جوائز أوسكار- "الجبهة الغربية" يعيد البريق للسينما الألمانية
١٣ مارس ٢٠٢٣بدأ فيلم الدراما الحربية الألماني "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، السباق في النسخة 95 من أهم مهرجان سينمائي في العالم بتسعة ترشيحات في فئات الجوائز المختلفة، ليحصل في النهاية على أربع جوائز قيمة من جوائز الأوسكار.
وقال المخرج إدوارد برغر في خطاب الشكر أثناء تسلمه جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي (أفضل فيلم بلغة أجنبية) في مسرح دولبي بهوليوود مساء الأحد (12 مارس/ آذار 2023 بالتوقيت المحلي للولايات المتحدة): "يا إلهي، هذا يعني لنا الكثير".
الفيلم المناهض للحرب والمقتبس من رواية إريش ماريا ريمارك، والذي هو من إنتاج نتفليكس وبدأ عرضه على المنصة الشهيرة في خريف 2022، حصل أيضاً على جوائز أفضل تصوير سينمائي وأفضل تصميم إنتاج وأفضل موسيقى تصويرية، وهي الموسيقى التي وضعها عازف البيانو والموسيقي فولكر بيرتلمان، المعروف كموسيقار باسم "هاوشكا".
أنجح فيلم ألماني في تاريخ أوسكار
فيلم "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" للمخرج الألماني إدوارد برغر هو رابع عمل ألماني يفوز بجائزة أفضل فيلم دولي في مهرجان الأوسكار بعد فيلم "حياة الآخرين" و"لا مكان في أفريقيا" و"الطبل الصفيح".
ومن منظور ألماني، فإن حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ95، كان الأكثر نجاحًا في تاريخ السينما الألمانية: فحصول فيلم الجبهة الغربية على أربعة جوائز هو أمر لم يسبقه إليه أي فيلم ألماني آخر. كما أن دخوله السباق بتسعة ترشيحات هي مسألة لم يفعلها قبله أي فيلم ألماني، إضافة إلى أن ترشيحه أيضا لفئة "أفضل فيلم" هي أيضا مسألة لم يسبق لأي فيلم ألماني قبله أن حظي بها.
وكانت آخر مرة فاز فيها فيلم ألماني بجائزة أفضل فيلم دولي قبل 16 عامًا: ففي عام 2007، فاز بالجائز فيلم "حياة الآخرين"، وهو دراما عن جهاز أمن الدولة "شتازي" في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، من إخراج هنكل فون دونرسمارك. ويناقش الفيلم الأوضاع في ألمانيا الشرقية وقضية التصالح بين الجاني والضحية.
وقبل عشرين عاما بالتمام والكمال (أي في عام 2003) حصل فيلم "لا مكان في أفريقيا" (Nirgendwo in Afrika) على جائزة أفضل فيلم دولي في مهرجان الأوسكار، وهو من إخراج كارولينه لينك. الفيلم مأخوذ من رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة الألمانية الراحلة شتيفاني تسفايغ، ويحكي قصة عائلة يهودية فرت من حكم النازيين في ألمانيا عام 1938 فهاجرت إلى كينيا ليواجه أفرادها مصاعب التأقلم على الحياة هناك.
وقبل ذلك كان فيلم "الطبل الصفيح" للمخرج فولكر شلوندورف، والمأخوذ عن الرواية الخالدة التي تحمل نفس الاسم لأديب نوبل الراحل غونتر غراس، قد فاز بأفضل جائزة فيلم دولي في أوسكار عام 1980. ويحكي الفيلم قصة القزم أوسكار ماتسرات، الذي كان يراقب الناس من منظور الضفدع (من أسفل إلى أعلى) ويفضحهم مستغلا اعتبارهم إياه طفلا صغيرا، حيث توقف عن النمو في سن مبكرة. وكان أوسكار سببا في موت بعض ممن يحبونه، مثل والدته ووالده المفترض.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع من حفل توزيع جوائز الأوسكار في لوس أنجليس، كان "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" قد أحدث ضجة كبيرة، بل إنه سجل رقماً قياسياً. فلم يسبق لمُنتَج ألماني أن حصل على هذا العدد الكبير من الجوائز في حفل جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام، المعروفة اختصارا باسم "جوائز بافتا" (BAFTA-Awards). فقد حصل الفيلم على سبع جوائز بينها "أفضل فيلم".
"يا لها من ليلة، لا أستطيع تصديق ذلك"، هذا ما قاله المخرج الألماني إدوارد برغر بحماسة، والذي حصل أيضًا على الجائزة المرموقة لأفضل مخرج. وقال برغر البالغ من العمر 53 عامًا في كلمة الشكر بالمهرجان البريطاني: الجوائز السبع هي شرف كبير جدا".
