جاسوس ألماني سابق: "نصر الله لم يقنعني"
١٠ أغسطس ٢٠١٠عمل فيلهيلم ديتل صحفياً في منطقة الشرق الأوسط لسنوات عدة، وفي عام 1982 لفت إليه أنظار المخابرات الألمانية بعد تأليفه كتابا عن أفغانستان، فقامت بتجنيده وظل يعمل لصالحها لمدة 11 عاما. وكانت مهمته جمع المعلومات وتجنيد العملاء في دمشق وبيروت وعمان والقاهرة وغيرها من عواصم المنطقة. له 18 كتابا عن الجاسوسية، بينها كتابان عن جهاز المخابرات الإسرائيلي "موساد" وأربعة كتب عن جهاز المخابرات الألمانية "بي إن دي"، ومؤخرا صدر له كتاب بعنوان "جيوش الظلام" عن أجهزة المخابرات في الدول العربية والإسلامية.
دويتشه فيله حاورت الخبير والجاسوس الألماني سابقا عن ما تضمنه المؤتمر الصحفي لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، بشأن تورط إسرائيل في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
السيد فيلهيلم ديتل، هل كانت أفلام الفيديو واعترافات العملاء التي قدمها حسن نصر الله في مؤتمره الصحفي مقنعة؟
لم يُقنعني ما قاله، لأنه لم يتضمن شيئا عن اغتيال (رفيق) الحريري. وأن يقوم أحد بعرض صور إسرائيلية ملتقطة من الجو، فهذا ليس دليلاً في هذه القضية، كما لم يظهر أي عميل للمخابرات الإسرائيلية قال شيئا ما عن اغتيال الحريري، على حد علمي. هذه هي الطريقة القديمة الجديدة في الشرق الأوسط: كل متهم يُلقي بالتهم على غيره.
لكن حزب الله لم يتهم رسميا بعد؟
أنا قرأت غير ذلك في الصحف، وكانت مجلة "دير شبيغل" الألمانية قد بدأت بذلك قبل شهور، وفي الأسابيع والأيام الأخيرة ذُكر أكثر من مرة، أن لجنة الأمم المتحدة تتهم حزب الله. وفي اعتقادي أن وضع حزب الله على لائحة المنفذين المحتملين لاغتيال الحريري، هو نوع من الاتهام له.
أنت تعرف حزب الله عن قرب، فهل تعتقد أن حزب الله قادر على القيام بعملية معقدة مثل عملية اغتيال رفيق الحريري؟
نعم، أنا أعتقد أن حزب الله قادر على تنفيذ مثل هكذا عملية، لأنه قام في الماضي بعمليات، وحتى في الأيام الأولى على تأسيسه، كان الحزب قادراً على مهاجمة مراكز قيادة القوات الفرنسية والأمريكية والإسرائيلية وكذلك السفارة الأمريكية وتدميرها.
لكن ألا ترى فرقا بين نوعية تلك الهجمات وعملية اغتيال الحريري؟
هل تقصد أن العملية كانت أكبر وأكثر تعقيدا؟
نعم، خاصة وأنه جرى الحديث عن أقمار اصطناعية وضرورة تعطيل أجهزة معينة للنيل من موكب الحريري مقارنة بعملية السفارة الأمريكية.
لا زلنا وحتى يومنا هذا لا نعرف كيف تم تفجير العبوة في حالة الحريري، لأنه كان يملك في سيارته جهاز إرسال يشوّش على الاتصال اللاسلكي بين عبوة مزروعة على جانب الطريق وبين جهاز إرسال لتفجير العبوة عن بُعد.
هذا الجهاز (في سيارة الحريري) لم يعمل في ذلك اليوم. وحسب معلوماتي، لا أحد يعرف حتى يومنا هذا، لماذا تعطل الجهاز. لكن أعتقد أنه ربما تم تفجير العبوة يدويا، وبذلك لا يحتاج المرء إلى جهاز إرسال.
وكان لافتا للانتباه في حالة الحريري ضخامة العبوة، إذ بلغ وزنها 2000 كغم، أو كانت قوتها تعادل قوة 2000 كغم تي إن تي. وهذا يعني أنها كانت عبوة قاتلة.
لكن هل تعتقد أن حزب الله يمتلك التكنولوجيا اللازمة لتعطيل جهاز الإرسال في سيارة الحريري؟
كما سبق وقلت، إذا جرى استخدام أسلاك لتفجير العبوة، أو إذا كان عملا انتحاريا – رغم عدم وجود جثة - أو إذا كان أحد ما بداخل السيارة وضغط على الزر لتفجير العبوة، فهم في هذه الحالة لا يحتاجون إلى التكنولوجيا، لأن التكنولوجيا تفيد فقط للعبوات التي يتم تفجيرها عن بُعد.
