تحريم الرسومات والتماثيل في الأديان
١٥ يناير ٢٠١٥الإسلاميون يرفضون الصور واللوحات والأفلام التي تجسد النبي محمد وأصحابه، لكنهم لا يستطيعون الاستناد في ذلك إلى دليل في القرآن أو السنة، إذ ليس في القرآن ما يشير بوضوح إلى تحريم الرسومات. فالله ـ في الإسلام ـ هو الذي خلق الإنسان وغيره من الكائنات الحية، وبالتالي فالإنسان لا يستطيع القيام بذلك وحتى إن تمكن من ذلك فلن يستطيع زرع الروح فيها.
لقد ساد الجدل عبر التاريخ بين الفقهاء بشأن الصور أو الرسومات والتماثيل، حيث جاء في حديث البخاري بما معناه أن الملائكة لا تدخل منزلا أو بيتا يوجد فيها كلب أو تماثيل تصويرية. فهل كانت هناك تخوفات من أن يقوم الإنسان بتقليد الإله؟
اختلافات في الإسلام بشأن التحريم
من خلال متابعة ما كُتب خلال ثلاثمائة عام بعد وفاة الرسول محمد ليس هناك ما يشير إلى منع الرسومات والصور في الإسلام. وعند الحديث عن هذا الموضوع يلزم التعامل مع النصوص برؤية تاريخية. وحتى إذا كان الحديث في مكان ما عن ذلك فالأمر غير واضح بالكامل، خصوصا بالنظر إلى الأحاديث أو الآيات القرآنية التي نزلت تدريجيا وانطلقت من أحداث زمنية وتاريخية، فنسخت ما قبلها أو صححت أوضحت بعضها البعض.
عند ظهور الإسلام كانت هناك تخوفات من عبادة الأوثان التي كانت أيضا عبارة عن تماثيل وأصنام، حيث جاء في القرآن "فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ" ويعني ذلك إبعاد كل تشابه محتمل بين الذات الإلهية وغيرها. وهذا ما دفع بنبي الإسلام محمد بعد دخوله مكةعام 630 ميلادية للأمر بتطهيرها من الأصنام والأوثان. وبذلك أخذت الكعبة مكانة مقدسة وأصبحت مركزا ووجهة مهمة ينطلق منها الإسلام. فلم يعد هناك مكان آخر لآلهة أخرى أو للطقوس الوثنية التي كانت لدى عرب ما قبل الإسلام فيما يطلق عليه في الإسلام بـ "العهد الجاهلي"، حيث وجب القضاء عليها ليحل محلها دين الإسلام، كما تؤكد الباحثة السويسرية في الدراسات الشرقية سيلفيا نائف. فهل كان تحطيم الأصنام والأوثان عند دخول مكة يعبر عن تخوفات من تأثير الصور والأصنام على الناس؟
صور مصغرة للنبي محمد وأمه آمنه
في المذهب السني أستمر نهج منع الرسومات، غير أنه لم يتم نهج هذا الموقف بشكل دائم ، حيث ظهرت رسومات ولوحات رسم إسلامية في الكتب وفي صور مصغرة تظهر النبي محمد وأمه آمنة، في بعض الأحيان ملثمة وأخرى غير ملثمة. كما تم رسم صور للنبي إبراهيم وغيره من صحابة النبي محمد المذكورين في القرآن.
وعلى مر الزمان عرفت كتب الرسم الفارسية المعبرة عن أفكار وصور أو مواقف دينية ازدهارا كبيرا. وكان الأمر كذلك في فنون الرسم لدى المغول الهنود. ولاشك أن ظهور فن التصوير في القرن التاسع عشر والتليفزيون في القرن العشرين زادا من حدة النقاش بشأن رسم الكائنات الحية وتمثيلها.
جدل حول صور المسيح وأمه مريم
حتى في الديانة المسيحية كان هناك خلاف بشأن الصور التي تجسد الكائنات الحية. فكتاب العهد القديم يمنع بشكل واضح رسم صور للآلهة، حسب الباحثة في الدراسات الشرقية سيلفيا نائف. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى الجدل الكبير بشأن صور المسيح في القرن الثامن والتاسع الميلادي وكيفية إظهاره أو تحريم تجسيده، واشتعل الجدل على خلفية تمثيل المسيح وأمه مريم. ونجحت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في تجاوز ذلك الجدل، وهو ما يشرح تقاليدها العريقة في رسومات الإيقونات الدينية والكنائسية.
وحتى في الكنيسة الغربية كانت هناك تخوفات من عبادة الأوثان عبر الصور والأصنام. فقد تحدث البابا غريغور الكبير عام 600 ميلادية عن عدائه للتماثيل والعبادة المركزة عليها، غير أنه اعترف بأهميتها التربوية. وكذلك كان أيضا موقف مجمع فرانكفورت المسيحي عام 794 . غير أن الكنيسة الكاثوليكية لم تعترف بالرسومات والصور إلا في القرن 12 و 13. وفي القرن 16 ظهر جدل آخر بشأن الصور حيث أزال الإصلاحيون الدينيون، مثل كالفين و تسفيغلي الصور من دور العبادة. كما حذر آنذاك زعيم الحركة الإصلاحية الإنجيلية مارتن لوتر من التماثيل والصور التي تؤدي كما قال إلى "الكفر والتجديف".
الخوف من غضب الإله و القتل باسمه
هذا المنظور هو الذي ميز المواقف في الديانات السماوية بشأن التمثيل والصور. ومن منظور الخوف من غضب الله كانت الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية تخشى في الماضي من قوة وتأثير التماثيل والصور في الناس.
واليوم يسعى متطرفون إلى إعادة إحياء موضوع تحريم الرسوم والتماثيل نيابة الإله وباسم الدين. وهم يحرضون ضد الرسوم التي تجسد النبي محمد. ويعتبر الباحث في تأريخ الفن هورست بريدن كامب في حديث مع صحيفة زود دويتشي تسايتونغ أن " القيام بقتل الناس بسبب رسومات، كما حدث في باريس يعبر عن إستراتيجية سياسية لبعض الجماعات الإسلامية، التي لا تريد أن تفرق بين الصورة كصورة وبين الله".