أول فيلم بالألمانية لرواية الألماني ريمارك
حتى وقت قريب، لم يكن هناك سوى أفلام باللغة الإنجليزية لرواية الكاتب الألماني إريش ماريا ريمارك المناهضة للحرب "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية". وتجرأ المخرج إدوارد برغر على تفسير ألماني للرواية، له وجاهته. ويجري بثه على منصة "نتفليكس" منذ نهاية أكتوبر/ تشرين الثاني 2022.
ويثني بعض النقاد على النسخة الجديدة بوصفها دراما ناجحة مناهضة للحرب، بينما يشكو آخرون من أن المخرج قد اخترع قصصًا جديدة وحذف شخصيات ومشاهد حاسمة. وفي حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام (يُقام في 12 مارس/ آذار)، يعتبر فيلم "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" أحد الأفلام المرشحة في فئة "أفضل فيلم أجنبي". وفي جوائز غولدن غلوب، التي وزعت في يناير/ كانون الثاني 2023، أي قبل جوائز بافتا، كان الفيلم يحلق عاليا حتى النهاية، لكنه ذهب بعد ذلك خالي الوفاض.
برغر: "الفيلم حاضر الآن أكثر من أي وقت مضى"
ترسم رواية إريش ماريا ريمارك المنشورة في عام 1929 صورة جيل يندفع بحماس من المقاعد بفصول المدرسة إلى جبهة القتال وفي النهاية يلقى حتفه داخل آتون آلة الحرب القاتلة في الحرب العالمية الأولى.
وبالنسبة للمخرج إدوارد برغر، فإن الموضوع، وبعد 100 عام من الحرب العالمية الأولى، هو حاضر اليوم مثلما كان في ذلك الوقت. "في أوقات تزايدت فيها الشعبوية والقومية، يكون الموضوع حاضرا الآن أكثر من أي وقت مضى".
الحروب والأزمات وتحولات الزمن تقود الناس
قبل ثلاث سنوات، عندما بدأ برغر في إخراج العمل السينمائي، أقلقته التطورات السياسية في أوروبا والعالم، كما أخبر في مقابلة مع DW قبل حفل توزيع جوائز بافتا في نهاية يناير/ كانون الثاني. "خروج بريطانيا العظمى من الاتحاد الأوروبي ووجود حكومة يمينية في المجر وزحف يميني في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وتطلعات اليمين المتطرف في العديد من البلدان في أوروبا، وفجأة أصبح ضامن للسلام مثل الاتحاد الأوروبي محل تشكيك وهو الذي كفل لنا حياة خالية من الهموم لمدة 70 سنة".
في البداية لم يكن برغر يتخيل أبدا أنه من الممكن صدور خطاب كراهية من قبل رؤساء حكومة أو ممثلين منتخبين. "يتسرب هذا الخطاب إلى الشارع. في مترو الأنفاق في طريقي إلى العمل، ألتقط جملًا كان يمكن صياغتها في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين، جملا مثل: "يجب أن نعلق أنغيلا ميركل على الحائط".
بالنسبة له، كانت الشعبوية والقومية العائدتان بقوة هما السبب الحاسم لصناعة فيلم "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية". "لقد حان الوقت لصنع فيلم يذكرنا بأن الظروف التي سبقت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) قد لا تكون مختلفة لدرجة أننا عدنا إلى حيث كنا ذات مرة، حتى ولو اعتقدنا أيضا أن الأزمان لن تعود أبدًا"، يقول برغر.
في عام 1929، كانت رواية إريش ماريا ريمارك "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" واحدة من أعظم النجاحات في تاريخ الأدب الألماني. وفي عام 1930 تم تحويلها إلى فيلم سينمائي في أمريكا لأول مرة وفاز بجائزة الأوسكار. وفي عام 1979، صورت الرواية مرة ثانية في إنجلترا والفيلم الذي أخرجه الآن برغر هو الثالث المأخوذ من الراوية.
لماذا نسخة ألمانية الآن؟
لماذا تأخرت كثيرا النسخة الألمانية؟ يقول برغر: "هناك دائمًا أبطال في الأفلام الأمريكية والبريطانية، لكن لا يمكن أن يكون هناك أبطال في فيلم ألماني عن الحرب". ويتابع: "تم جَرُّ أمريكا جرّا إلى الحرب العالمية الأولى، ودافعت إنجلترا عن نفسها. وهذا يترك ذاكرة جماعية مختلفة تمامًا بين الناس وأيضًا مع صانعي الأفلام الذين نشأوا في هذين البلدان".
ويضيف المخرج الألماني: "يتأثر كل قرار بالمشاعر. وبما أنني نشأت في ألمانيا، وهي دولة لا تكون فيها قصص الحرب فخرًا وشرفًا، كما قد يكون الحال في إنجلترا أو أمريكا، وإنما يكون هناك الشعور بالذنب والعار والمسؤولية تجاه التاريخ فمن الطبيعي أن يكون هذا الإصدار من "كل شيء هادئ في الجبهة الغربية" يختلف تمامًا عن سابقيه من أمريكا وإنجلترا".