نصر الله قال إن طائرة أواكس كانت تحلق فوق المنطقة لحظة اغتيال الحريري، والأواكس ليست طائرة استكشاف أو استطلاع فقط، وإنما هي غرفة عمليات عسكرية أيضا. وأنت ألّفت كتابين عن الموساد، فهل تعتقد أن الموساد يمكن أن يكون وراء اغتيال الحريري؟
لا. في رأيي لا يمكن أن تقدم إسرائيل على اغتيال الحريري لأسباب سياسية، لأن سلسلة الأوامر تبدأ من رئيس الوزراء الذي عليه الموافقة على مثل هكذا عملية. ولا يمكن أن يكون اغتيال الحريري في مصلحة إسرائيل، لأنه لم يكن عدوا لإسرائيل، لهذا فاتهام إسرائيل غير منطقي.
لكن نصر الله قال إن مصلحة إسرائيل كانت في تفجير صراع بين السنة والشيعة في لبنان؟
لكن هذا الصراع لم يحدث واغتيال الحريري لم يؤد إلى صراع طائفي لأن حزب الله لم يتهم في البداية.
صحيح، كانت سوريا هي المتهمة في البداية؟
نعم، وهؤلاء سنة، بدون الحاجة للخوض في حديث مفصّل عن العلويين، لكن سوريا تعتبر سنية.
ولكن اتهام سوريا جاء من المدعي العام الألماني السابق ديتليف ميليس، الذي كان أول رئيس للجنة؟
أنا أعتقد أن ديتليف ميليس كان يسير في الاتجاه السليم وقام بجمع أدلة وبراهين، وكان لديه عدد من الشهود ومنهم عبد الحليم خدام (نائب الرئيس السوري سابقا). وقد التقيت خدام شخصيا في باريس وقال لي "لا يوجد شك بأن مخابراتنا هي التي اغتالت الحريري"
وما مدى مصداقية خدام، كمنشق، في رأيك؟
"ُنصْ, ُنصْ"، فخدام لديه أسبابه الشخصية للتأليب على نظام الأسد وترويج الاتهامات، وقد سألته عن براهين، فقال إن البراهين والأدلة ستنشر حين تنتهي اللجنة من عملها وينتقل الأمر إلى المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري.
قلت قبل قليل بأنه لا توجد مصلحة إسرائيلية في اغتيال الحريري، لكن هل يملك الموساد القدرات التقنية للقيام بمثل هكذا عملية؟
أنا أشك بأن يقوم الموساد بذلك، لأن الجيش هو الذي ينفذ، فمهمة الموساد هي جمع المعلومات، أما المخابرات العسكرية الإسرائيلية فهي، على الأرجح، الجهة القادرة من الناحية التقنية على تنفيذ مثل هذه العملية.
لكنك لا تعتقد أن إسرائيل قامت بها؟
نعم لا أعتقد، وذلك لأسباب سياسية. لأن إسرائيل لا تستفيد شيئا على الإطلاق من هذه العملية، فالحريري لم يكن بالضرورة صديقا لإسرائيل، لكنه لم يكن عدوا لها. كان رجلاً ليبرالياً وكان مهتما بأن لا تتطور الأمور إلى مواجهة بين لبنان وإسرائيل.
هل فاجأك حجم المعلومات التي عرضها نصر الله؟
إلى حد ما... أنا لم أدرس بعد كل ما قاله نصر الله، ولست أعرف بالضبط حجم المعلومات المتوفرة لدى حزب الله، وربما يكون نصر الله قد أفشى يوم أمس بكل ما يعرف. لكن كلامه خلا من براهين مقنعة تثبت تورّط إسرائيل في اغتيال الحريري، فحقيقة أن طائرة أواكس حلقت ذلك اليوم في الأجواء اللبنانية قد يكون له أسباب أخرى، والإسرائيليون يحلقون في الأجواء اللبنانية باستمرار.
أرجو أن لا يُساء فهمي فيما أقول، فأنا لست هنا للدفاع عن إسرائيل، وإذا تعلق الأمر بانتقادها فلدي الكثير مما يمكنني قوله في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بمعاملتها للمواطنين في قطاع غزة.
أجرى الحوار عبد الرحمن عثمان
مراجعة: عارف جابو