حازم صاغية: انتكاسة هائلة احدثتها الثورات العربية المضادة
٢٦ يناير ٢٠١٩كيف ترى الأحوال في مصر اليوم بعد مرور ثمان سنوات على "ثورة يناير 2011"؟
لا أسوأ من الوضع السيء إلا الاعتذار عن تغييره، بمعنى أنه منذ 1952 حكمت مصر بميراث وشرعية ثورة يونيو التي تغيرت وتبدلت كثيراً خلال العقود الماضية، إلا أن الأساس فيها لم يتغير، فحين حصلت ثورة يناير كان الانطباع الأصلي أنها ستقطع الصلة مع الشرعية النابعة من "يوليو 52" وستباشر توليد علاقات اجتماعية وسياسية مختلفة لكن ما فعله السيسي هو في الحقيقة أشبه باعتذار عن ثورة يناير، ليعيد الاعتبار إلى تركة يوليو والوضع السيئ الناجم عنها. هذا الاعتذار عن ثورة يناير أعاد ربط المستقبل بالماضي الذي ولد مع حركة يوليو.
كانت مصر على مدى العقود الماضية نموذجا ملهماً في العالم العربي.. هل لازالت تحتفظ بهذا البريق بعد كل هذه الأحداث؟
مصر كانت دائماً النموذج في العالم العربي، إما بنجاح في الداخل - وهذا هو الأساس الأصوب - وحدث ذلك حين كانت مصر عاصمة للفنون والثقافة والأدب والسينما، أو بأدوار إقليمية وخارجية، كما حدث في عهد عبد الناصر بارتباط مصر بالدعوة العروبية بغض النظر عن صلاح تلك الدعوة من عدمه، لكن كان هناك رسالة أيديولوجية خرجت من مصر ووجهت للعالم العربي. ومع أنور السادات كان هناك مسألة السلام مع إسرائيل وانتهاء الحرب، وحتى مع مبارك عندما أعيدت مصر إلى الجامعة العربية بوصفها الطرف الذي يستطيع أن يدعم الوضع العراقي والعربي في مواجهة إيران كان هناك رسالة ما، لكن حالياً لا يوجد لمصر أي رسالة لا للعالم العربي ولا لغيره ولا يوجد لديها نموذج ناجح في الداخل ما يفسر ضعف الحضور السياسي والثقافي المصري في المنطقة.
لماذا لم يعد أحد يدعو للاحتفال بذكرى الثورة ولو حتى بشكل صوري في مصر؟ ما الذي جعل الناس ينظرون بفتور إلى ثورة يناير؟
من ناحية هناك الإحباط الذي ولد مما أعقب أحداث 2013 وموجة القمع الهائلة التي تلتها، فمصر اليوم بها أكثر من 60 ألف سجين سياسي، وفق تقارير المنظمات الدولية، ومن جهة أخرى هناك المحاولة الدؤوبة من قبل السلطة لإعادة كتابة التاريخ بإلغاء فكرة قيام ثورة من الأساس وأن الأمر كان مؤامرة نفذها الإخوان المسلمين، ثم جاء السيسي وأنقذ الشعب المصري من هذه المؤامرة وهذه رواية سخيفة ومفتعلة، فعلي الرغم من خلافي العميق والأساسي مع الإخوان وفكرة الإسلام السياسي عموماً، لكن حالياً هناك طريقة في اتهام الإخوان تشبه الطريقة النازية في الكلام عن اليهود، فالنظام المصري الحالي أسند كل شيء سيء يحدث في العالم أو مصر إلى الإخوان، هذه طريقة تجهيلية وبوليسية في الوقت نفسه.
يقول البعض إن تحديد فترة الرئاسة بمدتين فقط هي آخر مكتسبات المصريين من ثورة يناير واليوم تتصاعد الدعوات لتعديل الدستور وفتح مدد الرئاسة.. الحلم بالديمقراطية وتداول السلطة بين 2011 و 2019.. كيف تراه اليوم؟
في الحقيقة هناك انتكاسة هائلة أحدثها انتصار الثورات المضادة التي هزمت ثورات الشعوب العربية بصور مختلفة، حتى التجربة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي وهي تونس تعاني من مؤامرات مستمرة بخلاف أنها تعاني من الضعف التكويني. بهذا الوضع، فمن المتوقع تماماً أن نرى عودة البعض إلى فكرة الزعيم الأبدي الممدد له مرة تلو الأخرى وكل شيء يشير إلى قرب حدوث ذلك، وهي الفكرة التي بدأت منذ عهد عبد الناصر الذي كان أول زعماء الــ 99.99% والذي كانت تجدد ولاية بعد الأخرى. وفي الواقع لا يستقيم نقد تجربة السيسي دون مراجعة التجربة الاستبدادية منذ جمال عبد الناصر.