في أفلام الحرب الأمريكية، يمكن قتل الألماني لأنه شرير لكن في المقابل، في أفلام الحرب الألمانية، "كل موت هو حدث سيئ".
برغر يحكي قصة قديمة من جديد
وفي رد برغر على انتقادات بأن فيلمه، على عكس سابقيه من عامي 1930 و1979، يتعامل مع رواية ريمارك بشكل فضفاض، قال المخرج الألماني إن ريمارك نفسه قال ذات مرة: "الكتاب كتاب. وإذا تم تحويله إلى فيلم فيصبح وسيلة جديدة". ويوضح بيرغر أن صانعي الأفلام ينبغي لهم ويمكنهم أن يسمحوا لأنفسهم بحريات وأن فيلمه هو مجرد إعادة تفسير "فالحرب العالمية الأولى مضى عليها أكثر من 100 عام ولدينا اليوم منظور مختلف تمامًا".
وبالطبع، حاول بيرغر وفريقه السير قدر الإمكان وفقا لقصة وشخصيات الرواية. لكن برغر كان مهتمًا بشكل خاص بالصراعات الداخلية للشخصية الرئيسية باول بويمر ووضعها في قلب الأحداث.
الذهاب للحرب العالمية الأولى بحماس خاطئ
"يذهب الشاب باول بويمر إلى الحرب بحماس. ويعتقد أنه بفضل براءته وشبابه سيصبح بطلاً. لكنه يدرك بسرعة كبيرة أن كل ما تعلمه كطفل في ألمانيا، خلال تنشئته الاجتماعية ليس له قيمة في أوحال الحرب، فيفقد روحه ويتحول إلى آلة قتل ولا تكون له قدرة أبدا على العودة إلى حيث جاء"، هكذا يلخص برغر الموضوع الأساسي للرواية ويستشهد بشكل غير مباشر بكلام ريمارك في مقدمة روايته: "هذا الكتاب ينبغي ألا يكون لائحة اتهام أو اعترافا وإنما يجب فقط أن يقوم بمحاولة للحديث عن جيل دمرته الحرب، حتى ولو نجح في الهروب من دانات مدافعها".
في الواقع، في أحداث الفيلم يتوحش بطل الرواية ويتحول من مجند جديد متحمس إلى جندي أصابته الحرب بالصدمة. ويقول برغر أيضًا: "إذا لم يفقد المرء حياته في الحرب، فسيفقد روحه".
معالجة جديدة مع دانييل برول في دور ماتياس إرتسبرغر
قام المخرج وفريقه أيضًا بإدخال قصة جديدة في الفيلم، حيث يلعب دانييل برول دور السياسي والناشر الاشتراكي الديمقراطي ماتياس إرتسبرغر. حيث يظهر بوضوح بيروقراطية عبثية الحرب أحيانا ويرتب الحدث في إطار تاريخي.
إرتسبرغر، الذي وقع الهدنة بين فرنسا وألمانيا، بعد تنازل الإمبراطور الألماني، في كومبين في غابة خارج باريس، يعتبر شخصية مهمة للغاية في التاريخ الألماني بالنسبة ليرغر. "لدينا اليوم ميزة (مرور) التاريخ لنعرف إلى أين قاد وقف إطلاق النار هذا، وكيف أن الجيش استخدم لاحقًا ارتسبرغر كبش فداء لإلقاء اللوم عليه على الهزيمة في الحرب". قُتل إرتسبرغر على أيدي القوميين بعد عامين من نهاية الحرب.
المفاوضات حول وقف إطلاق النار تستخدم أيضًا في الفيلم كوسيلة لإثبات أن الصراع استمر في الهدير بعد نهاية الحرب.
كانت الحرب العالمية الأولى هي البداية فقط. "لقد فقد 17 مليون جندي حياتهم حتى ذلك الحين. وبعدها بـ 15 عامًا فقط، زاد الجنون. ولم يكن لدى ريمارك هذا المنظور عندما كتب روايته قبل الحرب العالمية الثانية".
السباق على جوائز الأوسكار
في جوائز غولدن غلوب لم يحصل "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" على أي جائزة وإنما فاز فيلم "الأرجنتين 1985" بجائزة "أفضل فيلم بلغة أجنبية". ولم يتمكن إدوارد برغر من حضور المهرجان بسبب تصوير فيلمه الجديد حول انتخاب البابا في روما. كانت لديه أفضل صحبه مع فريقه التمثيلي، ومن بينهم رالف فينس، ستانلي توتشي، جون ليثغو وإيزابيلا روسيليني.
لكنه تمكن الآن من الفوز بأربع من جوائز الأوسكار: "أفضل فيلم بلغة أجنبية"، "أفضل تصوير" ، "أفضل موسيقى تصويرية"، وأفضل "تصميم إنتاج".
كفين تشيرزه/ صلاح شرارة