جيهان لقطينة... قصة نجاح ملهمة رغم كل التحديات
٧ أبريل ٢٠٢٤كانت تعيش رفقة أسرتها في ريف دمشق، درست الأدب الإنجليزي في ردهات الجامعة السورية، واشتغلت فترة طويلة في بلدها ضمن أطقم شركات أجنبية مختلفة. لكن بعد اشتعال الحرب واشتداد الأزمة، توقفت الشركة التي كانت موظفة فيها، وعوض الهجرة نحو بلد آخر حيث مُنِحت لها الفرصة مع مشغلها، قررت البقاء في بلدها أملا في أن الأوضاع ستتحسن.
بعد ذلك اضطرت جيهان لقطينة للانتقال إلى العاصمة السورية، لضمان استمرار تعليم أبنائها وتقريبهم إلى مدارسهم حفاظا على سلامتهم من التنقل من الريف لمسافة طويلة، وتزامن الأمر مع حصول زوجها على فرصة عمل في أربيل بإقليم كردستان العراق، لتهاجر العائلة سنة 2013 لمدة سنة ونصف، ويقرروا بعد ذلك سريعا العودة إلى سوريا، حيث لم تتغير الأوضاع أبداً.
البحث عن الأمان!
لا في سوريا ولا في العراق ولا حتى في بيروت التي غادرت نحوها لمدة شهرين فقط، لم تجد أسرة جيهان أمانا، فقرر زوجها الذي كان يتوفر على فيزا شنغن أن يحاول الاستقرار في ألمانيا لإنقاذ مستقبل الأبناء، وهو ما تم بعدما وصل إلى البلاد بطريقة قانونية. بعد انتهاء مدة التأشيرة طلب الزوج اللجوء، وانتظر فترة سنتين حتى تمكن من جلب زوجته جيهان وابنيهما عن طريق لم الشمل، فلم تضطر الأسرة لعيش معاناة اللجوء بحرا أو عبر طرق الموت الأخرى التي خاضها ملايين الأشخاص من مختلف مناطق العالم في فترة أزمة الهجرة الحادة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وصلت جيهان وأبنائها إلى مدينة ماربورغ الألمانية، ووجدت أن زوجها قد قطع أشواطا مهمة في تعلم اللغة، فاتخذت نفس الخطوات وقررت فورا أن تبدأ البحث عن عمل، لكنها لم توفق بسبب عدة معيقات، ما دفعها للتفكير في إيجاد طريقة للخروج من عزلة المنزل.
ولم تجد جيهان خيرا من محاولة الاندماج مع المجتمع عبر التطوع، فبعد حصولها على مستوى B2 في اللغة الألمانية، قررت أن تحصل على شهادة مترجم، لتخوض بعدها تجربة العمل مع مكتب ترجمة بالمدينة، وصار عملها مقتصرا على مرافقة أشخاص مهاجرين ولاجئين لمواعيد في إدارات مختلفة لأجل مساعدتهم على التواصل مع الألمان.
مسار التطوع .. مفتاح النجاح!
جيهان التي تبلغ من العمر 52 سنة اليوم، لم يقف عمرها حاجزا أمام رغبتها في استمرار مسارها الجديد الذي رسمته بعد اللجوء. لكنها تشير في حديثها لمهاجر نيوز، أنها ليست أولى تجارب العيش مع ثقافة أخرى مختلفة عن الثقافة السورية، بل سبق أن عاشت خلال طفولتها في الجزائر ست سنوات. وحول التجربة وما تعلمته منها تقول "عشت بين المسلمين وتعرفت على دينهم ودرسته في المدارس الجزائرية منذ صغري، يعني مع المسلمين تربطني الثقافة ومع المسيحيين الأوروبيين تربطني الديانة لكن ثقافتي مختلفة، هذا هو التنوع الجميل الذي أحبه في حياتي".
تجربة الغربة والثقافة الجديدة وإصابتها بالسرطان وفترة علاجها منه، كانت أكثر اللحظات صعوبة في ألمانيا، حسبما تروي جيهان. لكن المهاجرة السورية لم تتوقف عند الفترات السيئة ولم تجعلها تطول، إذ فور استعادة عافيتها عادت لنشاطها وأطلقت مشروع طريق الحرير، جمعت فيه متدخلين من مختلف البلدان ومناطق العالم للحديث خلال ندوات مفتوحة عن ما حدث من تبادل ثقافي وحضاري بين الغرب والشرق. كما شارك العديد من المفكرين والمؤرخين والفنانين في هذا المشروع، ولاقى اهتماما كبيرا من الجمهور، إن كان في الأحداث الثقافية والفنية التي شهدتها المدينة، أو الندوات التي انعقدت افتراضيا بسبب كورونا.