كانت وفاة خالد سعيد وصورته التي انطبعت في الأذهان حتى اليوم أحد أسباب اندلاع الثورة. لكن اليوم تتزايد الانتقادات الدولية لملف مصر في ملف حقوق بشكل لم يسبق له مثيل وسط انكار مستمر من جانب الدولة المصرية. هل هذه الانتقادات تستند إلى واقع أم أن بها بعض المبالغة؟
هذا الانكار هو جزء لا يتجزأ من الثقافة السياسية الحاكمة في العالم العربي، فبشار الأسد لا يزال ينكر وجود مشكلة هائلة في بلاده وهو ما دأب القذافي على قوله وفعله حتى آخر يوم في حياته، وغيرهم من زعماء العرب، فهناك ميل دائم للإنكار لكن هذا الإنكار وعدم الاكتراث بالعالم الخارجي أيضاً يستمد قوته من صعود الشعبوية في العالم ككل وفي بلدان شديدة التأثير مثل الولايات المتحدة مع ترامب فهذه الأنظمة غير مكترثة بحقوق الإنسان نهائياً ولا يهمها إطلاقاً ما يحدث من انتهاكات في الدول الأخرى وهذه نقطة قوة أكيدة للثورات المضادة وعلى رأسها النظام المصري.
هناك من يقول إن العالم الغربي في 2011 كان أكثر تقبلاً لفكرة ثورات الشعوب العربية، لكن موقفه اختلف اليوم بعد ما حدث في سوريا واليمن وليبيا، وهناك أيضاً من يقول إنه لولا تدخل دول الجوار في الشأن المصري ما كان لتجربة الثورة المصرية أن تفشل. كيف ترى الأمر؟
في رأيي فإن العامل الحاسم والأساس هو ما يحدث في الداخل، بمعنى أنه لو أمكن أن تنجح الثورة في مصر لكانت كل هذه الاعتبارات قد أخذت مكاناً ثانوياً لا سيما وأنه لو انتصرت الثورة ما كانت لتخرب السلام مع إسرائيل وإنما كانت ستبني عليه وهي الورقة التي ابتزت بها الأنظمة المصرية المتعاقبة العالم الغربي كسباً لدعمها ومساندتها.
والخلاصة أن أي تغيير يحدث في المجتمع لابد وأن يحدث من الداخل، لكن المشكلة كانت في أن الثورة وشباب يناير كحركة سلمية في الميادين لم تكن مستعدة لمواجهة أمر هائل مثل تدخل عسكري عنيف في المشهد ليأتي بسلطة قمعية ما كان باستطاعتهم أن يقفوا في وجهها. ليس من المفيد إطلاقاً إحالة فكرة أي تغيير إلى الخارج لأن هذا قد ينهي جزء من الفكر السياسي العربي الذي يرد كل المشاكل إلى المؤامرة وإلى ألاعيب الخارج.
نحن في العالم العربي نحتاج إلى العمل على أنفسنا قليلاً وأن نعرف ما ينقصنا وفي أي شيء قصرنا وأين كان يوجد لدينا سذاجة في الحركات الثورية. وللأسف فإن هذه الشخصيات التي كان يمكن أن تقوم بهذا الدور في مصر يتم ملاحقتها بشتى السبل ويساعد في ذلك عدم وجود مسألة الحقوق والحريات على جدول أعمال دولة كالولايات المتحدة تحت حكم ترامب، كما أن أوروبا الغربية أضعف من أن تضغط فضلا عن إنشغالها بصفقات بيع السلاح إضافة إلى همومها التي لا أول لها ولا آخر من فرنسا ومشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية إلى ألمانيا وميركل التي سترحل والتغيير الغامض الذي سيحدث في البلاد إلى بريطانيا ومشكلة بريكسيت.