حرب اليمن- بروباغندا وتحيز على حساب المهنية
١٩ يونيو ٢٠١٥بالموازاة مع المعارك الحامية التي يشهدها اليمن منذ انطلاق ما سمي بعملية "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية تجري حرب أخرى لا تقل أهمية، عتادها وسائل الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي، وبالخصوص القنوات الفضائية.
عملية "عاصفة الحزم" التي شنها ما سمي بالتحالف العربي استأثرت باهتمام وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة الإقليمية والدولية خلال الأسبوع الأول من انطلاقها. وكان سير هذه العملية هو الحدث الأبرز والشغل الشاغل للقنوات الإخبارية خاصة الخليجية منها.
"الجزيرة"، "العربية"،"العربية الحدث"، "سكاي نيوز عربية"، "الميادين"، "المنار"، "العالم"، وقناة "النيل" الإخبارية هي أبرز القنوات التي خصصت حيزا كبيرا لتغطية الحرب في اليمن. كل قناة حسب توجهها والخط الذي تفرضه الجهة التي تمول نشاطها، بالإضافة إلى العديد من المواقع الإلكترونية والجرائد. فهل كانت وسائل الإعلام العربية مهنية؟ أم أنها كانت منحازة بشكل واضح في تغطيتها لحرب اليمن؟ ولماذا شكلت هذه الأخيرة تحديا كبيرا بالنسبة للكثير من القنوات العربية؟
إعلام حرب أم حرب إعلامية؟
انطلقت عملية "عاصفة الحزم" بمشاركة تحالف تقوده السعودية ويضم عشر دول في 26 من آذار/مارس الماضي وتلتها عملية "إعادة الأمل" المستمرة حتى الآن. ومنذ الأسبوع الأول من انطلاق "عاصفة الحزم" ركزت معظم القنوات العربية على إعلان السعودية عن بدء العمليات، وتركيبة التحالف العربي الذي شكلته للدخول في هذه الحرب. ولم يشر الكثير منها إلى الموقف الإيراني من هذا التدخل ولا إلى غياب قرار أممي يعطي الضوء الأخضر لهذه العمليات. بالمقابل ركزت القنوات المحسوبة على جماعة الحوثيين وإيران على استنكار ورفض ما أسمته ب"العدوان السعودي". ويقول الخبير الإعلامي عبد الوهاب بدرخان إن الانقسام هو السائد في تغطية وسائل الإعلام العربية لحرب اليمن. ويضيف في مقابلة أجرتها معه DWعربية "بما أن هناك طرفين متنازعين في الحرب، فكل طرف يقدم الرواية التي يريد، ويساعده في نشرها هذا الانتشار الكبير في وسائل التواصل". وعن كون هذه الحرب شكلت تحديا صعبا أمام بعض القنوات العربية تحديدا يقول الإعلامي العربي المعروف "كانت تحديا لأن هناك انقساما على مستوى إقليمي بين دولتين لهما نفوذ كبير، هما إيران والسعودية، وكل واحدة منهما لديها دول ومجتمعات تساندها، خصوصا أن هناك من تهمه المسألة من ناحية مذهبية".
وفيما يبدو الوضع أحيانا وكأنما اختلط فيه الحابل بالنابل على المشاهد العربي بسبب المعلومات المتناقضة أحيانا التي تبثها القنوات العربية حول مجريات الحرب في اليمن، أصبح السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن أمام إعلام حرب؟ أم بالأحرى حرب إعلامية؟ وعن هذا السؤال يجيب الصحافي والخبير الإعلامي علي أنوزلا في مقابلة مع DWعربية بالقول "نحن أمام الاثنين معا، فهذه الحرب، وكأي حرب أخرى، فيها الجانب العسكري والسياسي والإعلامي. والشق الإعلامي حاضر بقوة في هذه الحرب خاصة من الفضائيات العربية المحسوبة على كلا الطرفين، بالتالي فهذه الحرب بدأت إعلامية ومازالت كذلك. والجانب الخفي هو أن إعلام الحرب هنا ليس منخرطا كوسيلة إخبار وإنما مواكبة للبروباغندا الخاصة بكلا الطرفين".
