جدل حول نصب السوفييت التذكارية في ألمانيا.. فما مصيرها؟
٩ مايو ٢٠٢٢بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أقام الجيش الأحمر أربعة نصب تذكارية في برلين. كانت تهدف إلى إحياء ذكرى جنود الاتحاد السوفياتي، الذين قتلوا في المعارك، وخاصة أولئك الذين لقوا حتفهم في معركة برلين. هذه ليست فقط آثارًا لإحياء ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية، ولكنها أيضًا مواقع تذكارية بها مقابر عسكرية.
النصب التذكاري في "برلين تيرغارتن" ( منطقة حديقة الحيوانات في برلين)، تم افتتاحه في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1945 بمرافقة استعراض عسكري لقوات الحلفاء. وفي مدخل هذا النصب التذكاري تم وضع دبابتين من طراز T-34 ومدفعين جرى استخدامهما خلال معركة برلين.
في نهاية مارس/ آذار 2022، تم لف الدبابتين بالأعلام الأوكرانية. وبعدها بوقت قصير، طالبت شتيفاني يونغ، النائبة في برلمان ولاية برلين، بإزالة المدفعين والدبابتين في ضوء الحرب الأوكرانية. وقالت السياسية المنتمية إلى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي: "اليوم لم تعد الدبابة في تيرغارتن ترمز فقط لتحرير ألمانيا من الفاشية النازية، بل تعني أيضًا شن حرب عدوانية على الحدود الإقليمية، شن حرب تستهين بحياة الإنسان".
لكن مجلس الشيوخ في برلين (اسم حكومة ولاية برلين) رفض طلب يونغ. وقالت بيتينا ياراش، وزيرة البيئة في برلين ورئيسة البلدية (من حزب الخضر): "الأمر هنا يتعلق بإحياء ذكرى ضحايا الحرب العالمية الثانية، التي قتل فيها جنود من جنسيات عديدة من الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك عدد من الجنود الروس والأوكرانيين، سقطوا في القتال ضد النظام النازي".
من الناحية القانونية، برلين ملزمة بالحفاظ على النصب التذكارية السوفيتية: فكجزء من معاهدة 1990 بين جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية آنذاك) وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية آنذاك) والقوى الأربع المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي سابقا)، تم الاتفاق أيضًا على الحفاظ على النصب التذكارية وصيانتها.
تلطيخ أكبر وأهم نصب تذكاري
النصب التذكاري للحرب السوفياتية في "تريبتور بارك" (Treptower Park) هو أكبر نصب تذكاري من نوعه في ألمانيا وأهم نصب تذكاري للجنود السوفييت في برلين. وتم دفن 7000 جندي من الجمهوريات السوفياتية السابقة في ساحات المدافن الخمسة المجاورة للنصب التذكاري.
وفي بداية أبريل/ نيسان، لطخ مجهولون النصب التذكاري بشعارات معادية لروسيا. وباستخدام علب الرش كتبوا على القاعدة بطلاء أحمر، شعارات مثل "دم أوكراني على أيادٍ روسية" أو "الموت لكل الروس". وبعد أيام قليلة، رش الرمز "Z" وشعارات مثل "قتلة" و"أوركس"، علما بأن الأوركس (مفردها أورك) هي شخصيات أدبية خرافية متوحشة وسفاكة للدماء. والآن يخضع النصب لمراقبة متزايدة وتبحث الشرطة عن الجناة.
المؤرخ الألماني يوستوس هـ. أولبريشت، مدير عام جمعية "Denk Mal Fort!" مقتنع تمامًا بأن هدم أو تلطيخ النصب التذكارية لن يجدي نفعا، وقال: "ما نراه في تريبتور هو نصب تذكاري لأبطال. ولقد انخفض بشدة في ألمانيا الولع بالأبطال. والنصب التذكارية من هذا النوع معروضة هنا للنقاش". لكن المؤرخ يعتقد أن كل نصب تذكاري هو جزء من تاريخ المدينة ويقول: "سيكون تصويتي: دعها قائمة على الدوام، اجعل الناس يتحدثون ويعلقون".
