جوتز آلي: "النازية مزيج من الأيديولوجية الدموية والإغراءات الاقتصادية"
١٢ يناير ٢٠٠٧لم يستند الحزب النازي في التسويق لأيديولوجيته وما تبع ذلك من جرائم بحق البشرية وتدمير معالم الحضارة الانسانية على إضفاء نوع من الشرعية على النظام الرأسمالي وتمثيل مصالح الشرائح الاقتصادية الرجعية المتنفذة فحسب، بل سعت النازية إلى استثمار الديماغوغيا الاجتماعية-الاقتصادية، لاسيما في وضع الخطوط العريضة لمفهوم "دولة الرفاه الاجتماعي" من أجل استقطاب المواطنين العاديين حول أفكار الحزب وأهدافه.
ولاستقصاء سياسة الحوافز والإغراءات الاقتصادية التي انتهجها هتلر، قام المؤرخ الألماني جوتز آلي بتأليف كتاب حمل عنوان" دولة الشعب الهتلرية." لقد أثار هذا الكتاب ضجة واسعة في الأوساط الثقافية والإعلامية الألمانية، نظرا لطبيعة الحقائق التي كشف عنها والتساؤلات التي أثارها وخاصة فيما يتعلق بإشكالية العلاقة بين الأيدلوجية والاقتصاد وكيف أغدق هتلر على الألمان بالامتيازات الاجتماعية، الأمر الذي كوّن له قاعدة شعبية كبيرة. وفي مقابلة أجراها موقعنا، دويتشه فيله DW-WORLD، مع المؤرخ آلي، أوضح أن هذا الكتاب هو "محاولة لتفسير التفاف بعض أطياف المجتمع الألماني حول هتلر، وخاصة من عامة الشعب."
كتاب "دولة الشعب الهتلرية"
من أجل فهم قدرة الحزب النازي على استقطاب شرائح كبيرة من الشعب الألماني، لا بد من وضع الأمور في سياقها التاريخي. فهذا يتجلى من خلال العلاقة بين الدولة الشعب التي تأسست جذورها منذ عهد بسمارك، حيث اعتاد الألمان على أن يأخذوا من الدولة الشيء الكثير. مثل هذا الأمر حاول هتلر أن يوظفه من أجل إنجاح برنامج عمله. وحسب المؤرخ آلي فإن "توافقا كبيرا" حصل بين الشعب والنظام في عهد هتلر، بسبب سياسات هتلر الاقتصادية. كما عمد أيضا إلى سياسة "احتواء قطاع الصناعة" وجعله جزءا من أدواته العسكرية والدعائية. فقد انتفع العديد من قطاعات الصناعة وخاصة العسكرية منها من العطاءات والعروض الكبيرة.
في سياق متصل، أشار المؤرخ آلي إلى أن كتاب "دولة الشعب الهتلرية" "يقدم رؤية لطبيعة تفكير قطاع عريض من الشعب الألماني في الحقبة النازية وكيف وقفوا إلى جانب نظام سياسي دموي." فقد أثارت مثل هذه المواقف النقدية جملة من التساؤلات وفتحت الباب على مصراعيه أمام عدد من القضايا التي كان يظن على أنها مسلمات. على سبيل المثال، أوضح الكتاب انه لم تنحصر الاستفادة من العمل الإجباري على القطاعات الصناعية الكبرى، بل استفاد من ذلك أيضا المواطنون العاديون.
نظرة نقدية لنظام "دولة الرفاه الاجتماعي"
في رده على سؤال لموقعنا حول تقييمه لبنية "دولة الرفاه الاجتماعي"، اعتبر آلي بأن التركيبة البنيوية لنظام الدولة من أفضل ما أبدعته العقول الألمانية. غير أن نقده ينصب على عدم الاعتراف بأن سنوات الحكم النازي هي جزء من نظام الرعاية الاجتماعي الذي ترتكز عليه الدولة الألمانية. وأضاف أن "العديد من جذور القوانين الموجودة في وقتنا الحاضر يعود إلى الحقبة النازية." ومن الأمثلة على ذلك: قوانين العمل المتعلقة بحماية حقوق العمال ونظام العطل المدفوعة والساعات الإضافية المدفوعة الأجر، بالإضافة إلى النظام الصحي للمتقاعدين. واعتبر المؤرخ آلي أن مثل هذه التشريعات "ليست خاطئة"، بل الخطأ يكمن في اعتبارها نتاجا لمرحلة ما بعد زوال النظام النازي. وفي ضوء هذه الاعتبارات يمكن "أن نفهم كيف استطاع الحزب النازي أن يستقطب الجماهير وأن يتسلل إلى قلوبهم وعقولهم وأن بجيشهم لأهدافه وتوجهاته".
دور أيديولوجية هتلر ومعاداة السامية في استقطاب الشعب الألماني
اعتبر بعض النقاد لكتاب "دولة الشعب الهتلرية" بأن مؤلفه اتكأ كثيرا على الإحصائيات والأرقام وأغفل معاداة السامية والمحرقة النازية بحق اليهود. لكن المؤرخ آلي أوضح بأن الكتاب "ليس مخصصا للحديث عن هذه الحقيقة التاريخية، بل في توضيح كيفية تمويل النازيين لحروبهم ودعم المواطنين العاديين لهم." وأكد في الوقت ذاته أهمية متابعة بحث دور معاداة السامية في شعبية هتلر، إلا أنه أوضح بأنه لا يعتقد بأن "معاداة السامية كانت الدافع الرئيس للمحرقة." ولحدوث المحرقة ثمة أسباب أخرى تداخلت فيها الدعاية النازية بسمو العرق الجرماني مع غيرها من المصالح والمنافع الاقتصادية التي جناها عامة الناس من النظام النازي.
ومهما يكن من أمر، فإن المؤرخ آلي يعتقد بأن الإجابة على تلك التساؤلات تكمن في "البرامج الاقتصادية الإنعاشية السخية التي تبناها هتلر والموجهة في معظمها إلى القاعدة الشعبية العريضة." كما أوضح بأن كتابه هذا يشكل إطلالة جديدة على موضوع قد يصعب على الآخرين فهمه، خاصة فيما يتعلق بنظام "دولة الرفاه الاجتماعي" الذي عمد النازيون إلى تثبيت دعائمه وإقامة مقاربة واضحة بين قيم الخير والشر. واعتبر أيضا أن قيم الشر التي تجسدت في النظام النازي لا يمكن تعميمها جماعيا، بل بشكل فردي وهو ما أثار حفيظة بعض النقاد.