حراك نسوي سوري في الداخل والخارج بعد سقوط الأسد.. ما ملامحه؟
٢٣ يناير ٢٠٢٥عانت المرأة السورية قرابة 14 عاماً الماضية من الحرب في سوريا من ويلات مضاعفة. فقد تحملت مسؤولية أسرتها حيث الكثير من الرجال قتلوا أو اعتقلوا أو أصيبوا ويعانون من تشوهات، أو أنهم نزحوا إلى خارج البلاد.
وقبل اندلاع حركة الاحتجاجات السورية عام 2011 كانت المرأة تتحمل مسؤولية العبء المالي لنحو 4 بالمائة فقط من الأسر. بيد أن هذه النسبة ارتفعت بشكل ملحوظ لتصل في عام 2023 إلى نحو 22 بالمائة حسب منظمة كير "CARE" الخيرية.
كما عمل نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بشكل منهجي على استهداف النساء، لأن ذلك يؤثر على الأسرة بأكملها. فقد تحدثت تقارير عديدة على مدار السنوات الماضية عن قصص اعتقال وتعذيب ممنهج بحق نساء سوريات في سجون الأسدين الأب والابن (حافظ وبشار الاسد).
وتحت وطأة جميع هذه الانتهاكات من قبل النظام السوري المخلوع وأجهزته الأمنية، ساهمت النساء السوريات في الحراك الثوري، واليوم يطمحن إلى طي هذه الصفحة ونيل حقوقهن.
بيد أنّ الفرحة التي عمت سوريا بسقوط نظام الأسد لم تحجب مخاوف سوريين وسوريات على نطاق واسع من أن تتجه الإدارة الجديدة في دمشق نحو حكم إسلامي متشدد يعمل على تهميش وجود الأقليات والنساء في الحياة العامة. كما أنّ القرارات التي نسبت للحكومة الجديدة كالفصل بين الرجال والنساء والسماح بمهن معينة للرجال فقط، أثارت المخاوف لدى سوريات عديدات من فصل جديد من القمع والإقصاء بحقهن.
مخاوف من "أسلمة" سوريا
وترى الصحافية والناشطة النسوية السورية المقيمة في ألمانيا، نهى سلوم، أنّ هذه المخاوف تعكس "قلقاً حقيقياً" بشأن حقوق المرأة بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضحت سلوم بعضاً من أوجه هذه المخاوف التي تتشارك فيها مع نساء سوريات داخل البلاد وخارجها خلال مقابلة مع DW عربية بالقول: "اليوم نرى مثلاً دعوات إلى فصل النساء عن الرجال في وسائل المواصلات العامة وكذلك عند مراجعة الدوائر الحكومية وغيرها من الأماكن العامة الأخرى. هناك من يبرر هذه الدعوات بأنها تصب في مصلحة المرأة وحمايتها، ولكنها في الحقيقة جزء من توجه أوسع نحو أسلمة الدولة وقمع المرأة".
وكانت إدارة الشؤون السياسية في سوريا أعلنت نهاية العام الماضي عن تخصيص مكتب جديد يعنى بشؤون المرأة برئاسة عائشة الدبس، كجزء من خططها لتعزيز دور المرأة في المجتمع السوري، وفق تلفزيون سوريا. بيد أنّ تصريحات أدلت بها الدبس حول فهمها وفهم الإدارة الجديدة لدور المرأة أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا وانتقادات من قبل منظمات المجتمع المدني.
فحين سئُلت الدبس خلال مقابلة مع تلفزيون "تي أر تي TRT" التركي باللغة العربية عن المساحة التي ستمنح للمنظمات النسوية في سوريا مستقبلا، أجابت بأنه ينبغي لعمل هذه المنظمات أن "يدعم النموذج الذي نحن بصدد بنائه... لن أفتح المجال لمن يختلف معي بالفكر".
كما دعت الدبس في الوقت ذاته النساء السوريات في الخارج إلى العودة والنساء في الداخل "للاجتماع إلى طاولة واحدة وسندرس الرؤية والنموذج معا".
وفي رد على استفسار من DW عربية على الجدل الذي أثارته هذه التصريحات، أكد المتحدث الإعلامي باسم مكتب شؤون المرأة
بأنه كان للمكتب "تفاعل مستمر مع مبادرات دعم حقوق المرأة، حيث شاركت ممثلات عنه مؤخراً في مؤتمر الحركة السياسية النسوية السورية، وذلك كتأكيد على حرص رئيسة المكتب، الأستاذة عائشة الدبس، على الاستماع لكافة الأصوات النسائية السورية والانخراط في الجهود الداعمة لحقوق المرأة".