أبواق للأنظمة
منحت وسائل الإعلام العربية عموما أهمية لغارات التحالف العربي وكثفت تغطيتها من خلال مقابلات مع محللين سياسيين وخبراء عسكريين وبث تقارير مصورة بالإضافة إلى تقارير مكتوبة وإلكترونية. وبينما ركزت وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية وحلفائها على "تاريخ انتهاكات الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح" و"توسعهم باستعمال القوة في عدد من المناطق"، تركز بالمقابل وسائل الإعلام المقربة من الحوثيين وحلفائهم على الجانب الإنساني وضحايا القصف السعودي من المدنيين، وعلى الدمار الذي لحق بالمناطق التي تم قصفها. ويعتبر بعض المتتبعين أن حرب اليمن شكلت امتحانا عسيرا بالنسبة لقنوات عربية كانت تعتبر جريئة ومستقلة إلى حد ما في تناول الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية، وجعلتها تظهر بمظهر "بوق النظام" لكن بدرخان يرى ذلك طبيعيا ويقول "دون شك كل وسيلة إعلامية حاليا ترى نفسها مضطرة لعكس وجهة نظر الجهة التي تمولها. ولا يوجد إعلام مستقل مائة بالمائة في العالم العربي، حتى إن كان مملوكا لرجال أعمال، فهم في النهاية يستندون إلى مصالحهم التي هي إما مع السعودية أو إيران، وبالتالي لم يعد هناك مجال لموقف رمادي". أما علي أنوزلا فيرى أن هذا ليس بالأمر الجديد ويقول "هذه القنوات لطالما كانت تابعة لأنظمتها، سواء منها التي مع السعودية أو إيران ولا تخفي تبعيتها، والحرب في اليمن لم تقم سوى بكشف هذا المعطى أكثر وتبيان أن هذه المنابر الإعلامية ليست سوى أدوات بروباغندا بأيدي الأنظمة والحكام".
تصعيد الحملة الإعلامية ضد إيران
مبررات وضرورة شن السعودية وحلفائها للحرب في اليمن استأثرت باهتمام وسائل إعلام عربية. وأبرز هذه المبررات هي دعوة الرئيس اليمني السعودية للتدخل لحماية الشرعية. بالإضافة إلى "تنامي نفوذ إيران في المنطقة وخطرها على أمن السعودية ودول الخليج"، حسب رأي المحللين، بينما تبنت منابر إعلامية أخرى التوجه الذي يعتبر أن ما يدور في اليمن هو حرب بالوكالة بين إيران والسعودية.
تغطية الحرب في اليمن صاحبها تصعيد في الحملة الإعلامية المضادة لإيران حتى في مواضيع بعيدة عن هذا الحدث، وحول ذلك يقول علي أنوزلا "هذه الحرب الإعلامية على إيران كانت موجودة في الماضي أيضا، لكن ربما مستترة أكثر وتتم عبر قنوات دبلوماسية، لكن اليوم نجد وسائل الإعلام منخرطة بشكل مباشر وأكثر وضوحا في الصراع السياسي بين إيران والسعودية". أما الخبير الإعلامي بدرخان فيفسر ذلك بالقول "أولا إيران ينظر لها على أنها المتسببة في حرب اليمن، والتي تهدد أمن كل دول الخليج. وثانيا لأن الحوثيين لم يخفوا منذ البداية نيتهم توجيه ضربات للسعودية عبر حدودها، بالإضافة إلى قرب الاتفاق النووي الإيراني والذي سيكون معه تفعيل أكثر للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما تخشاه دول الخليج وتعتبره تهديدا لها". الإعلام العربي فشل حتى في رفع شعار وقف الحرب لفسح المجال أمام المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات العاجلة لسكان اليمن من المدنيين، من نساء وأطفال وشيوخ.