هل يجب إزالة نصب جندي الجيش الأحمر من دريسدن؟
تم تشييد النصب التذكاري السوفياتي في دريسدن فور انتهاء الحرب وافتتح في نوفمبر/ تشرين الثاني 1945. وفي عام 1994 تم نقل النصب، وهو الآن يقع بالقرب من متحف التاريخ العسكري التابع للجيش الألماني (بوندسفير).
في نهاية مارس/ آذار 2022، كتب السياسي من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) في دريسدن شتيفان شارف في حسابه على تويتر: "لا، لا يمكن أن يبقى النصب التذكاري السوفيايتي في دريسدن. ليس بسبب عام 1945، ولكن بسبب أعوام 1953 و1968 و2022".
وتفسير ذلك ببساطة هو أن: دبابات الحرس الأول التابع للجيش السوفياتي، والذي كان يتمركز في دريسدن حتى عام 1993، شاركت في قمع الانتفاضة الشعبية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية في عام 1953 وفي قمع ربيع براغ في عام 1968. واليوم، تتحرك دبابات الحرس الأول الروسي داخل أراضي أوكرانيا. ونتيجة لذلك، فإن الشعور تجاه نصب جندي الجيش الأحمر، حاد جدا، ويتخطى مجرد الشعور بالملل والنفور.
كريستيانه يانيكه، المديرة العلمية لمتحف التاريخ العسكري في دريسدن، غير مقتنعة بفكرة إزالة النصب التذكاري، حتى لو عثر له على مكان آخر في متحف مثلا، وتقول: "بذلك سنقوم بإزالة جزء من تاريخ المدينة وإزالة جزء من ذاكرة هذه الحرب من الفضاء العام، وأعتقد أن هذا خطأ. ولا يمكن إعادة كتابة التاريخ. تذكرنا هذه النصب التذكارية بما حدث. وإذا وضعناها في سياقها مثلا من خلال وصفها بدقة أكبر، فسيكون ذلك حلا مناسبا".
ماذا سيحدث للمتحف الألماني الروسي؟
حتى 24 فبراير/ شباط، كانت الأعلام الأوكرانية والروسية والبيلاروسية والألمانية معلقة وترفرف أمام مبنى المتحف الألماني الروسي في برلين كارلسهورست. والآن يعلق هناك فقط العلم الأوكراني.
وقال يورغ موري، مدير المتحف، في مقابلة مع DW: "يعتقد كثير من الناس أننا نريد أن نجعل الناس ينسون إنجازات الجيش الأحمر ودور الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية بمجرد رفع العلم الأوكراني. هذا ليس صحيحًا على الإطلاق. إنها علامة على التضامن مع أوكرانيا. قبل ذلك رفعنا الأعلام لأنها كانت أعلام الجنسيات التي كانت تتعاون مع بعضها البعض هنا".
في المبنى، الذي أصبح الآن متحفًا، تم التوقيع على استسلام ألمانيا غير المشروط في 8 مايو/ أيار 1945. وتم تأسيس المتحف بالاشتراك مع جمهورية ألمانيا الاتحادية والاتحاد الروسي في عام 1994 في الشكل القانوني لجمعية، انضمت إليها متاحف الحرب العالمية الثانية الوطنية في أوكرانيا وبيلاروسيا كأعضاء في 1998/1997. وبعد إعادة التصميم، أعيد افتتاح المتحف في كارلسهورست في مايو/ أيار 1995 باسم المتحف الألماني الروسي.
وفي ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت إدارة المتحف استخدام اسم "متحف برلين كارلسهورست" المُدرج في سجل الجمعيات الرسمي، لأنه يهدف إلى تخليد ذكرى جميع ضحايا حرب الإبادة الألمانية من (جمهوريات) الاتحاد السوفياتي (سابقا)، بغض النظر عن جنسياتهم. وقال يورغ موري، مدير المتحف: "يحاول الاتحاد الروسي تأميم الانتصار السوفياتي واحتكاره لنفسه، وفي بعض الحالات يتم لتحقيق ذلك استغلال كل شكل من أشكال التعاون. وفي الوقت الحالي لا يساعدنا سوى الابتعاد عنهم. وهنا تساعدنا فقط الإشارات بالغة الوضوح".
فيرا فريدريش/ ص.ش