من جهة أخرى أكد المتحدث "أن المكتب، ومنذ إنشائه، بدأ بعمليات إحصاء دقيقة لفهم حجم التحديات التي تواجه النساء، والآن نحن في مرحلة التنفيذ العملي عبر التنسيق مع جهات دولية لمعالجة أبرز القضايا، مثل متابعة أوضاع المعتقلات المحررات حديثًا من خلال مشاريع تديرها لجان عمل مشتركة".
"لم تكن لنا حقوق حتى نقلق عليها"
ولأول مرة في العاصمة السورية دمشق، عقدت "الحركة السياسية النسوية السورية" التي تأسست عام 2017 مؤتمرها الأول بشكل علني في أحد فنادق المدينة يوم الثامن من كانون الثاني/يناير الجاري، بمشاركة واسعة من ناشطات الحركة النسوية.
وتؤكد سنا علي مصطفى، الناشطة في الحركة السياسية النسوية السورية وإحدى المتحدثات بالمؤتمر الذي كان بمثابة انطلاقة للتعريف بالحركة وأعمالها وعن الجدل الحالي حول المخاوف بشأن حقوق المرأة، خلال مقابلة مع DW عربية على أن "المرأة السورية لم تكن لها حقوق خلال حكم نظام آل الأسد حتى تقلق أن تختفي بعده".
وتضيف مصطفى لـDW عربية: "كانت المرأة السورية مضطهدة. فعلى سبيل المثال لا تمنح أولادها الجنسية، ترتكم جرائم الشرف بحقها وغيرها من الانتهاكات، لا النظام ولا حتى السلطة الحالية تظهر أي مؤشرات تدل على أن المرأة السورية ستمنح حقوقها بشكل أفضل من أيام النظام". وتابعت الناشطة النسوية السورية: "نحن نأمل أن نمنح حقوق مواطنة رجال ونساء على حد سواء".
أما عن تفاعل الإدارة السياسية الجديدة في سوريا ممثلة في مكتب شؤون المرأة الجديد مع مؤتمر انطلاقة" الحركة السياسية النسوية السورية" الذي انعقد مؤخراً، أشارت مصطفى أنه ليس لديها فكرة أو معلومة دقيقة عن ذلك قائلة: "لم أشاهد مشاركة ممثلات عن المكتب خلال مؤتمر الانطلاقة".
العمل يبدأ من داخل سوريا
هناك العديد من الحركات والمبادرات المشابهة التي انطلقت من قبل لاجئات سوريات سواء في ألمانيا أو في بلدان أخرى، ولكنهن يسعين إلى أن تكون انطلاقتهن من داخل سوريا، كما تقول الصحافية والناشطة النسوية السورية، المقيمة في ألمانيا، نهى سلوم.
وتضيف سلوم الناشطة أيضا في مبادرة فريق المناصرة الجندري: "أعتقد أن العمل اليوم يجب أن يبدأ من دمشق، ولا قيمة لأي شيء يحدث خارجها". ويضم الفريق الذي تأسس منذ حوالي عامين، مجموعة من المنظمات النسوية والناشطات تأسس منذ حوالي عامين، وتعمل سلوم رفقة نسويات سوريات بالفريق على تعزيز حقوق النساء والمساواة بين الجنسين وذلك بالتأثير في السياسات العامة والتشريعات المتعلقة بالمرأة لضمان تمثيلها في مراكز صنع القرار.
وتخطط سلوم وفريقها إلى عقد اجتماع منتصف الشهر القادم في دمشق للعمل على قضايا ودور النساء في عملية إعادة بناء البلاد.
أما الناشطة النسوية سنا علي مصطفى فتقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها تتواجد حالياً في دمشق حتى بعد انتهاء المؤتمر. وعن قرار عودتها إلى سوريا أجابت بسرعة: "أكيد أفكر في العودة إلى سوريا وأنا حاليا في سوريا وأفكر في الانتقال للعيش بها. نحن لم نقم بالثورة من أجل أن نبقى خارج سوريا. أنا جزء من بناء سوريا المستقبل التي تشبهنا جميعاً".
في المقابل ترى نهى سلوم وناشطات أخريات أن "قرار عودتهن مرهون بمدى قدرتهن على لعب دور حقيقي والمساهمة بالتأثير وبناء سوريا المستقبل. سوريا الحرة كما يحلمن ويأملن".