ثِقل السلف وتحدي الداخل..ماذا سيتغيّر في الكويت في عهد نواف؟
٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠فقدت الكويت أحد أهم الأمراء في تاريخها، فالشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح خطّ مسارًا متفردًا لدولة الكويت في سياستها الخارجية، إذ لم يتماهَ مع الاستراتيجية السعودية رغم العلاقات القوية بين البلدين، كما سارع لفتح صفحة جديدة مع العراق بعد نهاية عهد صدام حسين، وحافظ كذلك على علاقات مميزة مع إيران، وبقيت علاقة بلاده مستمرة مع قطر رغم الأزمة الخليجية.
نواف والإرث الثقيل
تشرّب صباح الأحمد تقاليد الديبلوماسية انطلاقًا من عمله في وزارة الخارجية لأكثر من 35 سنة، إذ يعدّ مهندس السياسة الخارجية لدولة الكويت الحديثة. ومن أكبر المحطات التي طبعت مساره غزو العراق للكويت عام 1990، عندما ساهم تحركه في جلب إدانة عالمية لتحرّك جيش صدام حسين، ومن ثمة تقوية علاقات الكويت مع الغرب.
"التزم صباح الأحمد سواء كوزير للخارجية أو كأمير البلاد في تفادي التدخل في الشؤون الداخلية للدول مع لعبه أدوار الوساطة والحياد الإيجابي" يقول عماد النجار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، لــDW عربي. وركز صباح الأحمد في التعاون الخارجي على شقين: أحدهما عربي من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وثانيهما عالمي عبر العمل مع الأمم المتحدة، يتابع النجار.
ويظهر تفرّد صباح الأحمد في العلاقات مع إيران، فرغم الضغط السعودي، بقيت الكويت محافظة على علاقاتها مع طهران، وكان الأمير الراحل من الحكام الخليجيين القلائل الذين زاروا إيران خلال السنوات العشر الأخيرة، وفرض نفسه وسيطًا في محاولة رأب الصدع بين متزعمة "المعسكر السني"(السعودية) ومتزعمة "المعسكر الشيعي"(إيران).
ومن الملفات الخارجية التي اضطلع بها صباح الأحمد مؤخرًا، التوسط بين فرقاء الأزمة الخليجية إلى أن تبين للكويت أن الوساطة لم تعط نتيجة، لأسباب متعددة من أكبرها رفض دول المقاطعة تعديل المطالب الموجهة لقطر. غير أنه وقف إلى جانب السعودية في حرب اليمن، ولو أن القوات الكويتية لم تشارك بكثافة كما فعلت نظيرتها السعودية والإماراتية.
كما أظهرت الكويت لهجة صدامية مع واشنطن عند الإعلان عن صفقة القرن، ورغم ما أشار إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن الكويت مرشحة للتطبيع مع إسرائيل، إلّا أن الرفض الشعبي داخل الكويت كان قويًا، في ظل حديث وسائل إعلام كويتية أن موقف بلادها لم يتغير، وهو موقف كان صباح الأحمد قد عبّر عنه أكثر من مرة بتأكيده أن "القضية الفلسطينية أولوية للكويت".
اختلافات بين الاثنين
وإذا كان صباح الأحمد بانيًا للدبلوماسية الكويتية، فإن الكويتيين ينظرون لخلفه نواف الأحمد كمهندس لوزارة الداخلية وكخبير أكثر في المجال الأمني الداخلي، إذ تقلد منذ تسع سنوات مهام نائب الحرس الوطني الكويتي، كما شغل منصب وزير الداخلية لحوالي 12 عامًا. وكانت له تجربة سابقة في وزارة الدفاع، وأخرى في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وقد بدأ مساره المهني محافظا لمنطقة حولي.
وبين هاذين الاختلافين في مساري الرجلين قد تختلف الأمور نوعًا ما في طريقة الحكم، خاصة مع ميل نواف الأحمد للابتعاد عن الأضواء، ومع عدم إشرافه على عمليات دبلوماسية كبيرة، قد تكون هناك مخاوف من فقدان الكويت لدورها الريادي في عمليات الوساطة.
غير أنه في الجانب الآخر، أعطى نواف الأحمد إشارات على استمراره في نهج أخيه، ومن ذلك إيفاده لوزير الخارجية قصد إجراء مباحثات مع أمير قطر، وكذلك تأكيده في رسالة نقلها عنه رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، أنه يسير على نهج الأمير، وذلك خلال الفترة التي نُقل فيها صباح الأحمد للعلاج.
ويرى غانم النجار أنه على لا يوجد أيّ مبرر لتغيير السياسة الخارجية للكويت، وأن هناك دعمًا شعبيًا للنهج الرسمي في الوساطة والحياد الإيجابي، وهي سياسة تخدم مصالح البلد وكذلك مصالح المنطقة. غير أنه على الجانب الداخلي، قد تحدث تغييرات، خاصةً مع وجود اختلافات داخلية بين الحكومة والأطراف السياسية حول مجموعة من الملفات.