ترشح غير مخطط له لخوض غمار انتخابات المجلس!
بعد نجاح الفكرة التي جمعت مجتمع المهاجرين بالألمان، اقترحت عليها إحدى صديقاتها أن تترشح لعضوية المجلس الاستشاري للأجانب، وهو مجلس لم تكن جيهان تعرف أو تطمح يوما للعمل من داخله، لكنها أقنعتها في نهاية المطاف للمحاولة، رغم أنها كانت شبه متأكدة من أنها لن تنجح في الانتخابات.
كانت المفاجـأة أن جيهان حصدت عدد أصوات كبير من مختلف الجنسيات والأعراق، أهلها للعضوية بالمجلس بسهولة كبيرة مع 14 عضو آخر، ما أوضح لها حسب قولها مدى الصدى الطيب والقوي لكل ما قامت به من مجهودات تطوعية منذ وصولها إلى ألمانيا، واعتبرته ثمرة نجاحها في الاندماج في ألمانيا.
"شهدت فترة الترشح صعوبات، لقد رفضني البعض لأني امرأة، كانت أفكارهم تقول أن مكاني ليس بالمجلس بل بالبيت، هاجموني وهددوني، وللأسف كنت على وشك الانسحاب خوفا لولا مساندة الكثيرين منهم أسرتي وأصدقائي، لكن بعد مضي تلك الفترة، وظهور النتائج المشجعة اكتسبت شغفا للاستمرار فيما بدأته عن طريق عضويتي بالمجلس".
وتشرح المتحدثة أكثر "عملنا من داخل المجلس يصب في نفس المسار، يصبو لتشجيع فكرة العيش المشترك وتبادل المعارف حول ما هو ثقافي وفني، تحضر السياسة لكن بأهداف إنسانية وتوعوية فقط". قبل شهرين من الآن، عرف المجلس انتخابات داخلية، وتمكنت جيهان من خلالها أن تصبح عضو المجلس الإداري للمجلس الاستشاري للأجانب.
عروض مهنية ترفضها رغبة في الاستمرار في مسارها!
تلقت جيهان العديد من عروض العمل مع منظمات تعمل في إطار العيش المشترك بمجلس إدارتها، وقبلت إحداها داخل المدينة حيث تعمل الآن منذ عامين، لكن بدوام جزئي فقط، حتى تستطيع الحفاظ على جزء من وقتها لباقي مهامها. وقبله تلقت عروض عمل بعيدة عن المدينة براتب أفضل بكثير وفرص مهنية مغرية لكنها اختارت إكمال طريقها في التطوع، وخدمة العيش المشترك وراحة بالها كما تصف الأمر بكلماتها.
تقول إن "هذا العمل فعليا يكون مرهقا أحيانا، ومقابله المادي زهيد للغاية، وهو ما يجعل أبنائي مثلا يتفاعلون بسؤالي أحيانا عندما أكون فعليا مرهقة، لماذا لا تأخذين قسطا من الراحة، لكني أجد نفسي في مساعدة الآخرين ممن وفدوا جديدا على البلد، ويحتاجون من يواكبهم لإيجاد السبيل الصحيح نحو الاندماج بالمجتمع".
وعن مدى انعكاس عملها عليها، تقول "هذا التغيير من مهنتي السابقة إلى ما أقوم به منذ بدايتي في المجال التطوعي، ساعدني كثيرا وأكسبني طمأنينة. كذلك كان فرصة لأشكر ألمانيا وأرد جزءا مما قام به المجتمع الألماني لأجلي، وما وفره لي من فرصة وأمان أنا وأسرتي".
لجيهان مواهب أخرى تساعدها في فتح سبل التواصل مع مختلف المجتمعات في مدينتها، منها صوتها الجميل، الذي كان وسيلة لمشاركتها في احتفالات تخص اليوم العالمي للمرأة يوم أمس في مدينتها، حيث دعيت للمشاركة احتفاء بمسارها ومجهودها في مجتمعها، تقول "أديت أغاني من ثقافتي أطربت من يرون أن صوتي جميلا، تشاركنا أوقاتا ممتعة".
ماجدة بوعزة