جهاديون من ألمانيا: غرباء في الشرق ومصدر قلق للغرب
١٣ سبتمبر ٢٠١٤حسب آخر الإحصائيات التي نشرها مركز الأبحاث البريطاني ICSR، فإن عدد المقاتلين الإسلاميين الذين توافدوا على سوريا وصل إلى حوالي 12 ألف شخص من 74 دولة، وهو ما يعتبر أكبر عملية تعبئة عالمية للمقاتلين منذ عقود من الزمن. وتصل نسبة عدد المقاتلين القادمين من الدول الغربية إلى أكثر من الخمس، من بينهم 400 مقاتل من ألمانيا.
يلاحظ في ألمانيا ارتفاع عدد الشباب المتشديدن. فرغم أن عدد السلفيين الذين يتراوح عددهم ما بين خمسة إلى عشرة آلاف شخص، من بين حوالي أربعة ملايين في ألمانيا، فإن السلفين المتشددين يعتبرون أكثر نشاطا ، حيث يوزعون في الشوارع نسخاً من القرآن بالمجان ويدعون الناس للمشاركة في أنشطتهم كما يؤسسون مجموعات واعضة في محيط المساجد. ويحاول السلفيون استقطاب أتباع جدد من خلال استعمال الطرق التي يلجأ إليها عادة المساعدون الإجتماعيون في الشوارع، كما يركزون على الشباب من خلال الحوار المباشر.
نقط قوة السلفيين
يرى فلوريان إندريس المسؤول عن "قسم الإرشاد لمواجهة التطرف الديني" التابع لمكتب الهجرة واللجوء الألماني أن الطرق التي تقود الناس للتطرف الديني تختلف من شخص للآخر، غير أنه يتحدث عن نموذج يتكرر مراراً. ويشرح ذلك قائلا: "في الغالب فالبحث عن معنى الوجود والأزمات التي تصادف المرء في الحياة يشكلان أرضية لاعتناق الإيديولوجيات الإسلامية المتطرفة". وحسب فلوريان إندريس، فالسلفية تعطي أجوبة تبدو واضحة على الأسئلة المطروحة كما أن بنية تنظيماتها واضحة أيضاً، ويشرح المسؤول الألماني ذلك قائلا: "التركيز على شعور الإنتماء للجماعة حاضر بقوة داخل الجماعات السلفية، وأعضاؤها يعتبرون أنفسهم بمثابة نخبة".
وحسب العارفين بأمور الجماعات السلفية فقد أصبحت سوريا تشكل في الوقت الحالي الموضوع الرئيسي لأعضائها. ورغم أن غالبية الجماعات السلفية لا تدعو للجهاد إلا أن حملات الدعوة إلى الجهاد القادمة من سوريا عبر الإنترنيت ازدادت بشكل قوي. ونجح الجناح الإعلامي لتنظيم "الدولة الإسلامية" في الترويج للجهاد. فالأفلام التي ينتجونها بمهنية تظهر المعارك في سوريا والعراق. ويرى فلوريان إندريس أن "السفر إلى سوريا للقتال يعتبر لهذا الشخص أو ذاك شكلاً من أشكال تحقيق الذات أو الحصول على الاعتراف"، خصوصا وأن الوصول إلى سوريا عبر تركيا يتطلب ثلاث ساعات بالطائرة، ثم الدخول إلى الأراضي السورية عبر الحدود التركية.
مهمات هامشية
لا يتم عادة إسناد مهمات كبيرة للجهاديين القادمين من ألمانيا وذلك بسبب "مشكل غياب الكفاءة في مجال الحوار الثقافي"، على حد قول مروان أبو تمام المسؤول عن قسم "الجريمة من الخلفيات السياسية" في مصلحة شرطة الجريمة بولاية راينلاند بلاتينات. ويضيف أن "عدم إلمامهم بالثقافة العربية، يتسبب غالباً في بقائهم على الهامش". كما إنهم لا يتوفرون على تجارب في فنون القتال، لأن "غالبيتهم لم تكن في الجيش الألماني"، على خلاف المقاتلين القادمين من دول عربية، حيث إنهم قاموا بالخدمة العسكرية في بلدانهم.
ويتم أيضا اسناد العمليات الإنتحارية للمقاتلين القادمين من ألمانيا، وهي عمليات لها دور رئيسي في استراتيجية تنظيم"الدولة الإسلامية". فهم يقومون بتفخيخ الشاحنات واختراق مواقع العدو، قبل الاتحاق بباقي المقاتلين الآخرين. فقبل حوالي شهر فجر الألماني المعتنق للإسلام فيليب بيرغنر، نفسه قرب مدينة الموصل وقتل معه عشرين شخصا. ويقدر عدد المقاتلين القادمين من ألمانيا والذين قاموا بعمليات تفجيرية في العراق بخمسة أشخاص على الأقل.
ورغم أن السلطات الألمانية تعاقب الأشخاص الذين يدعون للجهاد في سوريا، إلا أن تلك الدعوات أصبحت سائدة داخل التنظيمات المتطرفة ويوجد العديد من الخطابات الدعائية على الإنترنيت. ويبقى انتزاع جواز السفر الألماني كخطورة تحذيرة، غير أن تطبيقها أمر مستحيل، لأن المواطنين الألمان لا يحتاجون لتأشيرة الدخول إلى تركيا. وفي الغالب يعود الجهاديون إلى ألمانيا بدون مشاكل. وقد يمكن متابعتهم قضائياً، إلا أن "المشكل يتجلى في صعوبة إجراء تحريات داخل سوريا أو العراق، ولا يعرف المرء ماذا فعلوا بالضبط هناك"، كما يوضح مروان أبو تمام.
خطر متزايد
السلطات الأمينة قلقة طبعا من عودة المقاتلين ومن قيامهم بأعمال إرهابية. وبالنسبة لمروان أبو تمام فالعائدون يتكونون من أربعة أصناف. الصنف الأول هم الذين عادوا وهم محبطون من التجربة وقد يتخلون عن فكرة الجهاد، أما الصنف الثاني فهم الذين يعودون بمشاكل نفسية وتجارب قتالية، ومن الصعب جداً توقع ردود أفعالهم. أما الصنف الثالث فيتعلق بأشخاص أسندت إليهم مهمة نقل العمليات الجهادية إلى المجتمعات الأوروبية. أما الصنف الرابع فيتكون من مقاتلين كان يعيشون ويعملون في ألمانيا بشكل غير قانوني. كما أن عدم معرفة المصالح الأمنية لهوياتهم، يجعل الوضع خارج السيطرة، حسب مروان أبو تمام.
ورغم غياب مؤشرات بوجود مخططات للقيام بأعمال ارهابية في ألمانيا، إلا أن الحادث الإرهابي الذي شهدته بلجيكا في شهر مايو / آيار الماضي، والذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص داخل متحف يهودي ببروكسيل، يشكل دليلا على خطورة الوضع. من جهته لم يستبعد وزير الدفاع الألماني "الخطر المتزايد" للمقاتلين الإسلاميين العائدين من سوريا والعراق على أمن ألمانيا. ولتجاوز المشكل على المدى المتوسط يطالب الخبراء بضرورة وضع برامج مضادة لأفكار الجهادية على غرار البرامج التي تم تطبيقها للحد من النزعات اليمينية المتطرفة.