وتنتظر الأمير الجديد ملفات داخلية صعبة وفق تعبير النجار، منها تجاوز الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد بعد انهيار أسعار النفط، وكذلك الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر نوفمبر/تشرين الأول والتي سيتمخض عنها برلمان وحكومة جديدين، ما يعني أن هناك بدائل للأمير الجديد بما يتيح له إجراء تغييرات داخلية.
التغييرات المنتظرة لديها علاقة بالحياة الداخلية في البلد، فرغم استمرار ممارسات أوتوقراطية في الكويت شأنها شأن جلّ دول المنطقة، إلّا أنها مقارنة مع معظم الدول الخليجية، تظهر الإمارة "متقدمة للغاية"، إذ تتوفر على برلمان وعلى أحزاب وعلى حياة سياسية، ورغم حلّ مجلس الأمة أكثر من مرة، إلّا أن دوره في إصدار قوانين هامة كان واضحًا، وتعد الكويت من البلدان الرائدة خليجيًا في الديمقراطية التشاركية والنقاش المجتمعي.
هل يتكرّر السيناريو السعودي؟
اعتمادًا على المادة الرابعة من قانون توارث الإمارة، انتقل حكم البلد إلى ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، وهو الأخ غير الشقيق للأمير الراحل من أبيهما الشيخ أحمد الجابر. يتشابه السيناريو نوعًا ما هنا مع السعودية التي تولى فيها الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة خلفًا لأخيه غير الشقيق عبد الله بن عبد العزيز.
يكمن التشابه كذلك في أن وليّيْ العهد في الدولتين، عُيّنا على رأس الدولة وهما في سن متقدمة: 80 سنة للملك سلمان، و 83 عاما للأمير الشيخ نواف. في الحالة الأولى، كانت أكبر النتائج أن لمع نجم الأمير محمد بن سلمان، وصار تقريبا حاكماً بالأمر الواقع منذ صعوده إلى منصب ولي العهد. فهل يتكرر الأمر ذاته في الكويت؟
يستبعد النجار هذا السيناريو، فلم يحدث في تاريخ البلاد الحديث أن تمّ فرض ولي للعهد دون مشاورات ودون احترام لدستور البلاد، وغالبًا ما لا تقع تطورات مفاجئة في البلاد فيما يتعلّق بانتقال الحكم، إذ يتحتم المرور عبر مجلس الأمة لتأكيد اختيار الاسم الذي يختاره أو الأسماء التي يرشحها أمير البلاد في منصب ولي العهد. غير أن الباحث الكويتي يرى أن عمر الأمير الحالي قد يلعب دورًا في الاسم المرشّح الذي قد يكون من الشباب.
وعلاوة على الاختلاف المنهجي بين مملكة سعودية يملك فيها القصر الجزء الرئيسي من السلطة وبين إمارة كويتية طوّرت تقاليد سياسية أكثر انفتاحًا، يوجد اختلاف آخر بين الملك سلمان والأمير نواف الأحمد، فالأبناء الأربعة الذكور لهذا الأخير، لا توجد أسماؤهم في القوائم المتداولة إعلاميًا، ولم يُعرف عنهم اهتمام بمنصب ولي العهد، كما لا يوجد أيّ اسم متداول يدخل في قائمة الشباب.
بيدَ أن التنبؤ باسم ولي العهد المقبل في الكويت يبقى أمرًا غاية في الصعوبة لتعدد الأسماء المتداولة ولكون قرار الترشيح يبقى داخل أروقة "قصر السيف"، كما أن المفاجآت واردة كما وقع في السعودية عندما أعفي محمد بن نايف من منصب ولي العهد ليحل محله محمد بن سلمان. وبرأي تشينزيا بيانكو الباحثة المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط في معهد "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" إنّه "يجب أن ينظر إلى الشيخ نواف الأحمد باعتباره استمرارية أكثر من كونه قائدا جديدا".
وحول التوقعات بشأن منصب ولي العهد، تقول بيانكو لوكالة فرانس برس، إنه "وراء الكواليس، من المرجح أن يستمر الأمراء الأصغر سنا في التنافس لخلافته". ومن بين الأسماء المرشحة لتولي ولاية العهد نجل الشيخ صباح ونائب رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، وهو شخصية معروفة في الكويت.
ويرى مراقبون بأن انتقال السلطة في الكويت لم يكن دائمًا بالأمر السهل، ففي عام 2006 رفض الأمير سعد العبد الله الصباح التنازل عن الحكم رغم وضعه الصحي. حدث مثل هذا يظهر مستبعدًا تمامًا، كما يرى البعض، لكن الأيام المقبلة ستحمل إجابات متعددة لمستقبل الحكم في دولة لها وزنها الخارجي.
إسماعيل عزام