جديد مفاوضات سد النهضة.. أين وصلت وساطة واشنطن؟
١٠ ديسمبر ٢٠١٩يقول مراقبون تحدثوا لـDW عربية، إنه على الرغم من أن الحضور الأمريكي أعطى زخما وكسر جمود التفاوض بين أديس أبابا والقاهرة إلا أن النقاط الخلافية في المفاوضات تقلل من فرص نجاح الوساطة الأمريكية في إيجاد حل للقضية قبل المهلة المحددة حتى منتصف كانون الثاني/ يناير المقبل.
على ضوء ذلك أكد بيان مشترك اليوم الثلاثاء، أن وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان بحضور ورعاية وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوتشن ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، "لاحظوا إحراز تقدم في الاجتماعات الفنية بين وزراء الموارد المائية في اجتماعي أديس أبابا والقاهرة".
خطوة إيجابية
وأضاف البيان أنه "تم الاتفاق على أن الاتجاه الاستراتيجي للاجتماعين التقنيين المقبلين يجب أن يركز على تطوير قواعد وإرشادات تقنية لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وتحديد ظروف الجفاف، وتدابير تخفيف آثار الجفاف التي يتعين اتخاذها".
وذكر الوزراء أن "الدول الثلاث تدرك أن هناك فوائد كبيرة لها جميعا في وضع قواعد ومبادئ توجيهية لمعالجة ظروف الجفاف، وستشمل القواعد والمبادئ تدابير تخفيف الجفاف بناءً على التدفق الطبيعي في سنة معينة، ومعدلات إطلاق المياه من السد". وأشار البيان إلى عقد اجتماع آخر في واشنطن في 13 كانون الثاني/ يناير 2020 لمراجعة نتائج الاجتماعات الفنية القادمة في الخرطوم وأديس أبابا بهدف وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.
وتسبّب طول أمد المفاوضات دون أن تسفر عن نتائج ملموسة في تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لتعلن عن خارطة الطريق اتفق عليها وزراء الخارجية لدول مصر والسودان وإثيوبيا في اجتماع واشنطن في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر لحل المسائل العالقة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة على المستوى الفني حتى 15 كانون الثاني/ يناير.
يقول وزير الري المصري الأسبق، الدكتور محمد نصر علام، لـDW عربية، إن البيان المشترك يمثل خطوة إيجابية نحو تطوير المسار التفاوضي في الاتجاه الصحيح، موضحا أن الدول الثلاث اتفقت على إطار عام بأن يتم تشغيل السد وتخزين المياه وفق حجم التدفق الطبيعي للنيل الأزرق كما هو معمول به في الاتفاقيات الدولية للأنهار المشتركة وبشكل يتسق مع قواعد وثوابت القانون الدولي.
يضيف علام أن "الاتفاق لا يعنى قرب التوصل لحلول حيث لا تزال نقاط خلاف مهمة لم تحسم بعد وهي قواعد ملء وتخزين بحيرة السد التي تعد محور الخلاف الرئيسي في المفاوضات حتى الآن".
وأشار إلى أن "الاجتماعات السابقة شهدت سجالا بين الطرفين حول فترة ملء خزان السد حيث شهدت توافقا إثيوبيا وسودانيا مبدئيا على مدة سبع سنوات على أن يكون حجم التصريف السنوي ما بين 31 و 35 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا، فيما ترى مصر أن لا يقل التصريف السنوي من مياه السد عن 40 مليار متر مكعب".
نقطة خلاف أخرى أشار لها علام، وهي أن "مصر تطالب بألا يقل منسوب المياه في بحيرة السد العالي عن 165 متر فوق سطح البحر لتحقيق حد أدنى لإنتاج كهرباء السد العالي ولتوفير مخزون استراتيجي للتعامل مع سنوات الجفاف الممتد، وفي المقابل تعترض أثيوبيا بحجة أنّ السد العالي على النيل الرئيسي بينما سد النهضة على النيل الأزرق فقط، وترى أيضاً أنّ تشغيل سد النهضة يجب أن لا يرتبط بالسد العالي".
كسر جمود التفاوض
تلك النقاط الخلافية رد عليها مسؤول إثيوبي في تقرير نشرته مجلة "أديس ستاندرد" الإثيوبية، يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر، بأنه في الاجتماع الذي عقد في أديس أبابا أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر "تم إحراز تقدم كبير من خلال التأكيد على النقاط التوافقية والتوافق حول عدد من النقاط التي كانت موضع خلاف، لكن في اجتماع القاهرة تمسكت مصر بمطالبها مما أعاق التقدم في هذا الاجتماع".
