضر واليسار والليبراليين خسرت أيضا بنسب متفاوتة لصالح الحزب الشعبوي الجديد.
الصدمة والخوف والقلق مهد الطريق للكثير من الناخبين لتغيير موقفهم من السياسة والسياسيين ودفعهم إلى أحضان الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" الذي استغل خوف وقلق المواطنين في بلورة سياسة معادية للمهاجرين عموما وللمسلمين خصوصا.
تغير المزاج السياسي العام؟
على ضوء هذه النتائج والتي تلخصت بخسارة حزب ميركل حوالي ثماني نقاط مئوية رغم بقائه القوة الأكبر في البرلمان الألماني، إلى جانب خسارة تاريخية للاشتراكيين وصعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" بنسبة بلغت 12,6 بالمائة، لابد من طرح السؤال عما إذا تغير المزاج الشعبي عموما إزاء اللاجئين؟
يعتقد مانفريد نوفاك، مسؤول شؤون اللاجئين في منظمة AWO الخيرية والتي ترعى نزل اللاجئين في عدة مدن ألمانية تحتضن قرابة 5000 لاجئ في حديث مع DW عربية، أن نتائج الانتخابات تعكس بشكل جلي تغييرا في المزاج الشعبي العام إزاء اللاجئين، مشيرا إلى أن ذلك يعني نهاية ثقافة الترحيب، لكن ليس بشكل مباشر وإنما تدريجيا. ولا يتوقع من الحكومة الجديدة تغييرا في هذا المجال لصالح اللاجئين.
لكن الناشط في منظمة "بروأزيل" وعضو مجلس اللاجئين في ولاية سكسونيا السفلى، كريم الواسطي لا يتفق مع رأي نوفاك ويقول "يجب أن لا ننسى أن نسبة حوالي 13 بالمائة فقط انتخبت "حزب البديل من أجل ألمانيا" ما يعني بعبارة أوضح أن نسبة 87 بالمائة من الناخبين المشاركين في الاقتراع صوتوا لصالح الأحزاب الديمقراطية والراعية لسياسة الترحيب باللاجئين. ولهذا لا يمكن الحديث عن تغير في المزاج الشعبي إزاء قبول اللاجئين أو رفضهم في المجتمع".
لكن الواسطي، وهو مهاجر عراقي حصل على الجنسية الألمانية منذ سنوات، يعتقد أن السياسيين باتوا اليوم تحت ضغط الناخبين من جهة وضغط الأجنحة اليمينية داخل الأحزاب التقليدية من جهة أخرى، وهذا يدفعهم لإجراء تغييرات على سياسة اللجوء. ويشير في هذا الصدد إلى أن ميركل قد شعرت بالضغط الشعبي منذ أكثر من عام وبدأت بتغييرات جوهرية في سياسة اللجوء أعلنت على شكل حزمات مختلفة وعلى فترات متقاربة زمنيا. إلا أن ذلك لم يمنح حزبها زخما سياسيا كبيرا، حسب رأي الناشط كريم الواسطي.
إجراءات لم الشمل ستتأخر مجددا
ومن بين الإجراءات التي تم تعديلها لغير صالح اللاجئين هي تلك المتعلقة بحق لم الشمل للاجئين الذين يتمتعون بحماية قانونية كاملة. فالحكومة الألمانية، وحسب تعبير الواسطي، وضعت العراقيل أمام اللاجئين فيما يخص لم شمل اللاجئين. وقالت ميركل قبل الانتخابات إنها ستنظر في هذه القضية مطلع العام المقبل، وذلك بناء على طلب وزير داخليتها الذي تعرض هو الآخر لضغوط مختلفة من داخل وخارج معسكر المحافظين. ويتوقع الواسطي أن تماطل الحكومة الألمانية المقبلة في هذه القضية، ما يجعل اللاجئين يعيشون في قلق مستمر.
اليمين الشعبوي يواصل الضغط على ميركل
وقبل أن يعقد البرلمان الألماني الجديد جلسته الأولى في الدورة التشريعية المقبلة، أطلق قادة حزب اليمين الشعبوي تهديدات واضحة لميركل وحزبها بشأن تغيير سياسة اللجوء. فقد صرحت أليس فايدل المرشحة الثانية الرئيسية لحزب "البديل من أجل ألمانيا" قائلة إن "كتلتها البرلمانية ستسعى لتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الخروقات القانونية التي ارتكبتها ميركل فيما يتعلق بأزمة اللاجئين". فيما ردت ميركل بأنها لا تخاف المثول أمام لجنة تحقيق برلمانية بهذا الشأن، ما يعني ثبات موقفها فيما يخص سياسة الترحيب باللاجئين التي لا تنوي إجراء تغيير جوهري عليها. ولكن مع من ستشكل ميركل حكومتها المقبلة؟ وماذا يطالب الحزب الحليف أو الأحزاب الحليفة الجديدة من ميركل مقابل المشاركة في الائتلاف الحكومي بزعامتها؟
أسئلة لا يمكن الإجابة عنها حاليا بانتظار تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، وعنده سيكون لكل حادث حديث.
حسن ع. حسين