وأوضح المسؤول الإثيوبي أن "الجانب السوداني قدم خطة تشغيلية تراعي مصالح الدول الثلاث وهو اقتراح أبدت إثيوبيا تقديرها له، لكن الوفد المصري حاول فرض رغبته غير المعقولة على البلدين".
وحول الطلب المصري بألا يقل منسوب مياه السد العالي عن 165 متر، قال المسؤول الإثيوبي إن "هذا الطلب غير مبرر وغير علمي"، معتبرا أن "مصر لا تريد بهذه العملية مكاسب مربحة لجميع البلدان... وأنها تهدف إلى دفع المفاوضات نحو عملية سياسية بحثًا عن حل سياسي لمشكلة فنية يجب حلها تقنيًا وعلميًا".
ذلك الشد والجذب حول النقاط الفنية لم يكن موجودا داخل غرف المفاوضات قبل دخول البنك الدولي وواشنطن كمراقبين. دخول كلاهما "قلب المفاوضات رأسًا على عقب من خلال كسر عملية الجمود التي كانت سائدة في عملية التفاوض سابقا" يقول نصر علام.
وذهب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، ويليام دافيسون، في حديثه لـ DW عربية، إلى أن أزمة سد النهضة ليست "خلافًا على المسائل الفنية المتعلقة بسد واحد فقط، لكن من الواضح أنها صراع للسيطرة السياسية على منطقة حوض النيل بين مصر وإثيوبيا".
ليس هذا هو الخلاف الوحيد لمصر في منطقة حوض النيل، لكن هناك خلافا آخر حول اتفاقية "عنتيبي" التي وقعتها 6 من دول المنبع بجانب إثيوبيا في 2009 والتي تتضمن بنود خلافية ترفضها مصر والسودان لعدم اعترافها بالحصص التاريخية في مياه النيل.
تقدم تدريجي ولكن؟
ومع ذلك "يبدو أن الأطراف تحرز بعض التقدم التدريجي لإيجاد نوع من التسوية حول عدد السنوات التي تستغرقها إثيوبيا في تخزين بحيرة السد ومن ثم كمية المياه التي سيتم إطلاقها إلى المصب (البلدان) خلال فترة التعبئة والتشغيل". وأضاف أن "مشاركة واشنطن والبنك الدولي أعطت بُعدًا ضروريًا للمفاوضات لأنها كانت عالقة في وقت وصلت فيه عملية بناء السد إلى مرحلة متقدمة".
وكانت إثيوبيا قد استبقت الاجتماعات الفنية بالإعلان عن انتهاء العمل في السد المساعد "السرج" في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وتقول أديس أبابا إنه من المُخطط أن يعمل السد بكامل طاقته بحلول عام 2022 بتكلفة أربعة مليارات دولار لإنتاج أكثر من 6000 ميجاوات من الكهرباء.
لكن الباحثة المصرية أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قالت لـ DW عربية، إن هناك تعتيما على كواليس المفاوضات الفنية، لكن المعلومات المتاحة تشير إلى أن الخلافات مازالت قائمة حول قواعد ملء وتخزين بحيرة السد.
وأضافت الطويل أن " صياغة البيان المشترك ذات طابع دبلوماسي وتشير إلى تقدم في إطار توازن مصالح مصر وإثيوبيا مع الأخذ في الاعتبار مسألة الجفاف وهو ما يشير ربما إلى زيادة سنوات ملء بحيرة السد ولكنه لا يشير إلي اتفاق حول قواعد تشغيل السد فيما بعد ملئه".
وحول فرص نجاح المفاوضات بعد البيان الأخير، قالت الطويل: "ربما يعزز ما تم التوصل إليه حتى الآن من فرص نجاحها، ويجعل إمكانية فتح باقي نقاط الخلاف ممكنا"، فيما توقع نصر علام أن "يتم منح الدول الثلاث مهلة جديدة قصيرة لحسم النقاط الخلافية".
بينما قال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، "اعتقد، لسوء الحظ بأنه لن يكون هناك اتفاقا شاملا بحلول 15 يناير 2020، ما قد تفعله واشنطن والبنك الدولي هو تشجيع الأطراف على البحث عن حل وسط وقد يمارسون بعض الضغوط على الطرفين لمحاولة التوصل إلى حل وسط، وهنا يمكن أن نرى تقدما كبيرا في المفاوضات".
محمد مجدي